زين الشامي / فضائيات تفوح منها رائحة الدم ...مذيعة تمشي فوق جثث «داريا»!!

1 يناير 1970 03:35 ص
| زين الشامي |
منذ ايام حجبت ادارتا «عرب سات» و«نايل سات» بث القنوات السورية بصفة نهائية تطبيقا لقرار صدر عن وزراء خارجية الدول العربية قبل شهرين تقريبا، في اطار الجهود المبذولة لعزل النظام السوري بعد تجميد عضوية بلاده في جامعة الدول العربية. وكان طبيعيا ومتوقعا ان تصدر وزارة الاعلام السورية بيانا تدين فيه هذا الحجب، وتعتبره «انحيازا مباشرا للمشروع المعادي لسورية» وتطالب الجهات المعنية بالتراجع عنه.
بكل صراحة ورغم أني صحافي اعمل في مجال الاعلام لسنوات طويلة ورغم أني اعارض بشدة اي سياسة او قرارات تنتهك حرية وحق التعبير للرأي الآخر، فإني للمرة الاولى اشعر ان هذا القرار كان صائبا تماماً وان جامعة الدول العربية تأخرت كثيرا في تطبيق قرارها بحق الفضائيات السورية. فبحكم عملي الصحافي ومتابعتي للكثير من وسائل الاعلام في غالبية الدول العربية والأجنبية لم اجد وسيلة اعلام واحدة تشبه الاعلام السوري لناحية عدم تمثيله للجمهور والشعب الذي ينتمي اليه، انه منسلخ تماماً عن الواقع ويعمل من اجل تلميع شخص واحد هو «القائد» والنظام الذي يخوض معركة دموية ضد شعبه رغم ان هذا الاعلام والعاملين فيه يعيشون على حساب دافع الضرائب السوري، وهنا تصبح المعادلة صارخة: تلفزيونات وصحف وصحافيون يتلقون رواتبهم من الجمهور الذي يتوجهون اليه ثم يباركون قتل هذا الجمهور ويبررون المجازر ضده ويصفونه بالإرهابي أيضاً!!؟؟ هذا لم يحصل في كل العالم، هذا لم يحصل عبر التاريخ.
منذ اكثر من عام وحين عرضت الفضائيات السورية الصور الاولى لضحايا التفجيرات التي ضربت مبنيي الاستخبارات العسكرية وشعبة الأمن الجنائي بدمشق، شعر الملايين من المشاهدين عبر العالم بالصدمة من «وقاحة» الفضائية السورية وفضائية «الدنيا» وفضائية «الإخبارية» حين تنافست جميعها في عرض أشلاء ضحايا التفجيرات. هل تصدقون ان تلفزيونا واحدا في العالم اليوم يعرض على جمهوره ايادي مقطوعة ورؤوسا مهشمة واحشاء القتلى؟؟
طبعا بغض النظر عما اذا كانت تلك التفجيرات هي تفجيرات إرهابية ام مفتعلة من قبل النظام السوري وأجهزة استخباراته حيث كانت هناك شكوك كبيرة بوقوف النظام وراء تلك التفجيرات بعد اكتشاف حقيقة الجهة الوهمية التي اعلنت مسؤوليتها عن التفجيرات. ليس ذلك فحسب كان هناك غش رسمي وكذب مارسته تلك الفضائيات السورية حين ادرجت اسماء الضحايا، لقد كان من بين اسماء الضحايا معتقلون سابقون وهناك من تكرر مقتله مرتين في وسائل الاعلام نفسها تلك، فأحد الاسماء قتل مرة على ايدي مجموعات إرهابية في حمص وفي المرة الثانية بسبب التفجيرات؟
وبكل صراحة انا شخصيا لست متفاجئا بهذا الاعلام السوري رغم أني لم اعمل به يوما واحدا. لقد درست في كلية الاعلام في دمشق واعرف جميع المسؤولين الاعلاميبن، أعرفهم عن قرب شديد بحكم عملي ودراستي، ان وزير الاعلام السابق والمدير العام لوكالة سانا ورئيس تحرير صحيفة الثورة وصحيفة تشرين كلهم درسوا معي على المقاعد نفسها في كلية الإعلام، كلهم اصبحوا في مواقعهم الحالية بسبب ولائهم الأعمى للنظام الحاكم منذ ان كانوا جميعا طلبة في كلية الاعلام، حتى ان احدهم وهو يشغل اليوم منصب رئيس تحرير احدى الصحف كتب بحقي تقريرا الى الأجهزة الامنية يتهمني بأني معادٍ للنظام لأني قلت خلال احد النقاشات المفتوحة وكنت طالبا في السنة الثانية، ان الرئيس جمال عبد الناصر هو قائد تاريخي ومحبوب؟؟ طبعا اعتبر «زميلي» الذي كان يجلس بجانبي وقتها أني ضد النظام لأني لم اقل ان الرئيس حافظ الاسد هو القائد التاريخي والمحبوب؟؟ زميلي هذا هو اليوم رئيس تحرير وحين تخرج في الكلية وجد عملا منذ اليوم الاول وأدى خدمته العسكرية لاحقا في فرع المنطقة التابع للاستخبارات العسكرية حين كان يرأسه اللواء هشام الاختيار الذي قتل في شهر يوليو الماضي في تفجير مبنى الأمن القومي.
