علي الرز / «علي عباس»
1 يناير 1970
06:37 ص
| علي الرز |
مع بداية الثورة السورية، تسرّبت مقاطع فيديو لمجموعات من «الشبيحة» مدجّجة بكل أنواع الأسلحة وهي تتفنّن في اضطهاد المواطنين العزل وإذلالهم والقفز فوق ظهورهم والطعن في أعراضهم وإجبارهم على إسباغ صفات الالوهية لبشار الاسد (والعياذ بالله) والتمثيل بالجثث... وكان القاسم المشترك بين كل هذه المقاطع عبارة تتكرر دائماً بلكنةِ أهل الساحل المعروفة «بدكن حريي (حرية) يا اولاد (...)؟» وكان اسم «علي عباس» الأكثر تداولاً بين الشبيحة: «علي عباس اضربوا... علي عباس قوّصوا... علي عباس احرقوا».
«بدكن حرية» و«علي عباس»، وجهان لعملة طائفية واحدة أراد النظام ان يتم تداولها في بداية الثورة كي تحلّ محلّ العملة الوطنية التي خرج بها الثوار هاتفين: «واحد واحد واحد الشعب السوري واحد». لم يكن سراً ان تسريب مقاطع الفيديو هذه يتم من قبل الشبيحة أنفسهم وعناصر الأمن، فالورقة العلوية هي الورقة التي لعب على تفاصيلها بشار الأسد بامتياز بغية حشد أبناء الطائفة الكريمة جميعاً خلف النظام وتكوين ردود فعل غاضبة ونارية وثأرية لدى عدد من الطوائف الاخرى ضدّهم، وخصوصاً ان العمق المذهبي الكبير المحيط بسورية تحت اسم «الممانعة» يتماشى مع هذا الهدف ويصوّر للعلويين ان حمايتهم تأتي من «البيئة الحاضنة» محلياً واقليمياً لا من الشراكة الوطنية.
هذه المشاهد المصوَّرة بعثت على الحنق والحقد لدى الكثيرين، خصوصاً الجرحى وذوي الضحايا، لكن مَن يتمعن بها جيداً يغمره ايضاً شعور بالاسى والحزن على أبناء هذه الطائفة الكريمة الذين زجّ بهم النظام في محرقته. طائفةٌ تألّق أبناؤها في مختلف مجالات الحياة، وكان بعضهم سبّاقاً في الحداثة والتطوير والتحضّر يختصرها النظام بمجموعة رماح وسيوف وبنادق ورصاص. طائفة مخطوفة يكره النظام أيّ تألّق علمي او أدبي او إنساني لدى أفرادها ويصرّ على تعبئة أجهزة الامن والمخابرات بهم وكأن قدَرهم ان يكونوا في عتمات الكراهية لا في ضوء المحبة... ولذلك على ثوار سورية والنخب السياسية ألا ينسوا كم من شاعر ومفكر وناشط سياسي وأديب ومثقف وطبيب ومهندس علوي قبعوا في السجن سنوات وسنوات، وكم كان تعذيبهم أشدّ من غيرهم لأنهم خرجوا من «بيت الطاعة» بينما كانت الواجهة فقط للضباط والجنود والمخبرين وأفراد الأمن والشّبيحة و«أمراء» الساحل والجبل والموانىء.
العلوي «الجيّد» عند النظام هو العلوي الذي يهتف للأسد الاب والابن بالروح والدم، مَن يمجّدهما ويعطيهما صفات قدسية غير بشرية او غير انسانية، مَن ينخرط في هذيان عنفي ووحشي محموم دفاعاً عمّن يُعتبر «حامي الطائفة والوطن». أما العلوي «السيئ»، فهو الخارج من عباءة الطائفية الى رحاب الوطنية، المؤمن بالحريات والديموقراطية وتداوُل السلطة والمشاريع السياسية المتطوّرة، المنخرط مع شركائه في الوطن لبناء دولة لا مزرعة، وتنمية لا منظومة فساد، ومستقبل مضيء لا ماض قاتم... ولذلك يعرف الجميع في سورية ان القلة العلوية التي ظهرت عليها مؤشرات الثروة والنفوذ هي التي اختارت «الجيد» وعملت أمنياً وتجارياً في مؤسسات الأهل والأشقاء وأبناء الأخوال والأعمام، وان الغالبية العلوية الساحقة بقيت كما كانت عليه اقتصادياً واجتماعياً، بل حوربت في لقمة عيشها وتحصيلها العلمي وزُجّ بشبابها في السجن وما زالت مناطقها تنتمي الى العصور الشبيهة بالعصور الحجرية.
جريمةٌ من جرائم الاسد الصورة التي أراد تظهيرها لـ «علي عباس» مع بداية الثورة السورية. أوهمه ان الحرية تهدّد وجوده من جهة وأن شريكه في الوطن يخون سورية وان القضاء على الاثنين ضرورة لحماية وجوده حتى كعلويّ... «بدكن حرية يا اولاد (...)». نَشَر صوره وهو يقفز على ظهور معتقلين ويجلدهم ويضربهم بأعقاب البنادق طالباً منهم تأليه الرئيس، وزّع مقاطع فيديو له وهو يرفس بقدمه جثث معارضين استشهدوا، أصرّ على نزع صفتيْ التديّن والتمدّن عنه بينما الغالبية الساحقة من أبناء الطائفة العلوية كانت السباقة في المواءمة بين التديّن والتمدّن.
بالمفهوم الحقيقي للأمور، لم يُعطِ الأسد «علي عباس» يوماً ابيض ومع ذلك خبأه لليوم الأسود. ارتكب الجرائم ضدّه بالجملة، يوم صادر قراره، ويوم خطفه، ويوم سجَنه، ويوم قتله، ويوم جنّده، ويوم استخدمه ضدّ شركائه في الوطن والانسانية.
لكن الجريمة الأكبر هي وقوع الآخرين في فخّ الأسد والتعامل مع محيط «علي عباس» بالذهنية الطائفية المقيتة نفسها وبردود الفعل الثأرية المذهبيّة والانتقام المتخلّف وأخْذ الكثرة بجريرة قلة... خصوصاً اذا كانت هذه القلّة موجودة عند الجميع، حيث رأينا من موالي الاسد وشبيحته «علي عباس» داخل كل طائفة ومنطقة.