بسبب تعاطفه مع القضايا العربية لم يستطع إكمال دراسته في جامعة أوكسفورد
فارس غلوب باشا... ألقى عصا ترحاله الإعلامي في «كونا»
1 يناير 1970
01:08 م
• شارك في المظاهرات التي انطلقت في لندن تأيداً للثورة الجزائرية
• مشواره التعليمي كان عمّان وسويسرا ولندن والأزهر الشريف
• ولد في القدس وكانت وصيته أن يدفن فيها
• ألف العديد من الكتب التي تناصر القضايا العربية
• كان مراسلاً لمحطة (NBC) أواسط السبيعنات
• درس التاريخ الإسلامي في جامعة لندن
نستعرض اليوم جزءاً من مسيرة الاعلامي، الراحل فارس غلوب باشا، الذي وافته المنية في الكويت، العام 2004، فنتطرق الى ولادته في القدس، ثم دراسته في عمّان بعد ذلك نسهب في الحديث عن المحطات البارزة في حياته المهنية، فلنترك عزيزي القارئ مع ذلك:
كانت ولادة فارس غلوب باشا في القدس سنة 1939 في بداية الحرب العالمية الثانية حين كانت تحت الانتداب البريطاني ثم انتقل الى عمّان ودرس في المدرسة الاهلية وهي مدرسة اجنبية وبعدما اصبح عمره 12 عاماً انتقل إلى مدرسة داخلية في وطنه الأم بريطانيا ولكنه نظراً لقساوة نظام تلك المدرسة لم يستمر بها إلا عدة اشهر بعدما توجه الى السفارة الأردنية التي كانت في لندن وطلب منهم الاتصال بوالده لأن والده كان رئيساً لأركان الجيش العربي الأردني لأنه لايرغب الاستمرار في هذه المدرسة وتم الاتصال بوالده الذي استجاب لرغبة ابنه فقام بنقله الى مدرسة اخرى لكنها لم تكن في بريطانيا بل كان مقرها «سويسراً» واستمر يواصل تعليمه في المدرسة التي اختارها له والده حتى انهى مشوار التعليم بها المرحلة الثانوية وخلال دراسته كان يزور والده في عمّان في العطل الصيفية وحين انتقاله للاستقرار في لندن بعدما انتهى عمله في الجيش العربي اخذ يواصل زيارته في لندن حتى انه في العطل الدراسية استقل دراجة هوائية من سويسراً الى لندن.
فارس
الاسم الذي اطلق عليه هو «غولدفي» لكن الملك عبدالله الأول ملك الأردن قال لابد ان يحمل اسماً عربياً فسماه «فارس».
أكسفورد
كانت المرحلة الجامعية من دراسته في جامعة اكسفورد لكن كونه من المتعاطفين مع الثورات العربية والقضايا العربية لم يستطع اكمال الدراسة بهذه الجامعة لان نظامها ضد هذه التوجهات ما حدا به الى الانتقال الى جامعة لندن لكي يكمل دراسته بها وقد شهد هذه المرحلة اعتناقه لدين الاسلام وعمره 18 عاماً لذا كانت دراسته تتعلق في الدراسات الاسلامية واللغة الانكليزية وبعد تخرجه في الجامعة مارس التدريس في مدارس لندن فترة من الزمن.
الجزائر
شارك في كثير من المظاهرات والندوات التي أقيمت في لندن تأييداً للقضايا العربية وتنديدا بالاستعمار والاستيطان اليهودي وحين حدثت ثورة الجزائر كان له نشاط بارز في تأييدها حيث شارك في اللجان الشعبية التي عملت إبان ثورة الجزائر ضد الفرنسيين وكان ذلك في اوائل الستينات.
الأردن
رغم استقرار اسرته في لندن إلا ان روح التواصل لم تنقطع عن الأردن وكانت الصلة بينهم وبين الملك حسين والأسرة الملكية في الأردن قائمة وزيارات متبادلة سواء في لندن أو الأردن. لذلك كانت الأردن محطة من حياته العملية حيث انتقل اليها معلماً في دار المعلمين بها وقد اسند اليه تدريس مادة اللغة الانكليزية.
الإذاعة
بعد تدريسه في دار المعلمين انتقل للعمل في الإذاعة الأردنية في قسم الأخبار التي تبث باللغة الانكليزية وكان ذلك في سنة 1963.
