السطر الأخير

1 يناير 1970 07:21 م

 


على الرغم من كل الغبار المتصاعد من قضية استجواب وزير النفط الشيخ علي الجراح، وعلى الرغم من المواقف الحادة التي يعلنها المستجوبون، وعلى الرغم من الصفقات التي بدأ يعقدها هامشيون انتهازيون مستفيدون من اي أزمة... يمكن القول ان هناك فرصة ليكون الاستجواب نموذجا لاستخدام الادوات الدستورية بشكل سليم وفي اطار اللعبة الديموقراطية والدور الرقابي.
نقول هناك فرصة اذا احسنت كل الاطراف الالتزام بالدستور وقواعد العمل السياسي المتحضر، وعندما نقول كل الاطراف فاننا نقصد بالطبع الوزراء والنواب، فمثلما يتهم النائب بتصفية حسابات شخصية او العمل لمصلحة فردية يتهم الوزير ايضا بتصفية حسابات شخصية والعمل لمصلحة فردية... والامثلة على الاتهامين كثيرة ملّ القراء من كثرة تكرارها.
الاستجواب حق برلماني طبيعي يفترض ان يؤيده كل نائب والا اعتبر مخالفا لقسمه باحترام الدستور... اما طرح الثقة فأمر يختلف تماما عن الاستجواب، والقرار فيه يفترض أن يكون بعد انتهاء الاستجواب والاستماع الى صحيفة «ادعاء» المستجوبين ومرافعة الوزير الدفاعية، ومن يستعجل القرار والقفز فوق المراحل ويتحدث مسبقا عن طرح ثقة يكن قد خالف الدستور وخالف الشرع الذي ينهى عن الحكم على النوايا.
لا ندافع هنا عن احد الا عن ضرورة الالتزام بالقواعد والاصول، فالضغط السياسي والشعبي والاعلامي على النواب لتحديد مواقف مسبقة قد يؤثر سلبا على النواب (المستجوبين والمؤيدين والمعارضين) وعلى الوزير من حيث تشتيت الافكار وعدم التركيز على مواد ومحاور الاستجواب. اما كثرة الحديث عن محاور الاستجواب والقضايا المتعلقة به فقد لا تكون فى مصلحة النواب المستجوبين وتؤدي لكشف بعض أوراقهم وخسارتهم لعنصر التشويق والمفاجأه، كذلك ليس من مصلحة فريق الوزير الايحاء المستمر بانه يتعامل مع محاور الاستجواب بسهولة ويسر وانه ضمن عددا كبيرا من الاصوات المؤيدة له... فالمغالاة في التوقعات لدى فريق المستجوبين والمغالاة في التبسيط من فريق الوزير نتيجتهما واحدة وهي خروج الاستجواب من كونه وسيلة رقابية راقية الى حلبة صراع واستعراض عضلات وبازار سياسي مفتوح لكل انواع البيع والشراء.
المستجوبون يملكون الحق كل الحق في مساءلة الوزير سياسيا عما اعتبروه اساءة ومخالفة وتجاوزا. والوزير يملك الحق كل الحق في الدفاع عن موقفه واثبات خطأ العناصر التي ارتكزت عليها المساءلة، لكن ترجمة ذلك تكون في اطار صحي هادئ بعيد من التجريح والاستفزاز ما دامت المصلحة العامة هي الهدف الاساسي للنواب لا رأس الوزير، وما دام توضيح المواقف هو الهدف الاساسي للوزير لا استخدام الاستجواب وسيلة لاضعاف هذا النائب او تلك الكتلة.
لتكن فرصة حقيقية للحياة السياسية الكويتية، يثبت فيها النواب المستجوبون انهم رجال دولة وتشريع ورقابة حقيقيون، ويثبت فيها الوزير انه مسؤول عن قطاع عام يديره بثقة القيادة وتكليفها، في جو يعطى كل طرف فيه المجال كاملا للحديث والتوضيح والتفنيد ثم نترك المجال للنواب للتصويت على طرح الثقة من واقع قناعاتهم لا من واقع الضغوط او التسويات. وحبذا لو عمل كل نائب على تبيان الاسباب التي دعته للتصويت اما مع قرار طرح الثقة واما ضده بشكل تفصيلي ليتعرف الناس على العناصر التي تحكم قرارات النائب وهل هي قناعاته ام... أمور اخرى.
قد يبدو ما سبق عصيا على التطبيق، خصوصا مع استمرار وجود النواب الانتهازيين الذين استمرأوا ابتزاز الحكومة وحلبها في كل ازمة سياسية، ومع استمرار وجود عناصر حكومية شجعت النواب الانتهازيين على السير في نهجهم. قد تبدو الصورة قاتمة لكننا يجب ان نبدأ من مكان ما لاعادة تقويم تجربتنا الديموقراطية وتطوير نظامنا السياسي. نريد ان نفعل ذلك نحن لاننا لا نريد ان يتدخل احد غيرنا لا في عملية التقويم ولا في عملية التطوير.
... نتمنى ان يقرأ كثيرون السطر الاخير اكثر من مرة.


جاسم بودي