صدر للدكتور محمد حسان الطيان كتاب عنوانه «تحت راية العربية»، والذي يشتمل على مباحث ومقالات أعد بعضها ليُلقى في ندوة من الندوات أو مؤتمر من المؤتمرات، وكتب بعضها لينشر في مجلة من المجلات أو دورية من الدوريات. على أنه يجمع بينها ويؤلف بين سَداها ولـُحمتها حبُّ العربية والبحث فيها وفي تراثها وإحياء ذكر رجالاتها.
استمر العمل في هذه المقالات نحواً من عشرين عاماً، فقد أعدت وكتبت ونشرت في فترات متقطعة بدءًا من عام 1985 وانتهاء بعام 2005. إنها جنى من حصاد السنين، وثمرة من غراس البحث اللغوي، وهي ـ وإن تفرقت وتعددت واختلفت ـ تنزع عن قوس واحد هو قوس العربية، وترمي إلى هدف واحد هو البحث في العربية، وتصبو إلى غاية واحدة هي رفع راية العربية. لذا تخيّرت لها عنوانا (تحت راية العربية).
على أنه يمكن تقسيم هذه المقالات قسمين كبيرين ينتمي كل منهما إلى نوع من أنواع البحث والكتابة.
أما النوع الأول: فهو البحث اللغوي ويصلح أن يندرج تحت عنوان (من ثمرات البحث اللغوي)، لأن معظمه يصطبغ بهذه الصبغة سواء كان يبحث في علم القراءات والأصوات، كـ (دفاع عن التيسير، والقراءات القرآنية وعلاقتها بالأصوات واللهجات، وعلم الأصوات عند العرب) أو يعرض لقضية التعريب كـ (فلنحمل راية التعريب... والعلوم التطبيقية خطوة لتوطين العلوم...) أو يخوض في دقائق فقه اللغة كـ(الشاعر الأميري وكلمة بابا) أو يتناول فن الصرف والإحصاء الحاسوبي كـ (ما بني من الأفعال على حرف واحد) أو يحيي فن العروض كـ (إحياء العروض.. ، ووقفة عروضية مع كاظمة وأخواتها) أو ينحو نحو الحاسوب كـ (تعلم قواعد اللغة العربية بالحاسوب.. ، والمؤتمر الثاني حول اللغويات الحسابية العربية). أو يتحدث في المخطوط كـ(منهجية تحقيق المخطوطات). أو ينشر فنًّا من فنون الشعر كـ(ذات القوافي).
وأما النوع الثاني فهو يختص برجالات العربية، ويصلح أن يندرج تحت عنوان (ركائز من أعلام الأمة)، والركائز ما يرتكز عليه، والركيزة القطعة من جواهر الأرض المركوزة فيها، ولكل أمة ركائزها التي تقوم عليها، وتحيا بها، ولولا هذه الركائز لانهار بنيان الأمة وغدت ريشة في مهب الريح. فالناس كما روي عن رسول الله: «كإبل مئة لا تكاد تجد فيها راحلة» وهذه الركائز هي العقول المتميزة التي شاء الله سبحانه أن يحفظ بها الأمة من الضياع، وأن تكون مصابيح يُهتدى بها... ومنائر يُقبس منها... ونجومًا يُرنى إليها... «مثل العلماء مثل النجوم في السماء، من تركها ضلَّ، ومن غابت عنه تحيَّر».
ومن تدبَّر في تاريخ هذه الأمة وجد هؤلاء الأعلام في كل عصر من عصورها ومصر من أمصارها، لا يكاد يخلو منهم زمن، ولا يفتقدهم المرء في مصر، فهم أبدًا كالغيث يحيي الأرض، وينبت الكلأ، ويبشِّر بالجنى الطيب، كلما مضى منهم جيل خلفه جيل يحمل الراية ويكمل المسيرة.