وثيقة وتاريخ

قبيلة الرشايدة في الكويت ... مجد آثل وسجل حافل

1 يناير 1970 08:42 م
قبيلة الرشايدة من أقدم القبائل التي سكنت الكويت، ولكثرة عددها، وأصالة طبعها، وكرم أخلاقها فقد ساهمت في وضع كل لبنة من لبنات بناء الكويت، فلا يوجد ذكر لمعلم ديني أو سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي إلا ولعدد من أبناء الرشايدة له ذكر.

وأنا هنا ما وضعت هذه الصفحة لأطري أسرة أو قبيلة على حساب عرض الوثائق والتاريخ، لكن الحق يقال أجد نفسي اليوم كما أنا أحياناً محرجاً مع أبناء هذه القبيلة الكريمة، فأي وثيقة أضع وأخرى أدع، وأي مسجد أذكر وآخر أترك، وأي شارع أورد وآخر أغفل، وأي حكاية أورد وأخرى أركن؟ وقد صدق الأول حين قال :

تكاثرت الظباء على خراش **** فما يدري خراش ما يصيد

لكن لعله يشفع لي أن هذه الصفحة قد تستمر زمناً أتمكن فيه من التعريف بأكثر أسر الكويت وقبائلها، فما عندي من أخبار وفيرة ووثائق كثيرة تحتاج وقتا لعرضها.

• نص الوثيقة

وثيقة تملّك رسمية

ثبت لدى إدارة التسجيل في الكويت لصدور ورقة من المحكمة الشرعية رقم 364 وتاريخ 13 رجب 1360 هـ أن القلبان الواقعة في الشامية أحد موارد الكويت المحدودة قبلة الطريق النافذ، ويتمها قلبان مبارك الطويرش، وشمالا الجرشة، وشرقا قلبان عبد الهادي بن فهد الهيلم، ويتمها الطريق النافذ، وجنوبا حبس المار، هذه القلبان ملك سعد بن هندي بن هبلة ملكها من ورثة علي النويف كما هو محرر بوثيقة التمليك المؤرخة 27 شوال سنة 1342 هـ المصدقة بإمضاء وختم قاضي الكويت الشيخ خالد بن عبد الله العدساني، وقد توفي سعد وانحصر إرثه في أولاده محمد وعبد الله ونورة، ثم توفي محمد وانحصر إرثه في زوجته طفلة بنت مطلق بن عدلان وابنته نجلة، وقد قبض مطلق بن عدلان استحقاق زوجته، كما قبضت المحكمة الشرعية استحقاق نجلة لكونها صغيرة، قبضاه من عبد الله وأخته نورة، وصارت القلبان كلها لعبد الله وأخته نورة، وقد توفي عبد الله وانحصر إرثه في أخته نورة وعمه عمر بن هندي بن هبلة ووصيه بالثلث عن يد فهد بن ضويحي، وبتاريخه حضر للمحكمة الشرعية كل من عمر وفهد الضويحي الوصي على ثلث عبد الله وحضرت نورة وأقروا ببيع جميع هذه القلبان على يوسف بن عبد الهادي من رعايا حكومة الكويت بمبلغ وقدره وعدده مئتان وعشرون روبية أقر لها بالبيع وقبض الثمن، وقبل المشتري هذا الشراء لنفسه، وبتاريخه حضر المشتري يوسف وأقر بأنه وقف وسبل هذه القلبان على أن يكون ثوابها لأخته شيخة ولأمه فاطمة ولأبيه عبد الهادي وقفا شرعيا لا يباع ولا يوهب ولا يمنع المستحق منه، أراد بهذا الوقف والتسبيل ثواب الله وجزاء أجره العظيم، وجعل نظارة هذا الوقف الصالح من ذريته.

تحريرا في اليوم السابع من شهر صفر سنة ألف وثلاثمئة وست وستين هجرية.

قبيلة الرشايدة في الكويت

قبيلة الرشايدة إحدى قبائل الكويت ولهم أحياء سكنية قديمة داخل سور الكويت الذي تعايشوا فيها مع إخوانهم عديد الأسر الكويتية بكل محبة وتعاون والفطرة الطيبة التي تميّز فيها أهل الكويت.

يقول عنهم الأستاذ الفاضل سعود البعيجاني الديحاني في كتابه «من أعلام الغوص والبحر عند قبيلة الرشايدة»: «إنهم جزء رئيسي من التركيبة السكانية الكويتية القديمة والحديثة، ساهموا في بناء صرح وطنهم، ومارسوا جميع الأنشطة البحرية الكويتية التي تفرّعت منها مهن كثيرة بفضل موقع الكويت على الخليج، فليس عجيباً أن يستغل أبناء الكويت مياهه لاستخراج مكاسبهم وطرق عيشهم بشرف وكرامة».

