خيرالله خيرالله / جبران وسمير... رمزان لمقاومة لبنان وانتصاره
1 يناير 1970
02:21 م
| خيرالله خيرالله |
اثنان نفتقدهما هذه الايّام، اثنان ينتميان الى ثقافة الحياة. اثنان فجرتهما ثقافة الموت التي كان اللواء وسام الحسن آخر ضحاياها. نفتقد جبران تويني الذي اغتيل قبل سبع سنوات بالتمام ونفتقد سمير قصير الذي كان أول من ربط علنا بين ربيع بيروت وربيع دمشق الذي كان لا بدّ من ان يحلّ يوما. وقد حلّ بالفعل في مارس 2011.
ادرك سمير قصير بحسه السياسي المرهف أنّ لا خلاص لبيروت ما دامت دمشق ترزح تحت نظام لم يكن لديه ايّ هدف في ايّ يوم من الايّام سوى ارهاب السوريين واستعبادهم وتصدير هذا الارهاب الى كلّ المنطقة، خصوصا الى لبنان.
عزاء سمير وجبران أن ربيعي بيروت ودمشق كانا آتيين منذ أظهر النظام السوري إفلاسه باغتيال الرئيس رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط- فبراير 2005. لم تذهب دماؤهما هدرا. فما يتبيّن كل يوم أن كل الجرائم التي ارتكبت من اجل تغطية جريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه لم تجد القتلة. بقي لبنان صامدا. بقي يقاوم الميليشيا الايرانية التي اسمها «حزب الله». تلك الميليشيا المذهبية التي حاولت مباشرة وعبر الادوات المستأجرة من نوع النائب المسيحي ميشال عون ملء الفراغ الناجم عن الانسحاب العسكري السوري من لبنان.
المحزن أن وعد سمير قصير وجبران تويني سيتحقق قريبا، لكنّهما لن يكونا حيث يجب أن يكونا، اي في الطريق الى دمشق للاحتفال بتحريرها من المستعمر الذي يرتدي كلّ القبعات المطلوب منه ارتداؤها من اجل البقاء في السلطة ونشر البؤس في سورية كلّها.
لم يعد بعيدا اليوم الذي سيسقط فيه النظام السوري الذي قضى على خيرة السوريين وعمل من اجل تفتيت لبنان عن طريق اثارة النعرات الطائفية والمذهبية بدءا باثارة اللبنانيين على الفلسطينيين والفلسطينيين على لبنان واللبنانيين، ثم الطوائف اللبنانية على بعضها البعض.
كان النظام السوري يعتقد، حتى لحظة اغتيال رفيق الحريري، أنّه سيكون قادرا على الاحتفاظ بلبنان الى ما لا نهاية. كيف لا وهو استطاع تدجين قسم كبير من اللبنانيين كما تخلّص باكرا من كلّ من بدأ يفكّر في كيفية المحافظة على لبنان عن طريق ابعاده عن لعب دور «الساحة».
في البداية جاء اغتيال كمال جنبلاط في لحظة كان يسعى الى مدّ يده الى اللبناني الآخر. كان الهدف من اغتيال كمال في 1977 افهام اللبنانيين جميعا أنّ لا وجود، لدى حافظ الاسد، لكبير في لبنان وأنه مثلما خضع الدروز في سورية لنظامه، لا مجال امام دروز لبنان سوى السير على خطاهم.
جرّب الاسد الاب هذا الاسلوب في سورية ونجح فيه الى حدّ كبير. ادّب العلويين اوّلا عندما وضع صلاح جديد في السجن وتخلّص من محمّدعمران بعد لجوئه الى طرابلس، في شمال لبنان.
