علي الرز / «المربوط» السوري!

1 يناير 1970 09:49 م
| علي الرز |

في صعيد مصر اعتقاد شائع يصل درجة اليقين، بأن المتزوج سيمسّه جنّ «يربطه» عن أداء واجباته في ليلة الدخلة، ولذلك تنتشر تجارة رائدة تسمى «فك المربوط» بحيث يتوجّه اهل العريس الى روحاني او ساحر ليفكّ وثائق الربط بحجاب او طلاسم او مواد عبارة عن «تيت ومنتيت وكف العفريت وضرس الخرتيت» الى ما هنالك من تسميات مقابل بدل مالي او عيني... فيرتاح العريس وتزغرد أمه.

في سورية عاد مصطلح «المربوط» الى الواجهة، ليس من باب عجز النظام عن ايجاد حلول لأزمته فحسب، انما من خلال الاستعانة بـ «ساحر» معمر القذافي الدكتور يوسف شاكير الذي فرّ من ليبيا بعد تهديده حلف «الناتو» والثوار بـ «المربوط الليبي» وبهجمة عنيفة من ملوك الجان الذين خاطبهم علناً عبر التلفزيون الرسمي محدداً لهم الاماكن التي عليهم ان يخسفوا الارض بها.

استعان النظام السوري بعباقرة الدجل في بداية الازمة، فأخذوا عينات من أظافر أطفال درعا المسحوبة وخلطوها بخصل من شعر النساء المعتقلات والشعارات القومجية وأعطوه وصفة «الجواسيس المصريين» الذين حرّضوا على الثورة، ثم نواب «كتلة المستقبل» اللبنانية، ثم «العائدون من العراق»، ثم «الاخوان» و«السلف» و«الافغان» و«دول الخليج». أوصوه حتى تحقق الوصفة مفعولاً ان يقفز رجال الأمن والشبيحة على ظهور الناس ويصيحوا بصوت عال مثل الهنود الحمر ويرفسوا وجوههم لإخراج أسنانهم على الهواء مباشرة. وعندما فشل الامر أضافوا الى الوصفة ضرورة ان تُخلط بأحشاء الأطفال والناشطين وحناجر المنشدين.

في موازاة ذلك، فكّر النظام بإضفاء أصوات بعض مَن لهم «كرامات» عنده من داخل وخارج، علّها تساهم في تنشيط الوصفة. رامي مخلوف يغازل الاميركيين والاسرائيليين، والمفتي حسون ينسج حرير الغطاء الديني، وشريف شحادة وخالد العبود وطالب ابراهيم واحمد الحاج علي وبسام ابو عبد الله وعصام التكروري وعصام خليل وانس الشامي والمعلم والشرع والمقداد وغيرهم يشكلون فرقة «المدائح» و«الموشحات» ويقفزون «سبع مرات» بين ساحة «السبع بحرات» والفضائيات. ومن لبنان وئام وناصر وعاصم وفايز وسليم وسليمان وميشال وعمر وكمال ومصطفى وعبد الرحيم و«الحزب الحاكم» وغيرهم يشكلون «الدرع» الصادة لشياطين المؤامرة الكونية مرددين تهديد كبيرهم، الذي علّمهم السحر، بالفالق والزلازل والبراكين والأعاصير.

لكن الامر لم يفك المربوط، فالعجز مستمر رغم كل وحشية النظام، والرغبة الشعبية في التغيير تتعاظم أضعاف أضعاف ما كان في بداية الثورة... اذاً، لابد من يوسف شاكير غراب القذافي الذي بشّر بنصر قريب لقائده على يد الجان ثم اختفى بفضل الجان كما يقول وظهر في ريف دمشق بمساعدة الجان وخرج الى فضائية «الدنيا» قبل ايام متحدثاً عن صمود النظام السوري ونهاية الحرب الكونية.

شاكير طالب قبل فراره وعلى الهواء السلطان «حسحبتوه» في المغرب بإرسال طيوره «أزرب الخضر» لتعميم الظلام في العالم ودكّ الغرب وتدمير ولايتين اميركيتين وتسريب الاشعاع الياباني وإشاعة الهرج والمرج «لان تخنْدقهم بالسراديب هراء»، محذراً بصيغة تهديدية: «وأنتم تعلمون من هو المربوط الليبي»؟. ثم خاطب «السلطان هيمشاس» بشق ارض الاتراك بالزلازل، ولم ينس «السلطان أشاوس» الذي تمنى عليه تدمير ارض الإنكليز... شعارات الثوار الليبيين تحققت، اما تعويذة شاكير فذهبت في الاتجاه المعاكس.

يستطيع النظام السوري ان يستعين ايضاً بالروحاني العراقي السيد الألوسي صاحب الحجاب الشهير بـ «بدوح يا بدوح»، لكن الوصفة الأسرع والأقل كلفة هي القراءة الجيدة لمطالب المتظاهرين بتغيير النظام وتداول السلطة وقيام تعددية حضارية ديموقراطية... وعندها سينفك المربوط وترتاح سورية ويزغرد شعبها.