ويقول الأستاذ الفاضل فرحان الفرحان «في الكويت قبيلة الرشايدة من القبائل العربية التي تواجدت على هذه الأرض منذ تأسيس هذه البلاد والدولة وقد ساهم أبناؤها في كثير من مجالات الدفاع والمحافظة على هذه التربة».

يقول الأستاذ والأديب عبدالله ناصر الصانع «قبيلة الرشايدة قبيلة كبيرة يقطن معظمها مدينة الكويت وضواحيها، ولهم في مدينة الكويت فريج الرشايدة وميدان كبير ويسكن أغلبهم حالياً في مدينة الفروانية».

الرشايدة وقلبان المياه في الشامية

اشتهرت الشامية منذ قديم الزمان بوجود «قلبان» (جمع قليب أو جليب وهو بئر ماء) مياه عذبة صالحة للشرب، حتى أصبحت هذه المنطقة إحدى المصادر الرئيسة لمياه الشرب في الكويت. والقليب يحفر باليد في الماضي لحين الوصول إلى مستوى الماء تحت الأرض، وفي الغالب يكون ذلك لمسافة أمتار قليلة. ويقوم صاحب القليب بوضع أحجار حوله ويمسحها بالطين لمنع الهواء والغبار من اختراقها ثم يصنع باباً من خشب ويضع عليه قفلاً حيث يتم قفل البئر بالليل، ويعود إليه بالنهار للعمل به.

واشتهرت عدة عوائل كويتية بتخصصها في حفر القلبان واستخراج المياه منها واستخدامها في الري والشرب وبيعها على الناس. وتوجد بعض الأوراق التي تثبت ملكية هذه العوائل لتلك القلبان.

ومن العوائل الكويتية التي اشتهرت بامتلاكها القلبان منذ القدم في الشامية:

المجلي – الوقيان - البسام - اليعقوب - الضرمان - السهول - بن هبلة - الهويدي - الدعيج - الريش - الحماد - الخرقاوي - الرندي - النصافي - الحمود - العنزي - الجمهور - النويف - بوطويرش - الزاحم - المقهوي - فهد وراشد الصقر - يوسف العبد الهادي الميلم.

وهذه القلبان يسميها أهل الكويت قيداً باسمين: «الحدريات» و«الفوقيات». أما «الفوقيات»، فهي القلبان التي تقع في منطقة الضاحية الحالية. و«الحدريات»، هي القلبان التي تقع في الشامية الحالية، وبشكل خاص حول منطقة ثانوية الجزائر.

أسرة ابن هبلة

وتاريخ عريق قي الكويت

أسرة ابن هبلة إحدى الأسر التي يرجع نسبها إلى قبيلة الرشايدة، القبيلة العريقة التي سكنت الكويت قديماً، ولها امتداد في الجزيرة العربية وخارجها، وقد سكنت عائلة ابن هبلة في فريج الرشايدة في منطقة شرق، وتركوا لهم بصمات في تاريخ الكويت ما زالت باقية إلى يومنا هذا، ومنها مسجد ابن هبلة الذي أسسه السيد سيف بن فهد بن هبلة الرشيدي العام 1316هـ الموافق 1898م. ويقع هذا المسجد قديماً في حي الشرق في فريج العوازم، وكانت بقربه مزرعة الشيخ عبد الله السالم الصباح. أما الآن، فيقع خلف العمارات التي تقع على شارع مبارك الكبير، وخلف سكن الصوابر في الشرق. ويعتبر هذا المسجد من مساجد السور القديمة يتسع لنحو مئتين وخمسين من المصلين له منارة متوسطة الحجم والارتفاع يظهر أثر التجديد على ثلثيها تقريباً.

وقد حكت الوثيقة المذكورة تملك عائلة ابن هبلة لقلبان مياه في منطقة الشامية، كغيرهم من الأسر والقبائل الكويتية الأخرى، والتعريف بقلبان مياه أخرى لبعض أهل الكويت، وانتقل تملك هذه القلبان لذرية مالكها الأول سعد بن هندي بن هبلة – رحمه الله.

يوسف الميلم وصورة من صور الوقف

الوقف يعبر في غالبه عن ثقافة المجتمع، لأنه يصوّر لنا مواطن الحاجة المختلفة في المجتمع، وتلمس الأغنياء والمحسنين لها ليتركوا لهم ما يخلفهم من صدقة جارية، وهذه الوثيقة حكت لنا انتقال ملكية قلبان الشامية للسيد يوسف بن هادي بن فهد الميلم – رحمه الله-، والذي أوقفها رجاء وصول ثوابها لوالديه وأخته شيخة – رحمهم الله.

ولا شك أن وقف القلبان دلالة على مدى حاجة الناس له في وقت كان الكويت تعتمد في مياهها على بعض القلبان (الآبار)، أو ما يجلب من مياه من شط في أخبار يطول ذكرها، لعل الله ييسر للوقوف على وثائق تلك الحوداث، ومن اشتهر من المحسنين فيها.