جنبلاط يمضي في وسطية «مضطربة» ويمدّ الجسور فوق «حبل مشدود»

ترّو لـ «الراي»: الإسراع في الحوار اللبناني يعجّل التغيير الحكومي

1 يناير 1970 05:32 ص
| بيروت - من وسام أبو حرفوش |

يحرك وليد جنبلاط، الرقم الصعب في اللعبة السياسية الأصعب، ومن خلف اسوار حصنه في المختارة (الشوف) مبادرة، اقله لـ «كسر الصمت» بين افرقاء الصراع بعدما بلغ المأزق مستويات غير مسبوقة في ضوء رد المعارضة على عودة مسلسل الاغتيالات بالمقاطعة الشاملة للحكومة ولهيئة الحوار، مطالبة برحيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي اولاً وقبل اي شيء.

جنبلاط، رئيس الكتلة البرلمانية «المرجحة» في ظل الانقسام الحاد بين «8 آذار» و«14 اذار» والزعيم الدرزي، الذي يستشعر خطر الاحتقان السني - الشيعي، يوحي تموضعه «الوسطي» فوق الحبل المشدود بتسليمه بـ «موازين قوى» يصعب المجازفة بالقفز فوقها. فمكانته المرجحة في التوازنات تجعل من هذه «النعمة» السياسية «نقمة» بالغة الاخطار والاكلاف.

هذا الموقع البالغ الحساسية لـ «وليد بك»، في اللحظة التي يتقرر مصير سورية ومعها لبنان، يجعله في المكان الخطر، وربما الاكثر خطراً من ادوار الآخرين الذين يتقاتلون به وعليه لأنه حيث يكون تكون الغلبة، وهو ما يفسر سعي الآخرين الى تكوين اغلبيات من دونه في قوانين الانتخاب المقترحة لاستحقاق ربيع الـ 2013، الامر الذي يجنبهم الحاجة اليه.

هذه الرغبة من «8 آذار» و«14 اذار» في الاستغناء عن الحاجة الى «سيد المختارة» عبّر عنها هو شخصياً في العلن حين رأى في مشروع «8 اذار» الانتخابي القائم على النسبية محاولة لـ «الغائه»، في الوقت الذي نُقل عنه قوله همساً ان مشروع مسيحيي «14 اذار» القائم على الدوائر الصغرى يجعله مجرد «رئيس اتحاد لبلديات الشوف الأعلى».

وثمة من يذكّر بأنه عندما ألقى جنبلاط خطاباً في افطار رمضاني في الشوف، اوحى من خلاله بالاقتراب خطوة من «14 اذار» وعزمه على التحالف الانتخابي معها، ثم غادر الى الرياض للقاء وزير الخارجية الامير سعود الفيصل، شُنّت عليه حملة قاسية من وسائل اعلام قريبة من «حزب الله»، فُهم منها ان الحزب المتوجس من مغادرة جنبلاط للحكومة كثمن لترتيب لقاء محتمل مع الملك عبدالله، لن يتسامح مع الزعيم الدرزي.

ورأت بعض الاوساط في حينه ان الهجوم الاعلامي المفاجئ على جنبلاط عكس مناخات مشابهة لما سبق العملية العسكرية لـ «حزب الله» في بيروت وبعض الجبل الجنبلاطي في 7 مايو 2008، حين تم التعاطي مع سيد المختارة على انه اكثر من «خصم»، وتالياً فان تجاوزه «الخطوط الحمر» يستدعي تحريك «خطوط المواجهة» السياسية وغير السياسية لمنع اي محاولة ارتداد على الوقائع الحالية.

وبدا ان رئيس «جبهة النضال الوطني»، الذي قلما يغادر قصره في المختارة لأسباب امنية، ادرك، ومنذ 7 مايو 2008 وبعده يوم ما عُرف بـ «القمصان السود» خلال الاستشارات النيابية التي افضت الى اقصاء الحريري والاتيان بميقاتي العام 2011، ان موازين القوى تملي عليه تنظيم الخلاف مع «حزب الله»، فأعطاه في الداخل عبر «وعد» بعدم الاستقالة من الحكومة، وافترق عنه في الموقف من الاوضاع في سورية.

ومَن يدقق في «الاسباب الموجبة» التي اعلنها جنبلاط لإطلاق مبادرته السياسية اخيراً يستوقفه «التوازن» الدقيق في توزيعه «وسطيته» بين «8 اذار» و»14 اذار» من خلال مواقف يمكن ان ترضي الطرفين في مكان ما او تغضبهما في مكان آخر. فهذا الزعيم «المضطرب» كلبنان كله، ماضٍ في موقعه «الاضطراري»، لكنه ربما اراد من مبادرته الانتقال من «الحياد السلبي» الى «الحياد الايجابي» عبر حركة مد الجسور فوق الحبل المشدود.