امعن الاسد الاب في عملية اذلال اللبنانيين بعد اذلاله السوريين. تخلّص من كل سنّي يمتلك حيثية. اغتال صائب سلام وتقيّ الدين الصلح سياسيا. وتخلّص من المفتي حسن خالد ومن عشرات الشخصيات السنّية من اجل افراغ الطائفة من اي رمز استقلالي يتمتع بالعقلانية ويؤمن بثقافة العيش المشترك. في الوقت ذاته شتت المسيحيين الذين افتقدوا منذ وصول سليمان فرنجية الى رئاسة الجمهورية في العام 1970 القدرة على استيعاب ما يدور في المنطقة. وعندما ظهرت شخصية مسيحية قوية مثل بشير الجميّل، كان لابدّ من تفجيرها، خصوصا أن بشير تحولّ في مرحلة معيّنة، خصوصا بعد رفضه توقيع معاهدة سلام مع اسرائيل، الى مشروع زعيم وطني استقلالي.
كان جبران تويني وسمير قصير من ابرز اللبنانيين الذين فهموا النظام السوري في العمق، فدفعا ثمنا غاليا. فهما أن الاستقلال الحقيقي للبنان يكون عبر التغيير في سورية، اي عبر استعادة سورية حريتها والشعب السوري كرامته وشعوره بانتمائه العربي الحقيقي.
كانا شاهدين على كيفية تغيير طبيعة المجتمع الشيعي في لبنان بقوة السلاح والمال وتغييب زعمائه الحقيقيين، الذين يمتلكون حدا ادنى من الوعي والشعور الوطني، كي يكون في كلّ وقت من الاوقات في خدمة المشروعين السوري والايراني اللذين يلتقيان عند تحويل لبنان «ساحة» لا اكثر.
سيتحقّق حلم جبران وسمير قريبا. فقد امتلكا ما يكفي من الشجاعة لمواجهة السوري بشكل مباشر عندما كان جيشه لا يزال يحتلّ لبنان. كان مطلوبا في مرحلة ما القضاء على كلّ مقاومة لبنانية. كانا يعرفان أن رفيق الحريري بقي سندا لهما، حتى بعدما طلب منه بشّار الاسد في الشهر الاخير من السنة 2003 بيع اسهمه في «النهار» والتوقف عن دعمها.
فهم النظام السوري تماما ماذا يعني بقاء المؤسسات اللبنانية على رجليها. حاول القضاء على كلّ مؤسسة ناجحة، بما في ذلك «النهار»، ولا شكّ انه نجح في ذلك جزئيا. كانت حربه على لبنان جزءا لا يتجزأ من هجمة ثقافة الموت التي يمثلها «حزب الله» على ثقافة الحياة التي كان يرمز اليها شهداء لبنان. على رأس هؤلاء رفيق الحريري وباسل فليحان وجورج حاوي وبيار امين الجميّل ووليد عيدو وانطوان غانم ووسام عيد ووسام الحسن، اضافة بالطبع الى الشهداء الاحياء مروان حمادة والياس المرّ ومي شدياق.
تبيّن مع الوقت أن لبنان اقوى بكثير مما يعتقده كثيرون، بمن فيهم كبار المسؤولين السوريين الذين لم يستوعبوا يوما أن الصيغة السورية اكثر هشاشة من الصيغة اللبنانية وأن ليس في الامكان اعطاء دروس في الوطنية عن طريق ممارسة الهروب الى الامام والمتاجرة بلبنان واللبنانيين وفلسطين والفلسطينيين وسورية والسوريين.
دفع لبنان غاليا ثمن انتصاره. دفعه من دماء خيرة ابنائه الذين صمدوا في وجه التخلّف والاجرام بكل اشكالهما وفي وجه اثارة الغرائز المذهبية بكلّ الوانها والرهان عليها.
سيظل جبران وسمير مثالا يحتذي به آلاف الشبّان من الذين يؤمنون بأنّ ثقافة الحياة لا يمكن الا أن تنتصر على ثقافة الموت...وأنّ الرهان على النظام السوري، رهان على وهم بدليل استمرار الثورة السورية، كما أن سقوط ما يزيد على خمسين الف سوري لم يضعف الثورة بل زادها قوة ورسوخا.
كان رهان جبران وسمير في مكانه. كان رهانهما على الشعب السوري وليس على نظام لا يستطيع التحالف الاّ مع اسوأ انواع اللبنانيين من الذين يعتبرون العمالة مهنة والذلّ وساما. انهما رمز لصمود لبنان وانتصاره لا أكثر ولا أقلّ.