شعر / بين نكبتين وخيمة
| محمد إبراهيم الحريري |
1 يناير 1970
10:26 م
شردتني الجهات أين السماءُ
يا بلادا تقاسمتها الدماءُ
صار طيفي الذي توارى ضياعي
عنه جرما تهيم فيه النساء
بين جرحين كيف أمشي، ودربي
حال بيني وبينه الأصدقاء؟
لا أطيق الدخول بالأمس حتى
عن يد اليوم لا يضل الدعاء
فانظري الصبرَّ تحت زنار أم
طرَّزته بصبرها الأنبياءُ
عالق بين كبوتين وليل
وسبيلٍ خيارها الالتواء
* * *
لم تزل في مهمة البحث عني
في زوايا متاعبي الأشياءُ
يا خيام الشجون حصَّنتُ مني
غربة منذ خاصمتني الظباء
ليس قبري الذي تبَّناه حزني
حين أمست تزوره العذراء
ان جرحا توسَّمت فيه نفسي
نخوةً لا يجوز فيه العزاء
حال بيني وجرعة الصمت ملحٌ
رشَّه فوق شهقة التيه ماءُ
غيض صبري وأقلعت عن طريقي
بلدة، واستوى على القلب داءُ
فوِّضيني بردعِ عطشى سبيلي
عن عبوري الى غدي، يا سماء
* * *
خلف أمي أسير والنوم حاف
والدروب استجارَ منها الحذاء
أين أمضي وموعدي مع شرودي
ظنَّ فيه هزيمتي الافتراء؟
أين أمضي وصوتنا في الصحارى
لونُ شمس به يلوب المساء؟
مدَّني يا أبي الى الحلم عينا
قد تعرَّت أماميَ البيداء
كل درب اليَّ يحتاج عفوا
واضحا لا يشوبه الاقصاء
كيف لي أن أعيد للقمح وجهي
من حقول بها الأيادي خواء
فارتفاع الشجون، أو مستواها
أنقص الحزن، فاليتامى سواء
* * *
ما وراء الدموع قلب، تقاسي
منه أمُّ، يشيب منها النداء
وارتباط الخيام بالنفس يبدي
غربة لا تلمُّها الأنباءُ
لست أنسى أبي تخطَّى بقبر
هجرتي قبل أن يموت البكاء
* * *
دهشة الريح تكشف الساق عنها
خيمة عندما يحين الشقاء
قد تعثرت في حيارى خيالي
فاعترى صورة الطريق الغباء
لم أجدني أمام باب قديم
خلع الحزن عنه الا الرجاءُ
كنت يا أيها المهجر مثلي
وانتهت بالتشرد الكبرياء
لا يد تمسح المصائب عنا
حين يطفو على الخدود الحياء
فاخلعي يا رياح عني قميصا
رقَّعته بذنبيَ الأخطاءُ
وارتدي خيفتي، من البرد يأتي
قبل أن يغزل الثياب الشتاء