أيضاً مدير مؤسسة إعلامية كبيرة رسمية أدى خدمته الإلزامية في ذلك الفرع وكان معروفا وتطرفه الأعمى وولائه الاستخباراتي للنظام، لقد كان رجل امن اكثر من كونه طالبا في جامعة يدرس الصحافة والإعلام.
اوردت هذه القصص الشخصية من اجل ان نعرف حقا من هم الذين يديرون الاعلام السوري، انهم أشخاص بعيدون جداً عن الواقع وعن الجمهور، لا بل ربما هم خصوم وأعداء الشعب السوري وهم اقرب الى رجل الأمن من المواطن السوري.
طبعا آليات التوظيف والعمل في الاعلام السوري تعتمد على موافقة الأجهزة الامنية اولا وأخيرا سواء كان طالب العمل عامل تنظيفات او حارسا او «فراشاً» وصولا الى الصحافي المحرر او المذيع او المذيعة. وايضا وبسبب ذلك علينا ان نفهم وندرك الانتهاك الشائن بحق اخلاق مهنة الصحافة الذي مارسته مذيعة قناة «الدنيا» الفضائية السورية في مدينة «داريا» حين غطت للتلفزيون الذي تعمل به المجزرة التي وقعت في المدينة والتي راح ضحيتها المئات من بينهم الكثير من النساء والأطفال.
ففيما يعتبر من اشد التقارير التلفزيونية انتهاكا للاخلاق المهنية وانتهاكا لما قالت به الأديان السماوية عن حرمة الجسد الميت وما توافق عليه كل منظري وأساتذة الاعلام عبر التاريخ عن ضرورة احترام مشاعر الاطفال وحيواتهم وعدم إقحامهم في الحروب العسكرية والحروب الاهلية او استغلالهم في حروب التحريض السياسي، بخلاف كل ذلك قامت تلك المذيعة حاملة «لوغو» قناة الدنيا بالمشي بين جثث الضحايا وأجرت مقابلات مع ابناء الضحايا واقاربهم، قرب الجثث تماماً وفوقها..او ربما «من موقع الحدث» حسب الاعلام السوري وحسب وجهة نظر تلك المذيعة. لقد شعر الملايين ممن تسنى لهم مشاهدة ذلك التقرير بالخزي والعار من تلك الانتهاكات التي ارتكبتها المذيعة والقناة التي تمثلها او تعمل لها.
بعد كل ذلك، هل كان قرار الجامعة العربية القاضي بحجب الفضائيات السورية قرارا صائبا؟؟ بكل تأكيد كان كذلك، حيث من غير المعقول ان يستمر القاتل بقتله وجرائمه دون عقاب ومن غير المعقول ان يستمر في العمل من يبرر ذلك القتل ويدعو اليه ويحرض على شعب لمجرد انه طالب بالحرية والديموقراطية، فثمة خيط رفيع جداً بين من يقتل وبين من يبرر بلا هوادة وليل نهار ذلك القتل.