«الراي» سألت أربعة سياسيين ومحللين لبنانيين

ماذا عن لبنان في حال سقوط النظام السوري؟

1 يناير 1970 01:37 م
| بيروت - من محمد بركات |

ماذا لو سقط النظام السوري، ما الذي سيحلّ بلبنان، كيف ستتصرّف الأحزاب والتيارات السياسية، ما التأثيرات التي ستعانيها الطوائف، كلّ الطوائف، المتحالفة قادة أحزابها مع سورية **أو المتخاصمة معها، هل سيتغير النظام اللبناني تبعا للتغيير السوري أم أنّ اللبنانيين لن يتأثروا؟

أربع شخصيات منها من هو على خصام مع سورية ومنها من هو على وئام معها تجيب عن اسئلة «الراي»، هي نائب رئيس مجلس النواب سابقاً إيلي الفرزلي، الوزير السابق الدكتور محمد عبد الحميد بيضون، والخبير في الشؤون الاستراتيجية العميد المتقاعد الياس حنّا، والمحلّل السياسي الدكتور سامي نادر.

الفرزلي قال «ليس المهم سقوط النظام السوري بل المهم ما البدائل، هل هناك نظام بديل، وهل النظام سيكون بيد فئات متطرفة، هل هناك تفتيت لسورية؟ هذا سيحمل إلى لبنان بذور التدمير على مستوى الكيانات الطائفية والمذهبية ولن يكون في استطاعته الدفاع عن وحدته، لأنّه غير قادر ولأنّ الرغبة في وحدة البلد مشكوك في أمرها ولأنّ الذهاب إلى الخصوصيات سيكون أكيداً، تماماً كما حصل في العراق والذي قد يحصل في بقية دول الخليج. العراق اليوم مثلاً بلد غير موحد وستزداد لا وحدته وتأكيد خصوصياته في أتون الصراع المسلّح.

إذا حكم التطرف سورية سيكون أيضا التطرف سيد الموقف في لبنان. لن يبقى موطئ قدم لمسيحي في سورية، ولن يشعر المسيحيون باستقرار ذاتي، وبالتالي سيغادرون حتماً سورية رغم بعض الكلام المعسول المتعلق ببقائهم وحمايتهم، وهذا سينعكس على لبنان سلباً وعلى واقع المسيحيين سلباً أكثر، والأمر نفسه ينطبق على الدروز. لقد وقف (الزعيم الدرزي) وليد جنبلاط أمام القصر الجمهوري في سورية وقال إن للدروز خصوصية نرجو احترامها. وحتماً سنكون أمام صراع سني ـ شيعي كبير ودام».



لبنان عصي على السيطرة

بيضون قال «دائماً في تاريخ العلاقات اللبنانية - السورية كان لبنان يتمكن من التكيف مع الأوضاع السورية الجديدة عبر اتفاقات تعكس التفاهم والاجماع الوطني. أهم تغيير حصل في سورية حين تمت الوحدة السورية المصرية، وقد تكيف لبنان مع الموضوع وحصل اللقاء الشهير بين الرئيس المصري جمال عبد الناصر والرئيس الراحل فؤاد شهاب، وتم الاتفاق على أسس التعامل في السياسة الخارجية والأمن. لا اعتقد اليوم أن القاعدة تغيرت، إلا أن هناك مشكلة لبنانية داخلية يجب العمل عليها، هي أن «حزب الله» ينظر الى سورية عبر علاقته بالنظام السوري، وليس بسورية كلها، ما قد يؤثر على العلاقة مع هذا البلد.

هناك سيناريوات تفترض أن إيران عبر «حزب الله» تريد ملء الفراغ السوري بالسيطرة على لبنان، ما يعني أن الحل الأمني قد ينتقل من سورية إلى لبنان، ولا اعتقد أن «حزب الله» يستطيع ذلك لأن التجارب السابقة مع أطراف آخرين حاولوا السيطرة على لبنان انتهت بتدمير هؤلاء ولبنان. والأمثلة كثيرة من كمال جنبلاط الذي ظنّ أنه يستطيع الحسم في مرحلة ما، إلى ياسر عرفات الذي خاض تجربة مشابهة، وصولاً إلى تجربة بشير الجميل.

ليس هناك حزب يستطيع السيطرة على لبنان، وتغيير النظام السوري سيستدعي انعكاسات كبيرة. هناك تحريض أن الحرب الأهلية السورية إذا حصلت ستمتد إلى لبنان، لكن الصراع في لبنان ليس طائفياً بل صراع على ما إذا كان لبنان يدار من الخارج أو من الداخل.

في المقابل هناك تعبئة سنية - شيعية كبيرة، ولكن لديّ اقتناع بأن الرأي العام السوري وطني وليس طائفياً رغم وجود مجموعات متطرفة، فتربية المواطن السوري وطنية وقومية من هنا استبعد الحرب الطائفية.

أما في لبنان فهناك طرف مسلح وآخر غير مسلح، فمن سيفرض إرادته على الآخر؟ النصيحة هي ان يمد «حزب الله» يده للطرف الآخر ويفتح حواراً جدياً مع قوى «14 مارس».

