التوتر بين بغداد وكردستان على حاله والتصريحات «التصعيدية» تُغذّيه

أكراد العراق يستنجدون بأوباما والمجتمع الدولي لمنع الجيش من استخدام الأسلحة الثقيلة ضدهم

1 يناير 1970 03:37 م
| بغداد - من حيدر الحاج |

رغم المساعي الحثيثة التي تبذلها أطراف داخلية وجهات خارجية، من أجل تهدئة الأجواء المحتقنة بين حكومة العراق الاتحادية في بغداد وسلطات الإقليم الادراي في منطقة كردستان شمال البلاد، إلا إن شيئا من قبيل إنهاء التوتر السياسي والعسكري الناشب بين الجانبين منذ أشهر «ليس له أرضية حقيقية... وإنما مجرد هواء في شبك».

هذا ما تصوره «اللغة التصعيدية» في أحاديث صادرة عن ألسنة ساسة ونواب يدعمون كلا الفريقين المتنازعين، فضلا عن مؤشرات ماثلة على الأرض في مقدمتها استمرار الحشد العسكري من قبل الطرفين في «نقاط التماس» الفاصلة بين كردستان وبقية مناطق العراق، إضافة إلى «استنجاد» الأكراد بالولايات المتحدة والمجتمع الدولي لمنع الجيش العراقي من استخدام الأسلحة الثقيلة التي ابتاعتها حكومة بغداد من واشنطن، ضدهم كما يقولون.

ومن المؤشرات الأخرى التي تدل على بقاء التوتر بين الفريقين على حاله، وأن هدأت وتيرته قليلا بفعل الوساطات المحلية والدولية، هي الرسائل الكلامية حادة اللهجة والمضمون التي يتبادلها مقربون من رئيس الوزراء نوري المالكي وزعيم الإقليم الكردي مسعود بارزاني - القطبين الرئيسيين في الأزمة الداخلية.

وتعليقا على آخر مستجدات الأزمة المستفحلة، يقول النائب الكردي المخضرم محمود عثمان، بلغة صريحة لا يكتنفها الغموض، إن «الجميع يتكلم في شكل إيجابي لكن الحقيقية غير ذلك... والموجود على ارض الواقع مجرد كلام فقط».

عثمان الذي واكب العملية السياسية منذ انطلاقاتها، وهو العليم بخفايا ما يحدث وراء الكواليس بحكم قربه من صُناع القرار، أكد إن «الحقيقية تتبلور حين تجتمع وفود من الجانبين في محاولة للوصول إلى اتفاق يحمل الكثير من التفاصيل، لكن هذا الأمر غير موجود حالياً».

مثل هذه «النبرة التشاؤمية» التي غلّفت تصريحات النائب الكردي، تضفي نوعا من المصداقية على توقعات متواترة تفيد بأن «التهدئة الهشة» بين المركز والإقليم والتي تم التوصل إليها أخيرا بفضل جهود زعامات محلية ووساطات دولية «خافتة»، يمكن لها أن تنهار في أي لحظة مع تصاعد حدة هكذا نبرات تشاؤمية تبرز جليا في أحاديث المطلّعين على تفاصيل أزمة عصفت فعليا بوشائج العلاقة التاريخية بين حلفاء الأمس وشركاء اليوم.

وفي المعسكر الأخر الداعم لتوجهات الحكومة المركزية وسياسات رئيسها الطامح بقوة لبسط نفوذه في المناطق المتنازع على سيادتها بين المركز والإقليم، تظهر أحاديث مشابهة إلى حد كبير مع ما تطرق إليه النائب عثمان، وإن كانت تحمل في طياتها انتقاد لاذع موجه صوب الإدارة الإقليمية، وتحديدا رئيسا بارزاني الذي يُنظر له في بغداد على أنه «شخصية انفصالية».

حتى أن أحد السياسيين ممن ينتمون إلى ائتلاف «دولة القانون» بزعامة المالكي، أتهم صراحة سلطات كردستان بـ«إيواء قيادات بعثية وجنرالات من الجيش السابق تعمل وفق أجندات خارجية على تنفيذ مخطط معادي للعراق وحكومته الحالية».

وقال سعد المطلبي، وهو أحد المعلقين المحسوبين على ائتلاف المالكي، في تصريحات صحافية، إن «بعض العسكريين من قادة الفرق والألوية في الجيش السابق، يتواجدون الآن في اربيل يعملون على تشكيل ما يسمى (الجيش الحر)، الغرض منه إقامة منطقة عازلة بين كردستان وباقي محافظات البلاد»، مؤكدا إن «هذا التشكيل المسلح مدعوم من تركيا وبعض دول الخليج، بينها قطر، وبرعاية من أربيل».

التصعيد الإعلامي الذي يتضح في تصريحات المطلبي التي ينفيها ساسة أكراد ويردون باتهام مطلقيها بـ«الشوفينية»، يكشف حجم الاستفحال في الأزمة الراهنة، وكذلك اتساع الفجوة التي بدأت تتجذر خلافيا بين الحكومة الاتحادية في بغداد ونظيرتها الفيدرالية في اربيل.

بداية ظهور أزمة حقيقية بين الأكراد والحكومة المركزية تعود إلى مارس الماضي حينما أتهم بارزاني المالكي بـ«الديكتاتورية»، على خلفية رفض حكومة بغداد منح عقود لشركات نفط أجنبية تقول أنها غير قانونية، ورفضت دفع مستحقات لتلك الشركات كما تطالب به حكومة كردستان، ليشتد التوتر بينهما بعد تشكيل المركز «قيادة عمليات دجلة» العسكرية في سبتمبر الماضي التي أعترض عليها الأكراد ورأوا فيها محاولة للسيطرة على المناطق «المتنازع عليها».

وبموازة هذا الاستفحال، استنجد نائب رئيس مجلس النواب عارف طيفور وهو أحد القيادات في حزب بارزاني، بالرئيس باراك اوباما لـ«التدخل الفوري لمنع قوات الجيش العراقي من استعمال الأسلحة الأميركية الصنع ضد الشعب الكردي».

وهذه المناشدة دليل آخر على تفاقم الأزمة وانعدام الثقة بين الأطراف المحلية المتشاركة في الحكم منذ 10 سنوات تقريبا والتي تستخدم عبارات تدل على أن الطرفين المتصارعين هما بلدان متجاوران وليس مكونان داخليان لبلد واحد.

دعوة طيفور التي انتقدتها أطراف عراقية عدة، تأتي عقب أنباء تفيد إن الحكومة المركزية رسمت خريطة ميدانية لمبادرة حل خلافتها مع الإقليم شبه المستقل إداريا واقتصاديا، وهذه الخريطة تتمثل بتشكيل قوات عسكرية مشتركة لحماية مناطق النزاع، وهو احد الاقتراحين الذين تقدم بهما المالكي وتضمنتهما مبادرة رئيس البرلمان أسامة النجيفي التصالحية.

ومع هذا الإعلان الحكومي، يُنتظر أن يصدر رد ايجابي من الطرف الكردي، على أمل أن يتوصل الفريقين قريبا إلى حلول ناجعة طويلة المدى في سبيل إنهاء التوتر القديم الجديد، خلال محادثات معمقة ستجريها وفود فنية وسياسية كردية مع نظيراتها الحكومية في بغداد برعاية أميركية مباشرة وأخرى إيرانية تراقب الوضع من خلف جدران قاعة المفاوضات.