تحقيق / تهديدات المسؤولين لم تجد نفعاً... والجداول تنقلب رأساً على عقب

الغياب عن المدارس... الطلبة يفرضون إرادتهم

1 يناير 1970 04:47 م
| كتب علي التركي |

صمت مطبق في الممرات وسكون يكتنف الفصول وغراب «الغياب» وحده ينعق في الأفق.. هكذا مدارس وزارة التربية بعد المناسبات، خلو من الطلاب والطالبات وتخلف جماعي عن الحضور وإجماع في شتى المناطق على تمديد المواعيد فسكب الجميع في إناء التربية المليء بالظواهر ظاهرة أخرى قلبت موازينها رأساً على عقب وأرهقت أصحاب القرار فيها عن إيجاد الحلول.

ورغم سيل التهديد والوعيد الذي أطلقه أكثر من مسؤول في الوزارة لوأد الخطر قبل تفاقمه، وبعد حزمة القرارات الصادرة لكبح جماح التمرد لا تزال أجيال اليوم هي المقرر الرسمي للعطل ولم تزل إجراءات المسؤولين المتبعة مع الطلبة تصاريح «ذهبت مع الريح»، الأمر الذي تطور حتى مع بداية الفصل الثاني الذي شهد حضورا خجولا للطلبة، بل حتى أن مدارس خلت من الطلبة، في قرار داخلي بين الطلبة لتمديد العطلة، ولسان حالهم يقول «وضعتم الأعياد في عطلة نصف السنة.. ونحن لنا طرقنا في الغياب»! وخاصة أنهم كشفوا خطط الوزارة في إجبارهم على الحضور وخاصة تنظيم الاختبارات القصيرة.

«الراي» فتحت ملف الغياب، ولو بشكل جزئي من خلال هذا التحقيق لكشف أسباب تفاقم الظاهرة في المدارس وتبحث مع عدد من المسؤولين وأولياء الأمور السبيل الأمثل للعلاج والوقاية.



وعيد المسؤولين

بداية حذر الوكيل المساعد للتعليم العام في وزارة التربية محمد الكندري من أي تهاون في إجراءات وزارة التربية ولوائح الغياب المعدة في وثائق المراحل التعليمية الثلاثة ودعا أولياء الأمور والطلبة إلى الامتثال للقرارات التربوية الصادرة في هذا الشأن وذلك تجنباً للعقوبات التي أهمها حرمان الطالب من إعادة الاختبار.

ونفى الكندري لـ «الراي» وجود أي قصور في تطبيق لائحة الغياب أو أي إهمال تربوي من قبل الإدارات المدرسية وأكد أن ظاهرة الغياب ما قبل وبعد العطل كانت ولم تزل الشغل الشاغل لقطاع التعليم العام الذي سن عدداً من الإجراءات والقوانين أهمها الامتحانات القصيرة والطويلة وخصم الدرجات على الطالب المتغيب من دون عذر.

وبين الكندري أن للأسر دوراً كبيراً في هذا الجانب من خلال توعية أبنائها بأهمية الحفاظ على مستقبلهم والاهتمام بمستوى تعليمهم والالتزام بمواعيد العام الدراسي كما أعدتها الوزارة في خطتها السنوية مشيراً في الوقت نفسه إلى دور الإدارات المدرسية في تسليط الضوء على هذه الظاهرة عبر مختلف الفعاليات والأنشطة التي تقيمها.

من جانبها، أكدت مديرة منطقة الفروانية التعليمية بدرية الخالدي أن نسبة الغياب قبل العطل وبعدها مرتفعة في جميع مدارس الكويت ولا تختص بها منطقة دون غيرها وقالت ان هذه الظاهرة أرقت وزارة التربية على اختلاف قطاعاتها وإداراتها وبينت أنها مسؤولية مجتمعية تشترك بها عدد من الجهات ومن الظلم حصرها في مؤسسة واحدة.



لقاءات توعوية

وذكرت الخالدي أن إدارة منطقة الفروانية عقدت العديد من اللقاءات والاجتماعات لمناقشة هذا الأمر والبحث عن السبيل الأمثل للوقاية والعلاج وتبصير هؤلاء المتغيبين بمستقبلهم التعليمي الذي أثرت عليه هذه الظاهرة بشكل كبير مبينة وجود كثير من الآثار السلبية التي رصدها الموجهون الأوائل في المدارس إزاء هذا الأمر وأهمها إرهاق المعلمين وإرباك العملية التعليمية وتراكم الدروس بشكل قد يشتت الطلبة ويفوت عليهم فرص الاستفادة من حصص المراجعة.

وشاطرتها الرأي مديرة منطقة الأحمدي التعليمية منى الصلال التي أبدت أسفها من تفاقم هذه الظاهرة في مدارس الكويت عامة والأحمدي خاصة وقالت انه من غير المعقول أن تكون مدرسة عدد طلابها 400 طالب يكون عدد الحضور فيها بضعة طلبة موزعين هنا وهناك.

