... يا معالي النائب الأول
1 يناير 1970
06:02 ص
لا نملك إلاّ الرأي لتقديمه، فنحـــن أيضـــاً لا عصا سحرية في يدنا ولا حلول جاهزة، ولا نرغب إطلاقاً أن نكون في موقع المحاربين بالتنظير والمعترضين بالفـلـسـفة.نملك الرأي والنصيحة، ونحمد الله أننا في دولة ينام صاحب الرأي فيها من دون أن يقلقه زوار الفجر.اليوم، كما في الأمس، تعيش الكويت في دائرة الهاجس السياسي والاقتصادي والأمني, واليوم، كما في الأمس، يحلق الحديث عن هذا الهاجس إلى آفاق بعيدة ثم يهبط فجأة في مطار المجالس.مناسبة الكلام، الكلام عن مجلسين جديدين، أحدهما اقتصادي والآخر «أعلى للإعلام»، وكأننا هواة تجميع مجالس، أو كأن الكويت أدمنت هذه الطريقة في البحث عن حلول,,, وتجميدها.يا معالي النائب الأولالمشاكل كثيرة، صحيح, والمهمة صعبة، أيضاً صحيح, والتراكمات أعقد من أن تحل بقرار، نوافق, والقرارات الجذرية والتغيير الحاد وإعادة توجيه المسارات إلى الوجهة الصحيحة,,, قد تكون مؤلمة ولا ترضي كل الناس، أمرٌ لا يختلف عليه اثنان, ولكن في النهاية لا بد من قرار، ولن تكون المجالس حاجزاً دون الوصول إلى الأسوأ.صاحب القرار يا معالي النائب الأول- ولا نخالكم بعيدين عن الصورة- يحتاج قبل كل شيء إلى وزراء بمستوى رجال دولة، سلوكاً ورؤية وفكراً والتزاماً, وزراء لا يكونون عبئاً على رئيسهم وعلى صاحب القرار, وزراء لا يتصرفون وكأن مسؤوليتهم محصورة فقط في إدارة أعمال وزاراتهم اليومية، أو في الاستفادة من مناصبهم لتكديس منافع سياسية أو انتخابية أو قبلية أو شخصية.صاحب القرار، يحتاج إلى وزراء يكونون بالإضافة إلى عملهم، فريقاً استشارياً أساسياً يرجع إليه رئىس الوزراء أو نائبه عند اتخاذ القرار، فيتحملون مسؤوليتهم بجدارة، ويتقدمون الصفوف الأولى في التحليل ومواجهة المشاكل واقتراح الحلول، بدل الاختباء تارة خلف عباءة الرئيس وطوراً خلف المجلس المتخصص الذي أنشأته الحكومة.وعلينا أن نعترف- مع تقديرنا للجميع- أن عدداً كبيراً من أعضاء الحكومة لا ينطبق عليه هذا الوصف.علمتنا التجارب، يا معالي النائب الأول، أن المجالس المتخصصة- وما أكثرها في الكويت- كثيرة «التنظير» قليلة الفعل والإنتاج، خصوصاً أنها استغلت في السنوات الماضية لأسباب متعددة:استغلها الوزراء أنفسهم لإزاحة المسؤولية عن كاهلهم وتحميلها إلى رئيس المجلس الذي يكون عادة رئيس الحكومة أو نائبه الأول, فجيّر هؤلاء اختصاصات كثيرة تابعة لهم إلى المجلس المتخصص ونسوا، أو تناسوا، أن الوزير هو المسؤول أولاً وأخيراً عن تنفيذ السياسات العامة المتعلقة بوزارته.واستغلت المجالس أيضاً لتنفيع بعضهم، وإرضاء بعضهم، بل لـ «تطييب خواطر» كثيرين يحملون لقب «وزير سابق» أو «نائب سابق»، وتم توظيف عملية التعيين لأهداف سياسية واجتماعية، ففقدت هذه المجالس أهم صفة تحتاجها لتنجح، وهي وجود الرجل المناسب في المكان المناسب.كثرت المجالس وغاب القرار، وكثرت التعيينات وغابت الحلول.في حال وجود وزراء بمستوى رجال دولة ومواصفات متقدمة، وعبر الاستعانة بمختصين وخبراء في كل مجال من المجالات، ومستشارين يقدمون النصيحة بثقة ومسؤولية ومن دون مجاملات ومراءاة وخوف على المنصب، وبالاستناد إلى رؤية سياسية واقتصادية واضحة، بعد كل التجارب المريرة، رؤية تعتمد على نظرة تنموية مستقبلية شاملة، لا نظرة للآني من المشاكل ومحاولة معالجتها بحلول ترقيعية,,, في هذه الحال فقط، يستطيع صاحب القرار اتخاذ قرار وتأمين السبل الملائمة لتنفيذه، من دون حاجة إلى حشد الجميع في «مجلس» وتحويل المجلس لاحقاً إلى إدارة بيروقراطية تابعة لـ «القطاع السياسي العام».المجلس الاقتصادي العتيد، محكوم عليه بالفشل، و«المجلس الأعلى للإعلام» المزمع إنشاؤه، لن يصلح ما أفسده بعض الوزراء، والمجالس واللجان السابقة كلها بحاجة إلى إعادة نظر, فمشاكل الكويت واضحة جداً، والحلول معروفة، حتى وإن كانت جرعات التغيير فيها مزعجة ومؤلمة, وما على صاحب القرار سوى تغيير الآليات السابقة للتقرير والتنفيذ، مستعيناً بالخبراء والمختصين، وواضعاً الوزراء- بالدرجة الأولى- أمام مسؤولياتهم.يا معالي النائب الأولقديماً قيل: إذا أردت أن تقتل مشروعاً حوّله إلى لجنة.واليوم نقول: إذا أردت أن تقتل قراراً أنشئ له مجلساً.كانت المجالس بالأمانات، فلتبق كذلك, أما الكويت فهي أمانة غالية، ونريدها أن تبقى في أيدٍ أمينة.
رئيس التحرير