شيء ما سيحدث في الكويت...
1 يناير 1970
12:47 ص
كانت الهزة الأرضية التي حصلت قبل أيام في الكويت مؤشرا لهزات سياسية مقبلة قد تتجاوز درجاتها المقاييس الآمنة. كانت تجربة قدرية لحال الهلع والخوف والترقب التي تحكم سلوك الناس، وتجربة «طبيعية» اختبرت ردود فعل الشارع في ساعة متقدمة من الليل.
الهزات السياسية المتوقعة هي أيضا تجارب «طبيعية» لكنها ليست قدرية. هي مخططات وافكار اعدها بشر في الكواليس وتم انضاجها بالتشاور مع اركان «المجموعة» واعطيت لخبراء في التسويق كي تشتعل الحناجر عند اي سبب وتطلق النيران الكلامية في كل الاتجاهات... المهم هو تخصيب ازمة تلو اخرى لتصل الحياة السياسية الكويتية الى طريق مسدود تكثر فيه الحلول غير التقليدية.
هل في الأمر مبالغة؟
راقبوا فحسب ماذا حصل منذ ازمة الدوائر الانتخابية وحتى اليوم، وتوقفوا مليا عند الانتخابات الاخيرة في الشارع وتحت قبة البرلمان وما رافقها من تهديد ووعيد. ثم راقبوا الاداء النيابي شبه المحصور بالوقوف خلف متاريس متفرقة للقصف على الجهة الاخرى، جهة الحكومة، تحت مسميات متعددة عنوانها واحد: «المزيد من التصعيد».
وراقبوا ايضا اداء بعض الوزراء الذي لا يقل سوءا عن اداء بعض النواب، حيث «يهرول» الوزير فورا الى معسكر النواب لتغطية مخالفات او تبييض قرارات خطأ او لزيادة الدس على زميله الوزير المعرض للمساءلة، فيفتح «اللامانع» ويسهل معاملاتهم ... ثم تأتي «كلمة السر» فيجد نفسه على المنصة خاسرا التضامن الحكومي من دون ان يربح «الحليف» النيابي.
وراقبوا بدقة اكثر علاقة الخلاف النيابي – النيابي والنيابي – الحكومي والحكومي – الحكومي، بتجاذبات الاقطاب داخل الاسرة وصراع اجنداتهم الخاصة. فالدقة مطلوبة هنا لان ملعبي المجلس والحكومة مفتوحان للاعلام والرصد فيما العكس غير صحيح بالنسبة الى ملعب الاقطاب داخل الاسرة اللهم الا من خلال «المجموعة» التي تكتب وتقترح وتزور وترسل الرسائل يسارا ويمينا.
مرة اخرى، هل في الامر مبالغة؟
ومرة اخرى، لنتابع معا حجم التصعيد الذي يعصف بالكويت ونقارنه بحجم الاسباب... من الجدل حول تطبيق القوانين الى الملاحظات على اداء وزير او وزيرة.
المبالغة ليست في تشخيصنا بل في ردود الفعل المثارة حول هذه القضية او تلك، وهي مبالغة لا يمكن فصلها عن تداخل التجاذبات وصراع الاجنحة في مختلف مواقعهم.
شيء ما سيحدث في الكويت...
شيء، سيوصل الى المواجهة فالطريق المسدود فالحلول غير التقليدية.
التصعيد السياسي بات الخبز اليومي، وكأن الذين يفعلون ذلك يتبادلون الادوار ويوزعون المواقع بحيث تبقى العلاقة بين المجلس والحكومة على صفيح ملتهب.
التأزيم السابق الذي كان متوقعا له ان ينتهي بحل المجلس يستمد وقودا جديدا من مواضيع جديدة، وكأن بعض «المخططين» اصيبوا باحباط نتيجة عبور الصيف على خير.
الاجندات المتناحرة داخل الاسرة التي كان يفترض ان تنتهي بعد انكشاف غالبيتها والضرر الذي سببته للاسرة نفسها وللحياة السياسية الكويتية، عاودت نشاطها بطريقة لا يمكن معها الا القول: «الله يستر».
شيء ما سيحدث في الكويت...
ولكن لننتظر شيئا ايجابيا مختلفا اذا خلصت النيات، فالذين يمهدون المسرح للفوضى والذين يشعلون النار والذين ينفخون فيها يعرفون ان الحرائق لن تستثني احدا في حال اندلاعها. من هنا نعتقد ان البداية الحقيقية لهدنة قد تكون منطلقا للحل، تكمن في ان تصحح كل سلطة اداءها بنفسها من دون «التمدد» على سلطة اخرى لتغطية اخطائها. ينسحب هذا الكلام على المجلس والحكومة وعلى الاقطاب الآخرين داخل الاسرة.
مجلس الامة مطالب بان يتفرغ لدوره التشريعي – الرقابي، وان ينظم صفوفه خلف هذا الدور بأي شكل تكتلي يرتضيه، وعلى انظمته الداخلية القيام بدور تصحيحي لمسيرته وتحرك اعضائه ان وجدت اخطاء.
والحكومة مطالبة بان تكون قدوة في الالتزام بالقانون والاطر الدستورية، وان يوجد رئيسها آلية تقييم ورقابة وتصحيح للمشاريع والقوانين قبل البت بها او اقرارها، وألا يسمح الوزراء بأي اجراء ناقص او ملتبس يجعل السلطة التنفيذية هدفا للقصف النيابي من جهة ويؤدي الى شلل في عجلة المشاريع من جهة ثانية.
واقطاب الاسرة مطالبون بان يكونوا على مستوى المسؤولية وان يدركوا انهم، وقبل غيرهم، حراس حكم. وعلى اصحاب الاجندات الخاصة بينهم الاقتناع بان مصلحة الكويت اكبر بكثير من ضرب نفوذ ابن العم وسلطة ابن العمة وشعبية ابن الخال، وان حشد وزراء ونواب وشخصيات سياسية من اجل مشروعهم المستقبلي على حساب الاستقرار السياسي راهنا سيبقيهم اسرى المحاور ويهدد مشاريعهم الخاصة والعامة في المدى الطويل. بصراحة اكثر وبمحبة اكبر، نقول ان من حق اي نائب ابداء اي ملاحظة على الوزراء ورئيس الوزراء شخصيا بهدف المصلحة العامة. لكن ان يحرض اقطاب في الاسرة نوابا للتهجم على وزراء ورئيس الوزراء لاهدافهم الخاصة، فالنتيجة قد تكون خسارة الاسرة لمنصب رئيس الوزراء.
ان بقاء الكويتيين اسرى هذه الصورة ظلم لهم ولتاريخهم وضرب لمستقبلهم، والتصحيح داخل كل سلطة مطلوب لارساء نهج جديد في العلاقة بين السلطات وعلى مستوى الانجاز الوطني العام، من اجل ارضية صلبة لمستقبل لا تهزه اجندة... ولا مشاريع سلطة.
جاسم بودي