الحل في سورية قرار أممي وقوة مسلحة تجمع الأطراف

1 يناير 1970 03:54 م
 توماس فريد مان*

 تعريب عبدالعليم الحجار

هل يتوجب على الولايات المتحدة أن تتدخل كي توقف نزيف الدماء في سورية؟ الواقع أنني أجد نفسي ممزقاً بين أربعة آراء مختلفة في هذا الصدد - وهي الآراء التي استمعت اليها في كل من نيودلهي وبغداد وتل أبيب والأمم المتحدة.

ففي الأسبوع الفائت التقيت مع مجموعة من الخبراء الاستراتيجيين الهنود في معهد دراسات وتحاليل الدفاع في نيودلهي كي أتناقش معهم حول الكيفية التي يتعين على الولايات المتحدة أن تنسحب بها من أفغانستان بحيث تبحر بين مصالح كل من الهند وباكستان وإيران. وعند نقطة معينة من النقاش طرحت فكرة معينة فرد أحد المحللين الهنود عليها قائلا: «لقد تم تجريب تلك الفكرة في السابق... في القرن الحادي عشر»، مشيرا إلى أنها لم تنجح آنذاك على النحو المرجو. ولهذا السبب فإنني أحب أن أزور مدينة دلهي كي أتناقش حول شؤون المنطقة. فالمسؤولون الهنود يميلون إلى التفكير والتحليل على مدى قرون وليس أشهر، ولهذا فإنهم ينظرون إلى خارطة منطقة الشرق الأوسط دون اعتبار لوجود أي من الحدود السياسية التي رسمها الاستعمار البريطاني وعوضا عن ذلك فإنهم لا يرون في منطقة الشرق الأوسط سوى الحضارات القديمة (الفارسية والتركية والمصرية)، والديانات القديمة (الشيعة والسنة والهندوس)، والشعوب القديمة (البشتون والطاجيك واليهود والعرب) - وكل ذلك يتفاعل في إطار أنماط سلوكية موغلة في القِدم.

وقال لي الصحافي الكاتب الهندي المسلم المخضرم «م. ج. أكبر» موضحا: «إذا أردت أن تفهم هذه المنطقة، فما عليك سوى أن تنظر إلى خريطة للمنطقة الممتدة بين نهر الغانغز ونهر النيل ثم تزيل الحدود البريطانية من عليها. فهذا الأمر سيأخذك إلى أعماق التاريخ الحقيقية التي كانت ولاتزال تحكم مجريات الأمور في منطقة الشرق الأوسط، كما سيأخذك إلى المصالح التي حددتها الشعوب والقبائل وليس الحكومات فقط».

وعندما تنظر إلى منطقة الشرق الأوسط بهذه الطريقة، فماذا عساك أن ترى؟ أولا، ترى أنه ليس هناك من سبيل للولايات المتحدة كي تبقي أفغانستان مستقرة بعد أن تنسحب القوات الأميركية منها...إلا إذا تعاونت مع إيران. فبسبب العلاقات القديمة التي تربط بين الشيعة الإيرانيين وبين الشيعة الأفغان الناطقين بالفارسية في هيرات، التي تعد ثالث أكبر مدينة في أفغانستان، كانت إيران وستبقى دائما طرفا فاعلا رئيسيا في السياسة الأفغانية. كما أن إيران الشيعية لم تكن على مودة مطلقا مع حركة «طالبان». وقال «أكبر» معلقا على ذلك : «إيران هي بمثابة الثقل الموازن الطبيعي المقابل للتطرف السني». وأضاف قائلا إنه من مصلحة إيران «القضاء على حركة طالبان» ولهذا السبب كانت الولايات المتحدة وإيران حليفتين غير معلنتين في عملية الإطاحة بنظام حكم حركة «طالبان»، كما أنهما ستكونان حليفتين غير معلنتين في سبيل الحؤول دون عودة «طالبان» إلى سدة الحكم.

لهذا فإنه من وجهة النظر الهندية يبدو الصراع في سورية كأنه فصل جديد من فصول الحرب الأهلية طويلة الأمد التي كانت ولا تزال رحاها دائرة بين السنة والشيعة. والحالة السورية الراهنة هي عبارة عن حرب بالوكالة بين السنة بقيادة قطر والسعودية اللتين تدعمان «الديموقراطيين» السوريين (ومعظمهم من السنة) وبين إيران الشيعية والنظام السوري الشيعي العلوي على الجانب الآخر. والواقع أنها حرب لا تنتهي مطلقا، وكل ما يمكن فعله هو كبح جماحها فقط.

