الأجوبة المفيدة عن أسئلة العقيدة
1 يناير 1970
11:07 م
زاوية نعرض من خلالها لكل ما يعن لقراء «الراي» الأعزاء من أسئلة تتعلق بالعقيدة الاسلامية، وتحتاج الى توضيح وبيان، يجيب عنها الأستاذ الدكتور وليد محمد عبدالله العلي، امام وخطيب المسجد الكبير، واستاذ العقيدة بكلية الشريعة والدراسات الاسلامية جامعة الكويت.
وللتواصل أرسلوا بأسئلتكم عبر إيميل الجريدة (w-alali@hotmail.com) أو فاكس رقم: (4815921)
قولوا (لا إله إلا الله) تفلحوا
انه لا شيء احب إلى القلوب من بارئها وفاطرها، فهو إلهها ومعبودها، ووليها ومولاها، وربها ومدبرها، وخالقها ورازقها، ومميتها ومحييها، فمحبته حياة الارواح، ونعيم الاشباح، وسرور الفؤاد، وقرة عيون العباد.
فليس عند الفطر السليمة، ولا العقول المستقيمة: اطيب ولا أنعم، ولا اكبر ولا اعظم، من معرفة الله تعالى بوحدانيته، وتفرده بإلهيته، وانه لا معبود بحق إلا الله، تقدست اسماؤه وجل في علاه.
فالحلاوة التي يجدها المؤمن في قلبه بإقراره بتوحيد الله تعالى فوق كل حلاوة، والنعيم الذي يحصل له بذلك قد طلى القلب وجمله بأجمل طلاوة.
فالقلب لا يطمئن ولا يفلح، ولا يسكن ولا يصلح: إلا بأن يتخذ شهادة (لا إله إلا الله): منهج حياة فإنه واجب على كل من اعتقد هذه الشهادة ونطق بها: ان يعلم حقوقها التي يشمر اليها، ليعمل بها ويستقيم عليها، فيعلم شروطها علما ينافي الجهل، ويوقن بحقيقتها يقينا ينافي الشك، ويقبل حقوقها قبولا ينافي الرد، وينقاد لأوامرها انقيادا ينافي الترك، ويصدق بموعودها صدقا ينافي الكذب، ويخلص في القيام بها اخلاصا ينافي الشرك، ويحب مقتضاها حبا ينافي البغض.
فشهادة (لا إله إلا الله): لا انفصام لها لأنها العروة الوثقى، ولا التزام بغيرها لأنها كلمة التقوى، فهي شجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء، وقول ثابت يثبت الله تعالى به العبد في الحياة الدنيا وفي الآخرة دار البقاء.
وقد جاء في فضائلها آيات شريفة كثيرة، ودل على مناقبها احاديث منيفة شهيرة، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان الله سيخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا، كل سجل مثل مد البصر، ثم يقول الله تعالى: أتنكر من هذا شيئا؟ اظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول الرجل: لا يا رب. فيقول الله تعالى: أفلك عذر؟ فيقول الرجل: لا يا رب. فيقول الله تعالى: بلى، ان لك عندنا حسنة، فإنه لا ظلم عليك اليوم. فتخرج بطاقة فيها: أشهد ان لا إله إلا الله، واشهد ان محمدا عبده ورسوله، فيقول الله تعالى: احضر وزنك، فيقول الرجل: يا رب، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول الله تعالى: انك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، فلا يثقل مع اسم الله شيء) رواه احمد والترمذي وابن ماجه.
وشهادة (لا إله إلا الله): هي الكلمة التي يعصم بها الاسلام، دم قائلها وعرضه ان ينتهك بالعدوان والآثام، فعن اسامة بن زيد بن حارثة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه رضي الله عنهما قال: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة، فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت انا ورجل من الانصار رجلا منهم، فلما غشيناه قال: (لا إله الا الله) فكف عنه الانصاري وطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي: يا اسامة، لم قتلته؟ فقال اسامة: يا رسول الله، اوجع في المسلمين، وقتل فلانا وفلانا - وسمى له نفرا - واني حملت عليه فلما رأى السيف قال (لا إله إلا الله) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقال (لا إله إلا الله) وقتلته؟ قال اسامة: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فكيف تصنع بـ (لا إله إلا الله) اذا جاءت يوم القيامة؟ فقال اسامة: يا رسول الله، انما قالها خوفا من السلاح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم اقالها أم لا؟ فقال اسامة: يا رسول الله، استغفر لي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وكيف تصنع بـ (لا إله إلا الله) اذا جاءت يوم القيامة. قال اسامة: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزيد على ان يقول: كيف تصنع بـ (لا إله إلا الله) اذا جاءت يوم القيامة، فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم اكن اسلمت قبل ذلك اليوم) رواه مسلم.
