اتهم النظام السابق في مصر بحرمانه من حقوقه

المخزنجي: «العربي» كريمة... منحتني فرصاً واسعة للترحال

1 يناير 1970 09:17 ص
| القاهرة - من رحاب لؤي |
في حفل توقيع كتابه «جنوبا وشرقا» بمكتبة «الشروق» القاهرية... أشار القاص المصري محمد المخزنجي إلى أنه وجيله والأجيال السابقة عليه... قد حرموا من فرصتهم وحقهم في التحقق.
وقال: بكل أسف حرمَنا النظام السابق ككُتّاب، فلم نأخذ فرصتنا أبدا بعكس الكتّاب في كل الدنيا الذين يتم تيسير كل السبل لهم ليروا الدنيا، ويغوصوا في متعها الفكرية والمعرفية، ويكتبوا، فلم نحظ أنا أو أحد من كتاب جيلي والأجيال السابقة بفرصتنا أو حقنا.
وحول فترة عمله بمجلة «العربي» الكويتية والتسهيلات التي أتاحتها له، أوضح أنه كتب هذا الكتاب خلال فترة عمله في «العربي»، التي كان قد قام قبل بداية عمله فيها برحلة مر خلالها على موانئ البحر المتوسط، وخلال عمله بالمجلة، قامت بتمويل 30 رحلة لبلاد اختارها بنفسه ليكتب عنها.
وعن التجربة قال: كانوا كرماء جدا في المجلة، فقد ساعدوني على أن أقوم بعدد من الرحلات ما كنت لأوفرها لنفسي، فقد زرت 30 دولة اخترت منها الاستطلاعات الموجودة في الكتاب، وقد خلصت من فترة عملي تلك أنني لا أحب أن أقود أحدا، ولا أن يقودني أحد، كنت أتصور أني إذا تركت الطب وعملت في الصحافة فسوف تتاح لي حرية لأعمل في المجال الذي أحبه وهو الأدب والكتابة، ولكن اكتشفت أن الطبيب أيا كان رئيسه فهو رئيس نفسه، يقرر ما يجب فعله، ورقيبه الأعلى هو الله.
وعن الصحافة قال المخزنجي: هي «مفرمة» تجعلك تقرأ ما لا تحب، وما تحب، خصوصا حين تصبح في طاقم تحرير، لذا وبمجرد إن كانت الطائرة تقلع، كنت أشعر أنني أنتعش، والحق أني حين أزور أصدقائي الذين واصلوا ممارسة الطب النفسي أغبطهم، وأحمد الله فهي مهنة قاسية جدا في مصر.
وتابع: الامتحان الكبير للكاتب هو أن يستطيع قراءة عمله مرة أخرى، فإذا قرأه فهو ناجح، وحين كنت أقرأ كتابي هذا مرة أخرى قبل النشر اكتشفت أنه جميل، وقد اخترت بلدانا لأزورها، كانت تفاجئ العاملين في المجلة، كأن أذهب إلى زيمبابوي، أو فيتنام، وأصبح عندي ولع بالجنوب والشرق واخترت أماكن من الصعب جدا زيارتها كالهند الصينية، ولاوس، وغيرهما.
وهي أماكن كان الموظف الخاص بالطيران يسألني أين هي؟.. كنت كلما ذهبت إلى بلد أكتشف أن هناك ثقافة أخرى غير الثقافة الغربية التي تغرقنا في الحقيقة نتيجة لأن تطلعنا دوما للغرب الإمبريالي الكولونيالي: فرنسا وإنكلترا على وجه التحديد.. حتى المتنورون الأوائل كانت وجهتهم باريس ولندن.
وأكمل: لي تعريف وتصور للحضارة أنها كل سلوك إنساني يجعل من الكائن متآلفا ومتوافقا ومتكاملا ومجملا لكل ما حوله من بشر، وطبيعة، وعمارة، وأنهار، وجبال ومن دون هذا التوجه تكون الحضارة في مأزق، وهو ما عبر عنه فرويد بقوله «أزمة الحضارة».
وأنا أرى أن الحضارة الحقيقية تنفصل عن المدنية التي تكون نتيجة لعقد اجتماعي متحضر، ومتطور هذا شيء جميل لكن الحضارة هي التي تنعكس على سلوك الإنسان، وإن كانت المدنية قد تفرز سلوكا حضاريا، فإن السلوك الحضاري البكر موجود فعلا في الناس الموجودين في الجنوب والشرق.
وتابع المخزنجي: تخطر على ذهني الآن صورة لصبي في حوالي العاشرة من عمره في فيتنام، يركب على جاموسة في حقل أرز، وأمامه بِركة من المياه يصطاد منها السمك، وبالرجوع إلى أصل البِركة وجدت أنها من آثار القصف الأميركي لبلادهم، وإذا بهم يستغلونها فيغمرونها بالمياه أثناء زراعة الأرز، كذلك تخطر على بالي صورة الناسك الهندي الجوال، هي صورة تراها حين تبتعد عن المدن الكبيرة في الهند، وهو رجل شبه عارٍ، يمسك عصًا بيده، ودائما مبتسم رغم أن هذا المخلوق يمكن ألا يكون قد أكل في يومه غير كسرة خبز وشربة ماء، وتجد هذا النموذج الذي لا يؤذي البيئة يأخذ منها أقل القليل، ويعطيها الكثير، وهذه الروح الحضارية البكر تأثرت في قفزة الهند التطورية.
فعلى سبيل المثال، هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه مليارًا وثلاثمئة مليون نسمة لا يستورد القمح، بل يورده، نتيجة أن هذا المخلوق البسيط يأخذ ما يحتاجه فقط.
وأضاف: انتهت فترة السنوات السبع التي قضيتها في عملي بمجلة «العربي»، وجئت هنا إلى القاهرة كمستشار للمجلة، ولكني انقطعت عن أن أكون مستشار الهم منذ «5» سنوات، وأصبحت الآن كاتبا حرا.