عبدالعزيز صباح الفضلي / رسالتي / الجامي العلماني ... ومرشد الإخوان
1 يناير 1970
07:52 ص
| عبدالعزيز صباح الفضلي |
لم أجد وصفا أصف به أولئك الذين ملأت الفرحة قلوبهم لسقوط الشهداء في جريمة فض اعتصام المرابطين في ميداني رابعة العدوية والنهضة وبقية ميادين مصر.
فكيف لمخلوق أن يفرح لمشهد إسالة الدماء وإزهاق الأرواح لمعتصمين مدنيين سلميين، وكان من بين من سقط معهم النساء والأطفال والشيوخ الكبار.
إن النفس البشرية مصانة حرم الله قتلها بغير حق، وجعل التعدي عليها أعظم من هدم الكعبة، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام وقف لجنازة كافر، وصلى على جنازة رأس المنافقين، ولكن العداوة التي ملأت قلوب البعض تجاه الإخوان ومؤيديهم جعلتهم ينخلعون من إنسانيتهم. ومن عجب الأحداث الجارية في مصر أن ترى اتفاق الجامي مع العلماني في تأييد حكم العسكر ليصبحا وجهين لعملة واحدة.
فالجامي الذي يحذر من الخروج على الحاكم أو نصحه في العلن أصبح خارجيا يؤيد نزع الحاكم، ويدعو إلى السمع والطاعة للحاكم المتغلب، مع أنه لم يعلن نفسه حاكما وإنما ذكر أن عدلي منصور هو من سيتولى حكم البلاد خلال الفترة الانتقالية.
وفي الوجه الآخر تجد العلماني وأخاه الليبرالي ينقلب على فكرة الديموقراطية والحرية التي كان يطالب بها ويُنظّر لها ويدافع عنها، ليؤيد حكم العسكر نكاية بالإسلاميين وفي مقدمهم الإخوان المسلمين.
لذلك أعتبر أن الانقلاب كان فرصة لكشف الناس على حقيقتهم وفضح الشعارات الزائفة التي كانوا يرفعونها. ويظن قادة الانقلاب أنهم باعتقالهم لمرشد الإخوان الأستاذ محمد بديع أنهم بذلك قد تمكنوا من القضاء على الجماعة وأنهوا وجودها، أو استطاعوا على الأقل تحجيم دورها، وأقول إن هؤلاء مساكين، فهذه الجماعة التي تأسست عام 1928 على يد الإمام الشهيد حسن البنا، لا ترهبها المعتقلات ولا يقف في طريقها الاغتيالات لأنها ولسبب بسيط دعوة ربانية لا ترتبط بوجود الأشخاص، وهذا ما جعلها دعوة صامدة أمام جميع المحن التي تعرضت لها منذ انطلاقها إلى يومنا هذا. ومن يتأمل تاريخ الجماعة يدرك ذلك، فلم تمت الجماعة باغتيال مؤسسها في عهد الملك فاروق، ولم تنحنِ أو تنكسر برغم ما فعله حاشية عبدالناصر بهم، ولم تقف دعوتها في عهد السادات، ولم تنحسر شعبيتها أيام حسني مبارك برغم حظر الجماعة ومنعها من تكوين أحزاب أو مؤسسات، بل بقيت متواصلة مع معظم شرائح المجتمع، حتى إذا ما أتيح للشعب الاختيار الحر والنزيه فضل مرشحيها على غيرهم في الكثير من المحافظات والدوائر، ويوم أن ترشح أحد رموزها وهو الدكتور مرسي لرئاسة الجمهورية لم تتردد غالبية الشعب في اختياره.
أعتقد أن عزل مرسي قدم خدمة عظيمة لجماعة الإخوان المسلمين، فهاهم الناس اليوم يتعاطفون مع الإخوان بصورة كبيرة جعلتهم يدافعون عن الجماعة ورموزها ويذكرون محاسنهم ويذبون عن أعراضهم، والكثير ممن أيد الانقلاب أصبح اليوم يتحسر على حكم الإخوان المتمثل بالرئيس مرسي، خاصة عندما يقارن بين مساحة الحرية التي تنعّموا بها في عهده وبين الحكم البوليسي الذي يعانون منه اليوم.
لذلك أعتقد وبكل تفاؤل أن حكم العسكر إلى زوال، لاسيما وأن كثيرا ممن ركبوا قطار الانقلاب بدأوا بالنزول منه والتبرؤ من خط سيره، ومن أبرزهم البرادعي، كما أن المسيرات والاعتصامات لا تزال مستمرة، وكسر حظر التجول يتم يوميا في الكثير من المحافظات. وأخيرا فإن شعب مصر العظيم الذي ذاق طعم الحرية لا يمكن أبدا وفي أي حال من الأحوال أن يعود مرة أخرى إلى زمن العبودية وخاصة تحت حكم العسكر.
twitter :@abdulaziz2002