وكانت هناك زيارات للملك حسين حين ذهابه الى لندن لغوب باشا واسرته وبعد زواج فارس ومجيئه للأردن دعاه الملك حسين واقام في قصر الضيافة.
المراسلة
الصحافة وتغطية الأخبار ومتابعة الحدث أخذ حيزاً كبيراً في حياة فارس غلوب فبعدما عمل في إذاعة الأردن تحول الى العمل مع وكالة «سي اب اس» نيوز حيث يتولى متابعة أخبار القضية الفلسطينية التي كانت في ذلك الوقت هي الهم الأكبر عند العرب ولم يكن يقتصر عمله على هيئة واحدة بل تنقل للعمل والتعاون مع كثير من وكالات الأخبارية مثل رويترز و«سي أير اس نيوز» و«السي بي سي» وهذا الأمر كان يحتم عليه الانتقال من بلد الى بلد واخذت مهنة الصحافة كل وقته واكثر ما عمل مع وكالة «سي بي اس نيوز».
المحطة
استقر في لبنان في أوائل السبعينات حيث عمل مع الصليب الأحمر الذي كان يقدم المعونات للمخيمات الفلسطينية عن لبنان وقد اخذ الجانب الانساني حيث يقدم الأيتام واصبح تركيزه على الايتام الذين فقدوا من يعولهم وزاد من نشاطه حين اندلعت الحرب الأهلية في لبنان زاد نشاطه الاجتماعي في المساعدات في توفير الحاجات الضرورية للناس المتضررة الى جانب هذا العمل كان يغطي أخبار الساحة لوكالة «السي بي اس» الأميركية... وهذه المرحلة كانت طويلة حيث تعاون مع اللجان الشعبية التي اخذت الجانب الانساني في تقديم المساعدة لجميع المتضررين وقدم الكثير من التضحيات والمغامرات في حياته.
الأيتام
أصبح مسؤولاً عن مخازن المساعدات الغذائية فترة من الزمن وهذ المساعدات كانت توزيع الأيتام في المخيمات الفلسطينية وقد استقرض ذات يوم من أحد زملائه 5 دولارات لكي يشتري له طعاماً فسأله لماذا تشتري ومخازن تموين عندك فقال هذه إمانة لأصحاب الحاجة من ذوي الحاجة والأيتام.
قبرص
وفي أول الثمانينات انتقل الى قبرص بعد الاجتياح الاسرائيلي لكي يغطي الخبار للوكالة «سي بي اس» والى جانب هذا عمل في الترجمة سواء الترجمة الحرفية والمؤتمرات التي كانت تعقد في قبرص فكان متعهداً في تنظيم المؤتمرات والترجمة.
كونا
استقر في تونس لأجل عمله الصحافي حيث كان يتطلب عليه الإقامة بها ثم تحول عمله مع إحدى الوكالات ما جعله يعود الى لبنان فترة ثم واصل تعليمه حيث عاد الى لندن لكي يلتحق في جامعة لندن التي درس بها وحصل على شهادة الماستر.
بعد ذلك جاءه عقد للعمل مستشاراً في وكالة «كونا» الكويتية سنة 1995 في قسم التحرير العربي.
الإنسان
كانت علاقاته الواسعة جعلته يتعاون مع القوانين الدولية وهيئات حقوق الانسان العالمية وقد كلف لكي يقدم ملفاً عن جرائم اريل شارون لكي يقدمه للأمم المتحدة... وشارك في مؤتمر حقوق الانسان الذي عقد في بلجيكا في منتصف الستينات.
الاستهداف
كان مستهدفاً من كثير من الانظمة لجراءته بمقالاته الجريئة في تبني القضايا العربية والاسلامية وكان من مناصري قضية البوسنة حينما حدثت وطالب برفع قضية على الحكومة الفرنسية حينما منعت ارتداء الحجاب... وكان من ابرز الاشخاص المؤسسين للجنة الاسلامية العالمية لحقوق الانسان والمسجلة رسمياً في الامم المتحدة التي كان رئيسها شيخ الأزهر الدكتور محمد طنطاوي وامينها المحامي مبارك المطوع من الكويت.
المؤلف
لقد عاش في قبرص سنوات عدة والف مؤلفه (نجم داوود والصليب المعقوف).