وتأملوا في قصة هؤلاء النفر، الذين احاط بهم الخطر، وظنوا انهم قد ادركهم الموت المنتظر، فجاءت شهادة (لا إله إلا الله) التي اتخذوها منهج حياة لتنجيهم من الضرر، فعن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: (بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم يمشون اذ اخذهم المطر، فأووا إلى غار في جبل، فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فانطبقت عليهم فسدت عليهم الغار، فقال بعضهم لبعض: انظروا افضل اعمال عملتموها صالحة لله فادعوا الله تعالى بها لعل الله يفرجها عنكم. فقال احدهم: اللهم انه كان لي والدان شيخان كبيران، ولي امرأتي وصبية صغار ارعى عليهم، فإذا ارحت عليهم: حلبت فبدأت بوالدي فسقيتهما قبل بني، وانه نأى بي ذات يوم الشجر، فلم آت حتى أمسيت فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت احلب فجئت بالحلاب فقمت عند رؤوسهما اكره ان اوقظهما من نومهما، واكره ان اسقي الصبية قبلهما، والصبية يتضاغون عند قدمي، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، فاستيقظا فشربا غبوقهما، فإن كنت تعلم اني فعلت ذلك ابتغاء وجهك: فافرج لنا منها فرجة نرى منها السماء، ففرج الله منها فرجة فرأوا منها السماء. وقال الآخر: اللهم انه كانت لي ابنة عم احببتها كأشد ما يحب الرجال النساء، وطلبت اليها نفسها فأبت، حتى ألمت بها سنة من السنين، فجاءتني فأعطيتها مئة دينار على ان تخلي بيني وبين نفسها ففعلت، فلما وقعت بين رجليها قالت: يا عبدالله، اتق الله، ولا تفتح الخاتم إلا بحقه، فتحرجت من الوقع عليها، فانصرفت عنها، وهي احب الناس الي، وتركت الذهب الذي اعطيتها فإن كنت تعلم اني فعلت ذلك ابتغاء وجهك: فافرج لنا منها فرجة، ففرج عنهم الثلثين. وقال الآخر: اللهم اني استأجرت اجراء، فأعطيتهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمرت اجره حتى كثرت منه الاموال، فجاءني بعد حين فقال: يا عبدالله، أد الي اجري. فقلت له: كل ما ترى من اجرك من الابل والبقر والغنم والرقيق فقال: يا عبدالله لا تستهزئ بي فقلت: اني لا استهزئ بك، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا فإن كنت تعلم اني فعلت ذلك ابتغاء وجهك: فافرج لنا ما بقي، ففرج الله ما بقي، فخرجوا يمشون) رواه البخاري ومسلم.
فالواجب على من اراد في العاجلة والآجلة النجاة: ان يتخذ شهادة (لا إله إلا الله) منهج حياة.
فهل جعل (لا إله إلا الله) منهج حياة: من آثار الحظ الفاني الخسيس، على الحظ الباقي النفيس، ومن باع جنة عرضها الارض والسماوات، بسجن ضيق بين ارباب العاهات والبليات، ومن تعوض بمساكن طيبة في جنات عدن تجري من تحتها الانهار، بأعطان ضيقة آخرها الخراب والبوار.
فهل علم المتخلف عن تحقيق كلمة الشهادة ما سيلقاه في يوم القيامة، من عظيم الملامة وجسيم الندامة، يوم يحشر المتقون إلى الرحمن وفدا، ويساق المجرمون إلى جهنم وردا، يوم ينادي المنادي على رؤوس الاشهاد: ليعلمن اهل الموقف من اولى بالكرم من بين العباد.
فلو علم ماذا اعد الله تعالى للموحدين من الاكرام، وادخر لهم من الفضل والانعام: لعلم اي بضاعة بسبب جهله بهذه الشهادة اضاع، وانه لا خير له في حياته وهو معدود من سقط المتاع.