وكشفت الصلال عن مجموعة من الخطط والمقترحات التي أعدتها إدارة منطقتها لتلافي هذا الأمر ومنها تخصيص اختبارات قصيرة بعد العطلة مباشرة وإخطار أولياء الأمور عبر الاتصالات الهاتفية إن أمكن والتدقيق جيداً على المتقدمين بالأعذار الطبية وإصدار نشرات توعوية في جميع المدارس تتضمن الإجراءات المتبعة بحق الطلبة المتغيبين وفق ما تنص عليه لوائح الوزارة.

ودعت أولياء الأمور إلى تحمل مسؤولياتهم في هذا الجانب وحث أبنائهم على الالتزام بمواعيد الدراسة التي تمثل مستقبلهم الحقيقي في هذا العصر كما حثت على تربية الأبناء وتنشئتهم التنشئة السليمة الخالية من الترف وتعويدهم على حب العلم وغرسه في نفوسهم منذ نعومة أظافرهم.



أمنيات وآمال

وتمنت الصلال أن تعود الأجيال الدارسة في الكويت إلى سابق عهدها أبان العقود الماضية وأن ترجع إليها خصال الماضي من إحساس بالمسؤولية واحترام للمعلم وتقديس للمدرسة التي هي النواة الأولى والأخيرة للعلم والمعرفة والاطلاع والثقافة وصقل الشخصية مؤكدة أن دور العلم كانت وستبقى حصناً حصيناً للدارسين يحفظ الأجيال من الانحراف والضياع في هذا العصر الذي غزته التكنولوجيا وحدقت فيه الأخطار من كل جانب.

وأشار مدير منطقة حولي التعليمية عبد الله الحربي إلى وجود تفاوت بين المناطق التعليمية في هذا الجانب إلا أن المحصلة النهائية واحدة في عموم المدارس وهي ارتفاع نسبة الغياب فيها وتخلف الطلبة عن الحضور بعد الاجازات الرسمية.

وأكد الحربي أن هذه الظاهرة ستتلاشى تدريجياً وتتضاءل إلى حد كبير في المدارس بعد إقرار عدد من القوانين التي أهمها ربط درجات الطالب بعدد أيام غيابه متوقعاً أن يشهد العام الدراسي المقبل تحسناً ملحوظا في انخفاض نسبة الغياب عما كانت عليه في الأعوام السابقة والعام الحالي.

وبين أن أكثر المدارس التي يتم تسجيل نسب غياب مرتفعة فيها هي مراكز تعليم الكبار التي تكاد تكون فارغة تماماً من طلبتها أثناء العطل الرسمية مقارنة بالمدارس الصباحية التي تعيش بعض الاستقرار في هذا الجانب وإن كان متدنياً داعياً إلى ضرورة التكاتف وتوحيد الجهود لمعالجة هذه الظاهرة التي تختص بها الأسرة والمدرسة والوزارة والمنطقة التعليمية.



فوضى مربكة

ووصف مسؤول تربوي يعمل في قطاع البحوث التربوية والمناهج ما يجري في المدارس من غياب جماعي للطلبة بـ «الفوضى» التي أربكت الميدان التربوي بأكمله ولخبطت خطط القطاع المعدة بشأن تجريب المناهج المطورة الأمر الذي وفق قوله - سيؤثر سلباً على تقييم المناهج الجديدة بشكل صحيح.

ودعا المسؤول أصحاب القرار في الوزارة إلى وقفة جادة لمناقشة هذه الظاهرة وطرحها ضمن أولويات جدول أعمال مجلس الوكلاء المقبل لوقف سلسلة الغياب التي أصبحت تتحدد في الوزارة وفق أهواء الطلبة ومزاجهم.

إلى ذلك ذكر فيصل النويهض «ولي أمر» أن الترف والتمرد شاب هذا الجيل الذي أصبح لا يقيم وزناً لأي شيء ولا يبالي بالمسؤولية الملقاة على عاتقه بقدر ما يهتم بالتسكع والهروب من أجواء الدراسة إلى الأجواء الترفيهية.

وأوضح النويهض أن ارتفاع نسب الغياب قبل العطل وبعدها في المدارس ظاهرة مشتركة لا يقع اللوم فيها على الطلبة وحدهم وإنما بعض المعلمين «الخاملين» وفق وصفه ممن يحثون الطلبة على الغياب في هذه المناسبات خاصة حين لا يتجاوز عدد الحاضرين في الفصل 5 إلى 6 طلاب داعياً الإدارات المدرسية إلى مراقبة هؤلاء المعلمين وفرض أقصى العقوبات الإدارية عليهم ليكونوا عبرة لغيرهم.