وقد رفعت ضده قضية رفعها رئيس وزراء اسرائيل السابق شامير وحاول منع نشر الكتاب وفعلاً تم منعه أن ينشر باللغة الانكليزية لكن فارس غلوب نشره بعد ذلك باللغة العربية وذكر فيه من الحقائق التي اتفق اليهود مع هتلر على قتل العجّز وعددهم 600 شخص عديمي الفائدة ثم ادعى اليهود ان هتلر قتل واحرق 6 ملايين يهودي. ومن الكتب التي ألفها كذلك نجوم في سماء فلسطين 1978 والصيهونية هل هي عنصرية 1975 والقضية الفلسطينية والقانون الدولي 1970.
الرسالة
كان دائماً يدعم القضايا الانسانية خصوصاً القضية الفلسطينية... كانت أطروحته لرسالة الدكتوراه هي العلاقة الانسانية بين صلاح الدين وريتشارد قلب الأسد وهذه الموضوع كما هو معروف حينما يتطرق اليه ينظر الى الحروب التي قامت بينهما لكن هو نظر اليه من ناحية انسانية والصداقة بينهما لكن المصادر كانت قليلة التي تطرقت إلى هذا الامر وهذا الذي دفعه ليبحث ويذهب الى كثير من الدول ويزور مكاتبها لكي يوفر مراجع لهذا البحث ولهذا تأخر البحث لندرة المصادر وقد اخذ معه هذا البحث اكثر من عشر سنوات فوافته المنية قبل المناقشة في جامعة لندن.
الخلاف
كان هناك فرق كبير بين شخصيته وشخصية والده فهو كان دائماً مع ثورات الانسانية اينما كانت ووالده كان رجلاً عسكرياً وينتمي لدولة مستعمرة وهذا الذي دفعه أن يستخرج جواز سفر ايرلندياً... كان هناك بون شاسع بين شخصيتين لكن الاحترام والود والبر لوالده كان قائماً.
مراسلاً
عمل مراسلاً لمحطة (NBC) في لبنان واثناء ذلك قام بنشر العديد من المقالات المناصرة للقضية الفلسطينية والقضايا العربية وقد نشرت هذه المقالات في صحيفة السفير ومجلة الأفق الفلسطينية التي كانت تصدر في قبرص وكذلك صحيفة الحياة وعدد من الصحف العربية والأجنبية.
الصفات
من الامور التي تميز بها اثناء الاعمال التي قام بها سواء في عمله الصحافي أو حينما كان مراسلاً لكذا وكالة اخبارية أو عمله في الترجمة تميز في الاتقان المتفاني للاعمال التي يوكل بها فكان مجتهداً لا يترك مهمة تولاها حتى ينجزها على اكمل وجه وكذلك كانت عنده روح التضحية والمغامرة، متمسكاً بالمبادئ والقيم التي سار عليها... اعطى الاعلام والقضايا العربية والاسلامية جل وقته وحياته.
المساعدة
كان يستقطع جزءا من وقته للطلبة الاجانب الذين يرغبون في تعلم اللغة العربية ولا يقتصر الامر على تعليمهم بل يترجم لهم ما يرويدنه من رسائل ومخاطبات فهو يتقن اللغات العربية والانكليزية والفرنسية وكذلك عنده إلمام باللغات العبرية واللاتينية والألمانية.
الموسوعة
خلال سفره في انحاء العالم والاعمال الكثيرة التي انخرط بها اكتسب ذخيرة ثقافية كبيرة واسعة ومعرفة متناهية في جميع مناحي الحياة... تعرض خلال عمله الاعلامي الى المضايقة والاعتقال والاصابة بالطلقات النارية لكن رغم ذلك كان صابراً محتسباً الأجر عند ربه عز وجل.
الزواج
تزوج مرتين، انجب من زوجته الأولى ابنه مبارك ثم تزوج مرة اخرى من زوجته التي توفي وهي على ذمته وانجبت منه ابنتين سارة ودارين.
الوفاة
في يوم السبت الموافق 3 /4 /2004 كان فارس قد خرج من عمله مستشاراً في وكالة كونا ويهم في قطع الطريق فإذا به يتعرض لحادث سير ادى إلى وفاته وكانت وصيته ان يدفن في القدس لكن السلطات الاسرائيلية منعت ذلك ودفن في عمّان في الأردن.