ماذا يقول الوزير «الجنبلاطي» والنائب السني عن اقليم الخروب علاء الدين ترو عن المبادرة وغايتها وحظوظها والتوقعات في شأن مواقف الاطراف منها، وهو الذي إلتقته «الراي» في خضم جولات مع زميليه غازي العريضي ووائل ابو فاعور وآخرين من قيادة «الاشتراكي» شملت حتى الآن رؤساء الجمهورية ميشال سليمان، البرلمان نبيه بري، الحكومة نجيب ميقاتي، اضافة الى نائب الامين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، وزعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون، ورئيس «حزب الكتائب» الرئيس السابق امين الجميل.

بلا اوهام كبيرة في إمكان تحول المبادرة «عصا سحرية»، ومن دون احكام مسبقة كتلك التي توقعت فشلها، يتحدث ترو عن «التشجيع الذي لمسناه من الرؤساء سليمان، بري وميقاتي، لأنه من الضروري احداث ثغرة في جدار الازمة على قاعدة معاودة التواصل بين اللبنانيين عبر الحوار»، آملاً في أن «يلقى تحركنا تجاوباً من الجميع لإعادة وصل ما انقطع، بغض النظر عن مواقف القوى السياسية من الملفات المطروحة. فالحوار حاجة ملحة، خصوصاً في ظروفنا الحالية».

وبواقعية تعكس حجم المأزق وتعقيداته، يقول ترو: «نحن لا ندعي بأن مبادرتنا ستؤتي ثمارها، لكن لا بد من التحرك الذي نقوم به لمواكبة مساعي الرئيس سليمان لمعاودة انعقاد طاولة الحوار، التي أرجئ موعدها الى الاسبوع الاول من السنة المقبلة، وهو الامر الذي يشكل فسحة لحض الجميع على التلاقي، الذي لا مفر منه، لإمرار المرحلة الصعبة التي يعيشها لبنان وتحصيناً له في ضوء إنعكاسات الوضع في سورية».

وعندما نسأل عن كيفية التعاطي مع استحالتين تواجههما مبادرة جنبلاط وتتمثلان برفض «14 اذار» الحوار قبل استقالة الحكومة، وتمسك «حزب الله» بالحكومة بالحوار او من دونه، يجيب وزير الحزب التقدمي الاشتراكي: «استقالة الحكومة قبل الحوار، كما تطالب 14 آذار لن تحصل، كما ان بقاء الحكومة ليس بيد حزب الله لوحده، فنحن والرئيسان سليمان وميقاتي مع تغيير حكومي يتحقق عبر حوار بين الافرقاء على الطاولة التي في امكانها مناقشة فرص تشكيل حكومة شراكة وطنية».

ويلفت ترو الى «ان قوى 8 آذار وحزب الله لم يعترضوا على اقتراح تشكيل حكومة شراكة وطنية، لكن لا امكان لقيام حكومة حيادية في الوقت الحاضر، كما تطالب 14 آذار، لان حكومة كهذه ستكون مجهولة الأب والأم، اضافة الى ان قيام حكومة تكنوقراط او حيادية يستوجب توافقاً على طاولة الحوار لانها تحتاج الى دعم الافرقاء السياسيين، خصوصاً في ظل الامواج العاتية والاوضاع الطارئة».

ولتقديم مقاربة اكثر وضوحاً يشرح الوزير الجنبلاطي ان «المرحلة الراهنة تختلف عن تلك التي شكل فيها الرئيس نجيب ميقاتي حكومة حيادية (في العام 2005)، وكانت مهمتها الاشراف على الانتخابات. فالاحداث في سورية ومصر وما حدث في غزة اخيراً، كلها اوضاع صعبة لا يمكن معها الاتكاء على حكومة حيادية لمواجهة تداعياتها على البلاد»، ناصحاً «14 اذار» بانه «كلما اسرعنا في الحوار اسرعنا في تغيير الحكومة وليس العكس».

وعن رأيه بمنطق «14 اذار» القائم على رفض الحوار مع طرف (حزب الله) انقلب على «اتفاق الدوحة» في شقيه السياسي والامني، رغم ما حمله هذا الاتفاق من ضمانات اقليمية ودولية، يقول: «نحن لا نرد على 14 آذار، بل ندعوهم للذهاب الى طاولة الحوار، لانه هل الرد على اسقاط حزب الله اتفاق الدوحة هو الذهاب مجدداً الى الاقتتال والى مشكلات جديدة تأخذنا الى دوحة جديدة او الى طائف جديد، او الى اي مكان آخر؟».

يضيف ترو: «نعم حزب الله نقض اتفاق الدوحة باسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري، لكن هل هذا الامر نهاية المطاف؟»، معتبراً ان «لا مناص من الالتقاء بين اللبنانيين الذي التقوا اخيراً في الاحتفال بعيد الاستقلال وفي التهاني بهذا العيد في القصر الجمهوري. نحن محكومون بالتلاقي والحوار، ولذا فاننا ندعوهم الى طاولة الحوار لمناقشة جميع القضايا»، مشيراً الى ان «انتظار استقالة الحكومة لمعاودة الحوار خطأ جسيم».

