د. حسن عبدالله عباس / 2 > 1 / خط التماس للدستور

1 يناير 1970 11:27 م
| د. حسن عبدالله عباس |

ليس طبيعيا ما تمر به الكويت هذه الايام. صحيح اننا كنا ولا زلنا نعيش الربيع منذ الستينات ولم نعد ننزعج من النقد اللاذع، لكن المنعطفات الاخيرة خطيرة وبلغنا حد مس حاجز الدستور.

كلمة صدق نقولها بحق المجتمع الكويتي، اننا بالفعل ننعم بحرية وسقف مرتفع كثيرا. ننتقد ونهاجم ونصرح ونقول ما نشاء، ونذهب اخر النهار لننام في بيوتنا مطمئنين ولا وجود لزوار الليل. هذه نعمة لا يعلمها إلا من يعيش حولنا، فها هي شعوب الربيع تعيش الأمرين، لا هي حرة أيام حكوماتها الاستبدادية ولا هي قادرة ان ترتاح اليوم بعدها بسبب الاقتتال الداخلي والفتن وانعدام الثقة بدساتيرهم وقياداتهم.

الحمدلله نحن هنا نتنعم بوضع مستقر برغم الحراك والصراخ، بل أصبحنا لا نفهم الاستقرار إلا بسبب هذا الحراك والنقد والمحاسبات. لكن علينا ان نلتفت إلى حدود السقف الذي نستظل بالراحة والهدوء بسببه.

كلما مرت علينا المحن والظروف ازداد اقتناعا بأن الدستور بحق كُتب بصورة جميلة ومتوازنة، وأزن جميع المكونات الاجتماعية بالبلد، وازن بين السلطات وعرف حدود اسرة الحكم عن الشعب، ووزع السلطات وفصلها عن بعضها بصورة جميلة. أقول جميلة وليس مثالية كون المثالية في عين الواحد فينا تختلف عنها لدى الاخر. نعم صحيح أنه دستور يعاني من قصور وليس ديموقراطيا بالمعنى النظري الكامل، لكنه متوازن لحد كبير وقادر ليوفر للكويتيين حياة مستقرة برغم العواصف التي نمر بها وبرغم تغير تلك الظروف التي كُتب بها عن واقعنا الحالي.

لهذا أتخوف بصراحة من أمرين. الامر الاول المخيف بالنسبة لي هو الاستجابة لدعوات التعديل الدستوري في هذه الاجواء. أعلم أني كتبت اكثر من مرة عن التعديل، لكنني بصراحة لم اعد اتحمل اي مساس بالدستور لأنه بدا لي أن رأس الشيطان يكمن هنا. فإن فُتح التعديل الله أعلم ما الذي سيترتب عليه من كوارث وتزاحم التعديلات والتقاتل لأجل تحقيق كل فريق مكاسبه على حساب الآخرين. فما أظنه أننا ما زلنا بعيدين جدا زمنيا عن التوقيت المناسب لاجراء أي تحسينات عليه.

الامر المخيف الثاني سقف النقاش بات يمس حدود الدستور. طالما أننا دولة دستورية، علينا احترام هذا العقد مهما كانت النتائج. لذا خطر جدا الازدواجية حيال قرارات المحكمة الدستورية أن يقبل أحد بقراراتها إن ما جاء وهواه ومشتهاه، في حين يرفضها ويشنع وينزل للشارع ويلجأ إلى القوة والعنف فيما لو جاء قرارها على خلاف توجهه.

الخلاصة أن وضعنا السياسي والاقليمي لم يعد يتحمل أية ألاعيب وضربا تحت الحزام وفوقه. نحن محاطون بأهوال وبراكين وزلازل سياسية ودينية أكبر من حجمنا ولا ملاذ عندنا سوى التلحف بكساء الدستور. فيا حكومة إياك والتلاعب بالدستور، ويا معارضة إياكم والدستور، ويا نواب إياكم والدستور.

 

hasabba@hotmail.com