غلوب باشا (أبوحنيك)
يعد الفريق السير «جون باغوت غلوب» أو «غلوب باشا» من أهم الشخصيات العسكرية والسياسية البارزة في بريطانيا التي ارتبط تاريخها بتاريخ الأمة العربية في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، وبدأت صلته بالشؤون العربية بوصوله الى العراق في سنة 1920.
ولد غلوب في 16 أبريل 1897 في مدينة «بريستون» البريطانية، وهو من أصل إيرلندي، تعلم ركوب الخيل في صباه وكان يملك حصاناً عربياً. كان والده ضابطاً في سلاح الهندسة البريطانية، وكان يحلم منذ طفولته بأن يصبح ضابطاً مثل والده، وتحقق حلمه وأصبح ضابطاً في سلاح الهندسة سنة 1915. وشارك في الجبهة الفرنسية ضد ألمانيا في الحرب العالمية الأولى. وفي أغسطس سنة 1917 أصيب بشظية من قنبلة ألمانية حطمت فكه السفلي وكادت تقضي عليه، وتم إخلاؤه إلى إنكلترا، ولم يتعاف من إصابته إلا في مارس سنة 1918، وخلفت تلك الإصابة تشويهاً بفكه (حنكه) ومنح بسببها وسام الصليب العسكري البريطاني، ومنحه البدو وسام «أبوحنيك» هذا اللقب المحبب لديه ولدى البدو.
وما إن وضعت الحرب الكونية الأولى أوزارها حتى نقل للخدمة في العراق ضمن جيش الاحتلال البريطاني، وهناك تعلم اللغة العربية وأجادها وانجذب إلى العرب وبدأ يهتم بثقافتهم وتاريخهم وحضارتهم. قام في بدايات خدمته في العراق برحلات استكشافية في «صحراء الحجرة» ورسم خرائط تفصيلية للأماكن والطرق في تلك الصحراء، ويعتبر أول أوروبي قام بعبور «صحراء الحجرة».
وبُعيد وصوله إلى العراق تم تعيينه ضابط استخبارات تابعاً لسلاح الجو الملكي البريطاني، بلقب ضابط مهمات خاصة وذلك في أبريل سنة 1922 وكان عمله يتركز في المنطقة الصحراوية جنوبي العراق في جزء أشبه بشكل المعـيّـن عرف بالمنطقة المحايدة بين العراق والسعودية، واستقال من وظيفته في الجيش البريطاني وأصبح مفتشاً إدارياً لشؤون الصحراء الجنوبية في الحكومة العراقية الملكية، وكان ذلك في الفترة ما بين سنة 1927 إلى سنة 1930.
وبعد أن حقق النجاح في تنظيم البدو ووضع حداً للغزوات القبلية دعته حكومة «شرق الأردن» - سنة 1930 - للخدمة بجيشها حيث ساعد في تأسيس الجيش العربي الأردني وتجنيد البدو فيه. وفي سنة 1939 عينه الأمير (الملك) عبدالله رئيساً لأركان الجيش العربي الأردني وقاد الجيش العربي لمحاربة الصهاينة في فلسطين 1948 - 1949، وخدم في الجيش الأردني أكثر من ربع قرن من الزمان إلى أن أنهى الملك حسين خدماته في مارس سنة 1956 فعاد إلى بريطانيا. وتجاهلته الحكومة البريطانية، بعد عودته، ولم تعرض عليه عملاً آخر، وعاش على ما يرده من كتابة المقالات وتأليف الكتب وإلقاء المحاضرات في الجامعات الأميركية حول الشؤون العربية والإسلامية. ألف 20 كتاباً مهماً في التاريخ الإسلامي والشؤون العربية منها: «الفتوحات العربية الكبرى» و«هارون الرشيد» و«جندي مع العرب» و«الجيش العربي الأردن»، كتاب «حرب في الصحراء»، وكان آخرها سيرة حياته بعنوان «المشاهد المتغيرة للحياة».
وتوفي يوم 16 مارس 1986. وقد أبّنته صحيفة (التايمز) اللندنية بقولها «إن العالم العربي يذكره على أنه أعظم من لورنس ويعود كثير من النجاح الذي حققه إلى تعاطفه الكبير مع العرب، وخاصة البدو الذين كان هو مرجعاً بارزاً عنهم» المصدر كتاب «حرب في الصحراء»