خيرالله خيرالله / الأسلحة الكيمياوية ... فصل أخير في سورية!

1 يناير 1970 03:50 م
| خيرالله خيرالله |

فجأة عادت الاسلحة الكيمياوية السورية الى الواجهة بعد غياب دام نحو ثلاثة اشهر. لا تمنع هذه العودة التساؤل هل في الامكان استخدام هذه الاسلحة لابادة قسم من الشعب السوري...او على الاصحّ الانتصار عليه؟ الأكيد أنّ الاسلحة لن تحمي النظام. الثورة السورية اكبر بكثير من الاسلحة الكيمياوية ومن ايّ اسلحة اخرى. انها ثورة حقيقية تثبت كلّ يوم أنّ الشعب السوري لا يمكن اخضاعه وأنّ ليس في استطاعته تحمّل الذلّ والقهر والعبودية الى ما لا نهاية باسم شعارات فضفاضة لا تنطلي الاّ على السذّج من نوع «المقاومة» و«الممانعة» و«الكرامة» وما شابه ذلك.

كذلك، لن تساعد الاسلحة الكيمياوية في اقامة الدولة العلوية وهي البديل من سيطرة العائلة الحاكمة على كلّ سورية، كما كانت عليه الحال منذ العام 1970. فالاسلحة الكيمياوية يمكن ان تساهم، في حال استخدامها، في تسريع سقوط النظام الذي تخرج من تحت سيطرته يوميا مساحات من الاراضي والقرى والبلدات والمدن والمواقع العسكرية المهمّة.

كانت المرة الاولى التي اثيرت فيها قضية الاسلحة الكيمياوية السورية، في مرحلة ما بعد اندلاع الثورة، في ايلول- سبتمبر الماضي. صدر فجأة تحذير عن الرئيس باراك اوباما من النتائج التي ستترتب على لجوء النظام الى هذا السلاح. تبيّن لاحقا أن كلام الرئيس الاميركي الذي تلاه كلام مشابه صدر عن وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك جاء بعد نقل كمية من المواد الكيمياوية في آب- اغسطس من قاعدة قريبة من دمشق يخزّن فيها هذا النوع من الاسلحة الى منطقة قريبة من مدينة طرطوس الساحلية.

نامت قضية الاسلحة الكيمياوية ثلاثة اشهر ثم عادت الى الواجهة قبل ايّام بعد اشتداد المعارك في ريف دمشق واحياء تعتبر جزءا لا يتجزّأ من العاصمة، بل في قلب دمشق.

هناك بكل بساطة هاجس اميركي- اسرائيلي من احتمال انتقال الاسلحة الكيمياوية الى لبنان في حال فقدان النظام سيطرته عليها او في حال كانت لديه رغبة في اشعال المنطقة تنفيذا لشعار «عليّ وعلى اعدائي ياربّ». وقد رفع هذا الشعار رجل الاعمال الابرز وصاحب النفوذ الواسع في سورية ويدعى رامي مخلوف (ابن خال الرئيس بشّار الاسد) في لقاء مع الصحافي الاميركي اللبناني الاصل انطوني شديد نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» قبل ما يزيد على سنة. وكان مؤسفا ان انطوني شديد، الذي كتب بعض افضل التحقيقات عن النظام السوري وطريقة تصرفه واستحالة تغيير اساليبه، قضى في شباط - فبراير الماضي اثر أزمة ربو تعرّض لها في طريقه إلى الداخل السوري، راكبا على بغل، عبر الحدود الشمالية للبنان.

كان مثيرا بعد ايام من اطلاق اوباما تحذيره الاوّل في شأن الاسلحة الكيمياوية خروج الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله الى العلن كي يؤكّد ان حزبه لا يمكن ان يلجأ الى استخدام السلاح الكيمياوي وذلك لاسباب مرتبطة بالشرع. ترك كلام نصرالله ارتياحا لدى الاوساط الدولية التي كانت تخشى من انتقال المخزون الكيمياوي الى الحزب الايراني الذي يسيطر على اجزاء لا بأس بها من الاراضي اللبنانية، اضافة الى امتلاكه كميات كبيرة من الصواريخ المتوسطة المدى.

تبدو عودة قضيّة الاسلحة الكيمياوية الى الواجهة مجددا دليلا على أن معركة دمشق تقترب من نقطة الحسم. صحيح ان النظام حشد آلاف الجنود و«الشبّيحة» ومئات الدبابات لمنع وصول الثوار الى العاصمة، لكنّ الصحيح ايضا أنه يدرك أن عليه المباشرة في البحث عن بديل. ما لا يدركه النظام أنّه تأخّر كثيرا في ذلك وأن البديل الوحيد امامه يتمثّل في الرحيل اليوم قبل غد. هل لا يزال في الامكان ايجاد بلد على استعداد لاستقبال العائلة؟ الجواب بكلّ بساطة أن روسيا لا تزال مكانا مناسبا لذلك. لم تكن الدولة العلوية يوما بديلا يمكن الاعتماد عليه، حتى لو نقلت كل الاسلحة الكيمياوية اليها. حتى روسيا بدأت في استيعاب هذه المعادلة، في حين لا تزال ايران تراهن على انها قادرة على السيطرة على لبنان من جهة وتأمين منفذ لهذه الدولة الى الاراضي التي يسيطر عليها «حزب الله» في منطقة البقاع من جهة اخرى.

هذا الرهان على الدولة العلوية ساقط حتما لسبب في غاية البساطة عائد الى أن حمص ما زالت صامدة على الرغم من تهجير عشرات الآلاف من اهلها وتدمير قسم منها.

عمليا، تحوّلت الاسلحة الكيمياوية الموجودة في نحو ثلاثين موقعا الى عبء على النظام السوري. كان مطلوبا أن يعترف مسؤول سوري بوجودها، وهذا ما فعله الناطق الفار جهاد مقدسي، كي يتوفّر غطاء دولي لنشر حلف الاطلسي صواريخ «باتريوت» على طول الحدود التركية. هذه الصواريخ ستوفّر بطريقة او بأخرى حماية لمنطقة يمكن أن يلجأ اليها السوريون الهاربون من النظام وقمعه. بكلام اوضح، ستكون هذه الصواريخ جزءا من منظومة تضمن قيام منطقة يحظر على سلاح الجوّ السوري التحليق فيها.

ما الكلام عن الاسلحة الكيميائية سوى فصل جديد من فصول الازمة السورية التي هي في الاصل ازمة نظام وكيان في الوقت ذاته. قد تكون الفصل الاخير او الفصل ما قبل الاخير من الازمة التي تتجاوز حدود الكيان السوري والتي تشير الى أن عملية اعادة رسم خريطة الشرق الاوسط بدأت فعلا وأنّ ما بدأ بالزلزال العراقي لن يتوقف عند الحدود السورية التي عرفناها...