اما في الموقف من اشكالية التفاهم على بيان وزاري لاي حكومة وحدة او شراكة في ظل الخلافات الكبرى في شأن سلاح «حزب الله» وامتناعه عن تسليم المتهمين باغتيال رفيق الحريري، او حيال الازمة في سورية، وهو ما يدفع «14 آذار» الى المطالبة بحكومة حيادية، فقال: «في المحصلة الامر سيان، من يطرح الحكومة الحيادية يدعو عملياً لترك هذه القضايا الخلافية الى ما بعد الانتخابات، والامر عينه اذا تعذر التفاهم على تلك القضايا في الحوار، فعندها يمكن تأجيلها».

واذ ابدى ميلاً الى «الحاجة لتأجيل مثل هذه الملفات والى حين الخروج من العاصفة المدمرة في سورية والتي لا نريد تداعيات لها على الواقع اللبناني السياسي والامني والاقتصادي»، لفت الى ان «الخطورة تكمن في تلك التداعيات لا في الحديث عن السلاح او سواها، فنحن اكثر من يتحدث عن السلاح وانتقدنا طائرة ايوب ونطرح اليوم المسألة الملتبسة القائمة على ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، لكننا نتحدث عن كل ذلك ونذهب الى الحوار ونتلاقى مع حزب الله في الحكومة والبرلمان ونقول رأينا في شكل صريح».

وكشف ترو عن ان اللقاء كان ايجابياً مع «حزب الله» خلال زيارة وفد «جبهة النضال» لنائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، الذي «ايد دعوتنا الى الحوار، واكد الاستعداد للتواصل مع جميع القوى بمن فيهم 14 آذار والذهاب الى طاولة الحوار من دون شروط مسبقة»، وهو التأييد عينه الذي تبلغه الفريق الوزاري لجنبلاط من اطراف آخرين بينهم «حزب الكتائب» وخصوصاً انه تم الاعلان عن تفاهم على لقاءات اخرى.

ماذا عن العلاقة مع «تيار المستقبل» بزعامة الحريري؟ يجيب ترو: «لا نريد تعكير صفو العلاقة مع حزب الله، فكيف بالاحرى مع تيار المستقبل، الذي كنا معه سوياً في ساحات النضال منذ العام 2005 وقبله. ثمة قواسم مشتركة كثيرة تجمعنا بتيار المستقبل، والعلاقة بيننا لم تنقطع. وليد بك استقبل اخيراً النائب احمد فتفت موفداً من الرئيس فؤاد السنيورة والوزير غازي العريضي زار النائبة بهية الحريري، وسنعقد اجتماعاً بين كتلتي جبهة النضال والمستقبل قريباً، عدا عن الموعد الحواري في شأن مبادرتنا»، مشيراً الى اننا «لا نريد اي سوء في العلاقة مع اي طرف ونسعى لان نكون جسر تواصل بين الجميع».





استقبل وفداً من «الائتلاف الوطني» في الرياض



الحريري: واجب لن نتراجع عنه

وقوفنا بجانب المعارضة السورية



بيروت - «الراي»

أكد الرئيس السابق للحكومة اللبنانية زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري «تضامنه الكامل مع الثورة السورية وقيادتها السياسية»، منوها «بالجهود المبذولة لتوحيد صفوف المعارضة السورية والاستعداد للمرحلة الانتقالية التي يجري الاعداد لها على كل صعيد».

وعبّر الحريري خلال استقباله امس وفدا من «الائتلاف الوطني السوري» في منزله في الرياض عن تطلعه «لليوم الذي تتحقق فيه أماني الشعب السوري في قيام نظام ديموقراطي وإنهاء عهد الاستبداد الذي جثم فوق صدور السوريين لسنين طويلة، مشدداً على ان «وقوفنا إلى جانب المعارضة وقيادة الائتلاف الوطني هو واجب تفرضه علينا مسؤولياتنا العربية والأخوية والانسانية، ولن نتراجع عن تأييدنا للثورة للسورية وقواها الديموقراطية مهما بلغت التحديات حتى اللحظة التي تقوم فيها قيادة وطنية ديموقراطية في سورية الشقيقة على أنقاض النظام المستبد».

يذكر ان البحث بين زعيم «المستقبل» ووفد «الائتلاف الوطني» تطرق حسب بيان صدر عن مكتب الحريري الى «الأهداف التي يعمل الائتلاف على تحقيقها وخصوصا في هذه المرحلة التي بلغت فيها الثورة السورية أبواب دمشق وصارت قاب قوسين أو أدنى من الانتصار».