حرروا الاقتصاد... الرهينة

1 يناير 1970 01:04 ص

غرفة تجارة وصناعة الكويت ليست صرحا اقتصاديا بالمعنى المتعارف عليه. ليست مبنى يزوره عدد من التجار ورجال الاعمال لتخليص امورهم. ليست قطاعا منعزلا يشارك بشكل فولكلوري في الزيارات والاستقبالات... وبالتأكيد فهي ليست ملحقا اداريا حكوميا يواكب القرار او ينفذه بلا اعتراض.
«الغرفة» هي جزء من النسيج الوطني الكويتي، بل يمكن القول انها مرتكز اساسي في قيام الكويت كدولة وفي استمرار الكويت كدور. كان التجار الاوائل والبحارة صوت الكويت وصورتها على مدى عقود قبل اكتشاف النفط ، وكان التجار ركيزة انتقال الدولة من طور الى آخر بعد اكتشاف النفط، ثم اصبحوا قلب الحركة الوطنية النابضة المؤسسة للدولة الحديثة بكل ما تضمنته هذه الحركة من معان سياسية واجتماعية واقتصادية... ولذلك كان «مجلس التجار» احد اعمدة الكويت الى جانب المجالس السياسية الاخرى التي ظهرت بعد عشرات السنين من ظهوره.
غرفة التجارة تنظم «المؤتمر الثاني للقطاع الخاص في الكويت» وهي الغرفة التي تشكل بهيكلها واشخاصها امتدادا طبيعيا لرعيل الاوائل. ولا نبالغ اذا قلنا ان المؤتمر يمكن ان يكون الحدث الابرز بالنسبة الى القادم من الايام اذا احسنت الاطراف المعنية استغلاله في الوجهة الصحيحة، فهو ينعقد على أطلال مؤتمر سابق تضخمت آماله وتراجعت نتائجه، وقد يكون نجاحه اليوم احد المخارج الاساسية للأزمات السياسية والاقتصادية المتلاحقة.
وكي نكون اكثر وضوحا ومباشرة، نقول انه لم يعد سرا ان تهميش طبقة التجار ورجال الاعمال وبالتالي القطاع الخاص كان مقصودا في اطار اللعبة السياسية التي تحكمت بالحياة الاجتماعية والاقتصادية. حركة الانتاج صارت اسيرة دورة ريعية يتحكم فيها الانفاق العام، والانفاق العام صار المهيمن على كل القطاعات مستوعبا في مسيرته القوية امور العمالة والاستهلاك والتوظيف والهياكل الادارية، ومن خلال هذه القناة المفتوحة بين دولة تسيطر على غالبية القطاعات فعليا وبين مواطن يجد دروب الواسطة مفتوحة امامه للتعيين والتوظيف و«الحماية» والصفقات والاستثمارات، تأجلت غالبية القرارات الفاعلة لتنشيط عمليات الانتاج والاستثمار من خلال المبادرات الخاصة رغم كل «الاحتفاليات» التي ترافق عملية اتخاذ القرار وصور «الانجازات» التي بقيت حبرا على ورق.
لماذا نقول ان التهميش كان مقصودا؟ لان الحياة السياسية الكويتية – للاسف الشديد – صارت منذ عقود محكومة بمعادلة الدولة الراعية للخدمات والحكومة المديرة للخدمات والمجلس المرتكز على نواب الخدمات... احسبوها كما تشاؤون وابرزوا بعض الاستثناءات لكنكم ستجدون هذه المعادلة في صلب مفاهيم القوة والضعف للحزبين الكبيرين الحكومة والمجلس. بل اكثر من ذلك، تمعنوا في بعض القرارات التي اتخذت في العقود الماضية واضرت بالقطاع الخاص لتلاحظوا بوضوح كيف انه كان ضحية إما معادلة الصراع بين الحكومة والمجلس وإما معادلة استرضاء الحكومة للمجلس.
المبادرة الفردية الفاعلة التي شكلت هوية التجار ورجال الاعمال في الكويت لم يكن مقررا لها ان تأخذ وضعها الطبيعي، فالقطاع الخاص اذا قام بمشاريع انتاجية عملاقة واسس لكيانات اقتصادية ضخمة جاذبة للاستثمارات والرساميل ومستقطبة للعمالة المنتجة فإنه سيخرج عن نطاق المعادلة التي يبدو ان الحكومات والمجالس المتعاقبة تخشى تغييرها.
والقطاع الخاص ، اذا استعاد دوره التاريخي الذي كان مضرب مثل في المنطقة، فإنه يستعيد في الوقت نفسه عنصر التوازن السياسي والوطني الذي اختل في العقود السابقة لمصلحة معادلات اثبتت انها تهديمية – تخريبية على المدى الطويل، فاليوم نحن لا نسمع نقاشا حول آلية تنفيذ القرارات السابقة التي اتخذت لتفعيل الاقتصاد بقدر ما نسمع صخبا حول اسقاط القروض. لا يسأل احد من النواب او من الحكومة عن تحرير العملية الاستثمارية من قيود الروتين وذهاب كبرى الشركات والمصارف الى دول مجاورة بقدر ما نسمع صخبا يوميا عن زيادة الخمسين دينارا. لا نسمع اي اقتراح لانهاء التضخم الوظيفي غير الفاعل وغير المنتج في الادارات بقدر ما نسمع صخبا يوميا وتهديات بالاستجواب اذا تم نقل موظف غير منتج الى ادارة اخرى او اذا تم الاستغناء عن خدمات موظف يداوم خارج الكويت.
اللائحة تطول، والنفق المظلم طويل، لذلك لا نبالغ اذا قلنا ان «المؤتمر الثاني للقطاع الخاص في الكويت» يمكن ان يكون الحدث الابرز بالنسبة الى القادم من الايام اذا احسنت الاطراف المعنية استغلاله في الوجهة الصحيحة، فاعادة الاعتبار للقطاع الخاص مصلحة لكل كويتي ومدخل لا بد منه للمستقبل حتى ولو ادى ذلك الى انهيار المعادلة السوداء التي حكمت المسار السياسي والاقتصادي، لان كلفة هذه المعادلة لن تقتصر بعد اليوم على قطاع بعينه ... ويخطئ من يظن انه سيسلم اذا غرقت السفينة.
نقول ان المؤتمر فرصة كبيرة «اذا أُحسن استغلالها» وفي الكلام رسالة ليس الى الحكومة والمجلس فحسب... بل الى غرفة التجارة اولا بألا تدع الآخرين «يخطفون» منها المبادرة.
جاسم بودي