ولهذا السبب فإن بعض الجنرالات الإسرائيليين بدأوا الآن يدركون أنه إذا كانت الحالة السورية هي قتال حتى النهاية، فإنها قد تشكل تهديدا استراتيجيا عظيما على دولة اسرائيل بنفس الدرجة التي يشكلها البرنامج النووي الإيراني. فإذا تحولت سورية إلى أفغانستان أخرى - على الحدود الاسرائيلية - فإنها ستكون أرضا غير قابلة للترويض، إذ سيكون فيها مجال لحرية حركة الجهاديين والأسلحة الكيماوية وصواريخ أرض جو.

فهل من الممكن تفادي مثل ذلك الانهيار؟ من واشنطن، عبر البعض لي عن أملهم في أنه من خلال الإسراع بإسقاط نظام بشار الأسد سيصبح بإمكان الغرب والسنّة أن يحولوا سورية من المدار الإيراني السوفياتي (الروسي) إلى المدار السني السعودي-الأميركي. لكنني متشكك إزاء ذلك. فأنا أشك في أنه من الممكن تحويل سورية برمتها كقطعة واحدة، بل إنها ستنقسم خلال عملية التحول إلى منطقتين إحداهما سنية والأخرى علوية. ثم أنه إذا حاولنا تحويل سورية على ذلك النحو فإن إيران ستسعى إلى تحويل العراق والبحرين ذات الأغلبية الشيعية إلى معسكرها.

لكن بعض الديبلوماسيين العرب لدى الأمم المتحدة يقولون إن هنالك ثمة طريقاً وسيطة بين هذا وذاك، لكنها ستتطلب من الولايات المتحدة أن تتولى زمام القيادة. وتمثل تلك الطريق في: أولا، حشد مجلس الأمن في اتجاه تمرير قرار يدعو إلى تشكيل حكومة انتقالية «ذات سلطات كاملة» في سورية بحيث تشتمل على تمثيل متساو للثوار السنة والعلويين. وإذا تسنى اقناع الروس بدعم وتأييد مثل ذلك القرار (وهو أمر ليس بالسهل)، فإنه قد يؤدي إلى إنهاء المأزق الحالي في داخل سورية، إذ ان كثيرين من الموالين لنظام بشار الأسد سيدركون أن نهايته قد باتت محتومة وسينفضون من حول الأسد. وسيكون عنصر الترهيب («العصا») متمثلا في إخبار الروس بأنهم إذا لم يدعموا هكذا قرار فإن الولايات المتحدة ستبدأ في إرسال الأسلحة والعتاد إلى الثوار السوريين العلمانيين المعتدلين.

فهل من الممكن حقا أن تكون هنالك سياسة ما بين النهج الانخراطي الشمولي الذي تبناه جورج بوش الابن في سبيل تحويل العراق وبين نهج «ابعد عن الشر وغنّيله» الذي ينتهجه الرئيس أوباما حاليا إزاء سورية؟ ينبغي على المرء هنا أن يدرس الحالة العراقية. فالدرس المستقى من العراق هو أن التيارات التاريخية العميقة كانت متصارعة هناك - بين السنة والشيعة، وبين الأكراد والعرب. لكن انتخابات ديسمبر 2010 كشفت في الوقت ذاته عن أن الحكم الديموقراطي والأحزاب متعددة الطوائف هي أمور ممكنة التحقق في العراق، بل كانت في واقع الأمر الاختيار الأول لمعظم العراقيين. لكن سيتعين على الولايات المتحدة أن تبقي بعضا من قواتها هناك لمدة عشر سنوات أخرى للتأكد من أن التحول من الطائفية إلى التعددية الطائفية قد أصبح مستداما ويمكن المحافظة عليه من بُعد. وبما أن سورية هي توأم العراق، فإن الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها تحقيق التعددية الطائفية هناك هي من خلال قرار من مجلس الأمن تدعمه روسيا كما يدعمه طرف ثالث جيد التسليح على الأرض كي يتولى حث وتجميع وتحفيز الأطراف كي تتعاون.

وخلاصة القول هي أنه إذا طمحت إلى غاية فإنه من الأحرى بك أن تجيد اختيار الوسيلة. ويعبر «أكبر» عن ذلك قائلا إنه لن يكون باستطاعة الولايات المتحدة أن تغير السياسات (في سورية والعراق وغيرهما) إلا إذا بقيت هناك لمدة مئة سنة. لكن لم تعد هناك أي قوة الآن ترغب في لعب دور الامبراطورية. ويرى «أكبر» أنه في ظل هكذا حالة فإن الخيار الأمثل هو عدم البقاء طويلا في اي من دول منطقة الشرق الأوسط - بمعنى أن تبقى لمدة خمسة أشهر فقط مثلا وليس خمس سنوات. ويضيف «أكبر» قائلا إن فترة خمس سنوات هي فترة طويلة بما يكفي كي يكرهك الناس لا أن يخشوك أو يحترموك، ناهيك عن أن يغيروا أساليبهم وسياساتهم التي اتبعوها لسنوات طويلة.



* كاتب في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية