علي الرز / راشد الغنوشي ... هرمنا؟

1 يناير 1970 10:44 م
| علي الرز |

كان ذلك في شتاء عام 1993. ليل لندن بارد والريح فيه تقلع الاشجار من جذورها. دعانا الشيخ راشد الغنوشي، الزميل الدكتور بشارة شربل وأنا، الى عشاء في منزل أحد أصدقائه الذي يستضيفه في المنفى، وكان رفيقنا الذي اقلنا بسيارته الزميل الهاشمي الحامدي الذي اثار في ذلك الوقت ضجة سياسية واعلامية بتنقله بين «النهضة» والمعارضة المستقلة واتصال الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي الشهير به...

بدأ الغنوشي الكلام بشكر «الأخ» التونسي صاحب المنزل الذي «يتحملني ويتحمل ضيوفي»، ثم دار كلام عام عن الاحداث والتطورات في العالم العربي والتحديات التي تواجهها الحركات الاسلامية خصوصا. سألناه عن بن علي وكيف كان اللقاء معه قبل ان يغادر السجن الى المنفى. اجاب بأن بن علي جلس في مواجهته وليس على المكتب ليضفي نوعا من الحميمية على اللقاء، وانه عندما قدم له القهوة امسك الغنوشي الفنجان في يده ولم يشربه لانه كان يستمع الى بن علي فظن الاخير ان الشيخ مستريب لذلك قلب صينية القهوة واعطاه فنجانه وشرب هو من فنجان الغنوشي الذي ضحك وقال له: «يستحيل ان اشك للحظة بأن القهوة مسمومة او ان عقلية امنية مثل عقليتك يمكن ان تفكر في اذيتي هنا فالخلاص مني في السجن اسهل واقل كلفة... ثم تعرف انني اتكل على الله في كل امر». فرد بن علي: «وانا لا اتكل الا على الله»، ثم عقب الغنوشي مباشرة: «واجهزة الامن»... فضحك بن علي وقال انه كاد يغص بريقه.

ينطلق الغنوشي من هذه الحادثة ليقول ان الانظمة الفردية الديكتاتورية القمعية مآلها الزوال «فحتى المرونة المزيفة التي يبديها الحكام هدفها تطويع الارادات وصف الجميع خلفهم كالقطعان، والدليل انني عندما رفضت ما طلبه مني كان نصيبي المنفى ثم التهم المتلاحقة».

نسأله عن اخطاء الحركات الاسلامية نفسها فيستفيض ويزيد على ملاحظاتنا ملاحظات. ثم يقول حاسما ان الالتزام بالنظام التعددي الديموقراطي هو الذي يحمي الحركات الاسلامية خصوصا والحراك الاجتماعي عموما. وقبل ان يلمس استغرابنا يسألنا: «تخيلوا لو ان جون ميجور (رئيس وزراء بريطانيا آنذاك) وقف في البرلمان البريطاني واعلن الحرب على فرنسا. ماذا يمكن ان يحصل». نضحك، فيجيب: «ستشكل لجان سياسية وبرلمانية وقضائية وطبية من حزب المحافظين، الذي ينتمي اليه اولا ومن حزبي العمال والليبرالي الديموقراطي، وسيحكمون بأن الرجل مصاب بالجنون ما يقتضي عزله وعلاجه، وسيتم الاعتذار لفرنسا ولشعبها عن هذه السقطة».

نقول له ان الثقافة الديموقراطية متأصلة في اوروبا وهو الامر الذي نفتقده بمعنى ان ادوار بالادور يترشح في فرنسا ضد رئيس حزبه جاك شيراك اما نحن فمن يفكر في معارضة رئيس الحزب او امير الجماعة او شيخ النهضة فسيكون مصيره كمصير رفاق صدام حسين الذين اكتشف معارضتهم له واخرجهم على الهواء من مؤتمر الحزب الى الاعدام.

يجيب مكررا بأن وظيفة الحركات الاسلامية السياسية قبل غيرها ان تتبنى الخيار الديموقراطي وتساهم في نشر ثقافة الخلاف والاختلاف والاعتراض حتى لو اخذ ذلك وقتا «لكنك لا تستطيع ان تؤخر هذا الخيار بحجة اننا غير مؤهلين للديموقراطية فهذه حجة الانظمة القمعية التي حكمت تحت شعار انا او الفوضى. علينا ان نبدأ مثلما بدأ الآخرون فطريقهم ايضا لم يكن مفروشا بالورود لكننا نتميز عنهم بأننا امام تجارب انسانية عظيمة يمكن ان نستفيد منها».

هل ستفرض الحجاب ان حكمت تونس؟ ستمنع المرأة من ارتياد الشاطئ بلباس البحر؟ يجيب بكل ثقة وهدوء: «لا».

حدث ذلك قبل نحو عشرين عاما. هرمنا، لكن شعارات الغنوشي منذ ذلك الوقت وحتى الآن يتجدد شبابها... حتى الآن... وعسى ألّا تهرم هي الاخرى.