هناك محاولات لدى العماد ميشال عون لاقناع المسيحيين بأن مصيرهم مرتبط بنظام بشار الاسد، لكنهم موجودون هنا من مئات الأعوام ولم يحمهم إلا قيام الدولة اللبنانية. المسيحي عموماً لن يقبل مرجعية غير الدولة اللبنانية والمسؤولية الكبيرة تقع على عاتق الجيش اللبناني».



كل شيء سيتغير

حنا قال «لنبدأ من سورية حيث هناك ثلاثة سيناريوات: الأول، هو «الستاتيكو»، أي تظاهرات ونظام قائم وجيش منتشر واستعمال للقوة ووعد بالإصلاح. هنا لبنان لديه مشكلة «حزب الله» وارتباطه العضوي بسورية. لذا تعثر تشكيل الحكومة وخطاب نصر الله الأخير استعمل الصدقية العالية التي يتمتع بها لإقناع السوريين بأنّ النظام جيّد.

الثاني، هو السيناريو السيئ، ليس سقوط الحكم بل الانتقال إلى مزيد من العنف وبالتالي إلى حرب أهلية وسقوط البلد، وسيكون لهذه الحرب بعد مذهبي وخطورتها أن تنتقل إلى لبنان بثلاثة أبعاد. بعد النازحين وبعد مشكلة السنّة والعلويين خصوصاً في شمال لبنان، إضافة إلى البعد السياسي الداخلي اللبناني. فنحن لن نعرف من سيحكم سورية واي سورية نريد. هذا السيناريو هو الاكثر سوءا للبنان وللمقاومة، إذ سيضرب جهوز التنسيق بالمعنى اللوجيستي والاستخباراتي والاستراتيجي، خصوصاً إذا تذكرنا لقاء (الرئيس الإيراني نجاد والرئيس السوري بشار الاسد ونصر الله. وهناك أيضاً بعد اقتصادي لأن سورية في الفوضى ستتسبب في عزلة لبنان.

السيناريو الممتاز هو أن يقبل الشارع السوري بالاصلاحات ويبقى الرئيس الأسد مع المشاركة في السلطة والثروة، لأن سورية اكثر ديموقراطية تعني لبنان اكثر ازدهارا. وفي السيناريوات الثلاثة سورية لن تبقى كما نعرفها اليوم، والعلاقة مع لبنان ستتغير والعلاقة مع «حزب الله» سيعاد تقويمها وستخضع لإعادة التنظيم والترتيب».



منطق الدولة

نادر قال «هذا يتوقف على سؤال: كيف سيتعامل «حزب الله» مع المسألة على قاعدة أنه الطرف الأقوى أمنياً ويمسك بالأمور العسكرية. فهل سيحيد لبنان عن هذه الخضّة الكبيرة التي ستنعكس على الساحة اللبنانية؟

يجب التذكر بأن الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله كان واضحاً في دعم النظام السوري، فإذا تداعى هذا النظام هل سيكمل نصر الله في منطق المواجهة إلى النهاية، وما الخيارات المتاحة أمامه؟ إما ان يذهب في منطق العنف مجدداً وإما ان يظل لديه الخيار الأكثر حكمة الذي يردّ لبنان إلى منطق الدولة. وهنا نسأل أنفسنا: كيف نجنب لبنان تداعيات السقوط إذا حصل، خصوصاً أنّ بقية الأطراف اللبنانيين انخرطوا في مشروع الدولة، وبقي هذا الطرف الذي يملك أجندة إقليمية وينخرط في مشروع كبير للمنطقة.

أطمئن الخائفين والشامتين إلى أنّ المسيحيين لن يتضرروا، فهم في هذه المنطقة يعيشون منذ أكثر من ألفي عام وسيظلون موجودين هنا، ودورهم يتوقف على الخيارات التي سيتخذونها. فحين ينحازون الى خيارات الحرية ودعم حقوق الإنسان يكون دورهم واعداً، وحين يبتعدون عنها يعودون إلى عقلية الأقلية.

في بداية القرن مثلا شاركوا في التحرر من الطغيان العثماني فأدوا دوراً أساسياً، وفي العام 1943 دحروا الانتداب الفرنسي وأدوا دوراً رئيسياً في بناء أول ديموقراطية في العالم العربي. كلما ابتعدوا من القيم المؤسسة لكيانهم ووجودهم انحسر دورهم، وحين يصمتون وينتظرون «الربيع العربي» يكون القطار قد فاتهم، لذلك يجب أن يكون دورهم أساسياً في دعم المبادئ الرئيسية لهذا الربيع، وخيارهم في أي حال يجب ألا يكون خيار العنف.

إذا كان لبنان سيتقسّم فبالتأكيد أنه مقسم حالياً تقسيماً غير معلن، وإلا لشكلنا حكومة اليوم قبل الغد. ولكن أن نعود الى وضع القرن التاسع عشر والى ايام المتصرفية والولايات فهذا ممكن إذا استمر بعض الأطراف في خيارات لا يمكن مجاراتها، بمعنى أن البلد قد يتقسم مجدداً».