فهد توفيق الهندال / فاصلة / الثورة الجائعة!
1 يناير 1970
08:08 م
| فهد توفيق الهندال |
عندما تقرأ كتب التاريخ باختلاف أيديولوجيات كتابها، ستجد اصطفافهم الملحوظ حول التيارات التي تمثل منظورهم في التأييد لهذه الثورة وتمجيد شعاراتها ورموزها ومهاجمة بقية الأفكار المختلفة معها على انها الثورة المضادة لثورتهم المجيدة!
ولاشك أن كل ثورة تنهش أشلاء الثورة التي سبقتها، وتلعن تاريخها ولو تضمن بعض المنجزات، لتتفرغ لأكل أبنائها الذين يخرجون عن طوعها وطاعتها في أي رأي يختلف مع وصاية آبائها المؤسسين الكاتبين لتاريخها ومستقبلها.
الثورة البلشفية - كمثال لا للحصر أكلت عددا من رموزها بعد الاطاحة بالقياصرة وتمت تصفية عائلة نيقولا رومانوف، ليتفرد ستالين بالحكم بعدها بسنوات بعد وفاة الأب الروحي للثورة لينين، ليزيح كل مخالفيه السابقين ومنافسيه المحتملين أبرزهم ليون تروتسكي، ليتحكم بكل خيوط اللعبة ويبقى شعاره حماية الثورة ومكتسباتها الشعبية حجته المبررة لإزاحته الدموية لخصومه.
وقبلها كانت الثورة الفرنسية ومحاكم روبسبير في القضاء أولا على كل من يمت بصلة للبلاط اللويسي الملكي، ومن ثم يتفرغ لكل من اعتبرهم «أعداء الثورة» فاستخدم ذات المقصلة في قطع رقاب معظم زعماء الثورة الفرنسية «رفاق الأمس»، وهي المقصلة ذاتها التي قطعت رأس لويس السادس عشر وعائلته الملكية قبل ذلك.
وهكذا التاريخ العربي، يشهد على الثورات التي أطاحت بالممالك ومراكز الخلافة تحت ذريعة تحرير العباد والبلاد، وما إن يتفرد سيّاف عربي بالحكم، حتى بدأت وجبته اللذيذة بالقتل تأخذ كل ساعاته وأيامه وأعوامه متناسيا شعاراته الأولى في الذود عن المجتمعات المسحوقة والمضطهدة.
أذاً... الثورة العربية لا تختلف في طبيعتها اللاحقة عما سبقها من ثورات لا تفصل الزواج المسخ غير المتكافئ بين المبادئ الإنسانية المعلنة والنزعات الشخصية المبطنة.
ونقتبس ما قاله الشاعر الراحل نزار قباني في رسالته لسياف عربي :
أيُّها الناس أنا المسؤولُ عن أحلامكم إذ تحلمون
وأنا المسؤول عن كلِّ رغيفٍ تأكلون
وعن الشعر الذي من خلف ظهري تقرؤون
فاصلة أخيرة
الثورة المضادة، الفلول، الانبطاحيون والخونة، وغيرها من هكذا تسميات لا تعبر إلا عن رؤية أبناء الثورة اليوم لمخالفيهم بالغد، ما يعني أن سلسلة تاريخ ثوري جديد لن يختلف لون مداده الأحمر كما كان في الماضي!
والعاقبة لمن يعقل ويتدبر.
Kwt1972@gmail.com