الأقليات القلقة في سورية
1 يناير 1970
10:49 ص
| زين الشامي |
لم تعش الأقليات الدينية والإثنية في سورية صراعا داخليا عبر تاريخها كالذي تعيشه اليوم، او بشكل أدق منذ اندلاع حركة الاحتجاجات ضد النظام السوري الذي يتمايز عن بقية الأنظمة في المنطقة بكونه ينتمي الى أقليتين. الأقلية الدينية الطائفية وهي "العلوية" والاقلية "العلمانية" بحكم ان حزب البعث يعرف نفسه على انه حزب علماني وفوق الأديان والطوائف، ويعتبر اليوم أقلية مقارنة ببقية عناصر ومكونات النظام العربي الذي يحكم في غالبية الدول العربية ويعتبر نفسه متماهيا ومنبثقا وممثلا للشرائح والفئات الاجتماعية التي يحكمها.
مبعث صراع الأقليات في سورية لا ينبع من كونها تقف ضد حركة التاريخ او ضد الغالبية "السنية" او ضد مفهوم الثورة والتغيير. على العكس تماماً، غالبية الأقليات في سورية تتوق الى دولة جديدة ونظام حكم متطور تنتفي فيه اسباب التمييز وينتهي فيه الاستبداد السياسي والقمع الفكري ويضع حدا للفساد ويقيم
نظاما قضائيا عادلا.
ان مبعث واسباب القلق عند الأقليات يعود الى عوامل سياسية وظروف إقليمية والى سياسة حزب البعث نفسه اتجاه الأقليات.
فالاقليات في بلاد الشام عموما، وفي سورية خصوصا، كانت دائماً مع حركة التغيير باتجاه العصرنة والتحديث، لا بل كانت في قلبها حين نستذكر دورها الرائد في انتفاضات الاستقلال ضد الدولة العثمانية التي كانت تسيطر على غالبية الدول العربية باسم الدين، ودورها في حركة التجديد والانبعاث القومي، ودورها في التواصل مع ما يجري في العالم المتقدم من خلال جلب وادخال المطابع وتأسيس الصحف والترجمة وغيرها من النشاطات الرائدة.
كما انه يجب الا ننسى ان بعض المسيحيين السوريين كان لهم دور بارز في تأسيس الاحزاب السياسية القومية مثل حزب البعث والحزب السوري القومي الاجتماعي. وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على حجم انخراطهم واندماجهم في الشأن العام الذي لم ينظروا اليه يوما على انهم خارجون عنه او يقع خارج نطاق مصالحهم واهتماماتهم.
على سبيل المثال، قاد سلطان باشا الأطرش، وهو درزي من القريا في محافظة السويداء، الثورة السورية ضد المستعمر الفرنسي، وكان الشيخ صالح العلي، وهو علوي من الشيخ بدر في محافظة طرطوس، احد ابرز قادة تلك الثورة. كذلك ابراهيم هنانو الكردي الاصل الذي قاد ثورة الشمال في حلب وادلب. اما فارس الخوري، وهو مسيحي من دمشق، فكان اول رئيس وزراء لسورية في فترة تأسيس الجامعة العربية وانضمام سورية اليها والمساهمة في كتابة ميثاقها، كذلك كانت سورية مع فارس الخوري من الدول المؤسسة للجمعية العامة للأمم المتحدة.
هذه بعض من الأمثلة والمحطات القليلة في تاريخ سورية التي تعطينا فكرة واسعة عن دور وحال الأقليات في سورية، ومن خلالها نفهم ونعي انهم كانوا دائماً من اوائل المنخرطين بالشأن العام.
اما اليوم فلا شيء تغير رغم كل ما يقال عن توجس واحجام الأقليات وعدم مشاركتهم في الثورة. ان كاتبا ومفكرا معارضا مثل ميشيل كيلو دفع ثمنا غاليا من اجل ينتفض الشعب السوري كله ضد نظام حكم البعث، وقد كتب الكثير من اجل ان يصل السوريون الى هذه اللحظة التاريخية، كذلك هو الكاتب اكرم البني والناشط الحقوقي أنور البني وهما شقيقان مسيحيان، كذلك حازم نهار الدرزي وعارف دليلة العلوي
والروائية سمر يزبك والممثل فارس الحلو وهو مسيحي، وغيرهم المئات من أبناء الأقليات في سورية، دفعوا ثمنا كبيرا على طريق تحرير وتثوير الشعب سوري ومناهضة النظام الاستبدادي.
ان ما يقال عن أحجام الأقليات يعود في جزء كبير منه الى بطش النظام الذي يشيع بين هذه الأقليات انه يمثلهم ويدافع عنهم وان مستقبلهم سيكون مزريا وربما مخيفا في حال سقوطه او تسلم الغالبية مقاليد الحكم من بعده، هو يلعب على وتر انه نظام اقلوي "علوي" وعلى وتر انه "علماني"، ويستفيد مما يجري في بقية الدول العربية التي شهدت ثورات مماثلة كان من نتائجها وصول الإسلاميين الى سدة سلطة مثل تونس وليبيا ومصر.
أيضاً النظام يلعب ويستفيد مما جرى للمسيحيين في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين "العلماني" وما تعرض له المسيحيون من تخويف وتهجير على ايدي جماعات اسلامية متطرفة ومتشددة.
ان اشد ما يرعب النظام هو مشاركة الأقليات في الثورة السورية، وهو يعاقب بشدة وقسوة كل من يساهم فيها. على سبيل المثال قامت الأجهزة الأمنية بسجن الشابة يارا شماس ابنة المحامي والناشط الحقوقي ميشيل شماس نحو ستين يوما لمجرد انها كانت تساهم في تأمين بعض الاحتياجات لابناء حي بابا عمرو في حمص الذي كان يتعرض اهله المسلمون الى قمع وقصف وقتل على ايدي القوات الأمنية.
كذلك سجنت السلطات السورية فتاة مسيحية من حي القصاع في دمشق لمجرد انها قدمت في احد الأعياد المسيحية هدايا صغيرة تضمنت مقتطفات من الإنجيل والقرآن لجيرانها من الاطفال المسلمين، وقد كانت تهمتها حسب ما قال لها المحقق في احد المراكز الأمنية انها تبدي تعاطفا مع المسلمين والثوار.
أبناء الأقليات في سورية، متضامنون تماماً مع إخوانهم المنتفضين ضد النظام الاستبدادي ويقفون مع حركة التاريخ مثلما وقفوا في السابق لكن ما يمنعهم من المشاركة المرجوة هو بطش النظام ومخاوفهم من ان يصل الى الحكم في سورية نظام متشدد يقمع حريتهم الدينية، وما جرى من تجارب في كل من العراق وقبل ذلك في لبنان، حيث خسر المسيحيون بعضا من دورهم وموقعهم في الحياة السياسية العامة جراء الاقتتال الداخلي إبان الحرب الاهلية، اضافة الى الهواجس القائمة والمشروعة لدى الأقباط في مصر، كل ذلك يجعل عموم الأقليات في سورية، تعيش صراعا داخليا، ثقافيا، سياسيا وتاريخيا في غاية الصعوبة. حقا الأقليات بحاجة الى طمأنة وهذا دور كل السوريين والأحزاب والقوى المنخرطة بالثورة.