خيرالله خيرالله / نكاد أن ننسى تونس...
1 يناير 1970
08:45 م
في ظل الأحداث المتسارعة في المنطقة، يكاد المرء ينسى تونس التي انتفضت مطلع العام 2011 على زين الدين بن علي وشرّعت الأبواب أمام التغييرات الكبيرة التي يشهدها الشرق الأوسط هذه الأيام. لا بدّ من العودة إلى تونس والتساؤل هل سيتحسّن الوضع فيها نتيجة «ثورة الياسمين» التي أطاحت نظام زين العابدين بن علي وعائلته، أو على الأصح عائلة زوجته السيدة ليلى طرابلسي؟ الجواب، بعد ثلاثة أشهر من خروج بن علي من تونس، يمكن القول، وإن بتحفظّ، أن تونس سائرة في الاتجاه الصحيح، أي في طريق التحول إلى نظام ديموقراطي حقيقي. يمكن التفاؤل بحذر، على الرغم من أن التحديات التي تواجه البلد كبيرة، بل كبيرة جداً نظراً إلى أن بعضها اقتصادي وبعضاً آخر سياسي وبعضاً أخير مرتبط بالوضع الإقليمي. فما لا يمكن تجاهله أن تونس على حدود ليبيا والجزائر. وإلى اشعار آخر، يظل الوضع الليبي مفتوحاً على كل الاحتمالات، بما في ذلك تحول ما كان يُعرف بـ «الجماهيرية» إلى قاعدة لـ «القاعدة». أما بالنسبة إلى الجزائر، فهناك مؤشرات توحي بأنها مقبلة على مرحلة جديدة من عدم الاستقرار في ظل المشاكل العميقة التي يعاني منها النظام الذي لم يستطع اصلاح نفسه من جهة والهوة السحيقة بين المواطن العادي والفريق المستحوذ على السلطة والثروة في آن من جهة أخرى.
ما يدعو إلى قليل من التفاؤل في تونس تحديد موعد للانتخابات النيابية في الرابع والعشرين من يوليو المقبل. وستجري الانتخابات حسب قانون عصري يؤكد أول ما يؤكد حقوق المرأة ورفض التفريط بما حققته منذ الاستقلال في العام 1956. الأهمّ من ذلك، أن القانون الانتخابي يكرس التعددية الحزبية في بلد يحتاج مواطنوه إلى تنشق نسائم الحرية في غياب حلول سحرية للمشاكل الاقتصادية على رأسها البطالة.
قد يكون التحدي الاقتصادي في طليعة التحديات التي تواجهها تونس ما بعد الثورة الشعبية التي احتاجت شهراً فقط لاجبار بن علي وزوجته على الرحيل عن قصر قرطاج. فما لا بدّ من الاعتراف به هو أن الاقتصاد التونسي تلقى ضربة قوية نتيجة توقف عجلته نحو ستة أشهر. أدى ذلك إلى هرب الرساميل من البلد وإلى توقف الاستثمارات الأجنبية وإلى مزيد من البطالة. فضلاً عن ذلك، حصل تراجع كبير في المجال السياحي الذي كان يوفّر فرص عمل كثيرة. وستحتاج تونس إلى أعوام كي تعود بلداً يستقبل ما يزيد على سبعة ملايين سائح في العام. وربما كان أوّل ما ستحتاجه تونس في الفترة المقبلة هو الأمن، نظراً إلى أنه كان عنصراً مهماً ساعد إلى حد كبير في جذب الاستثمارات الأجنبية، خصوصاً في مجال الصناعات التحويلية التي كانت أحد أعمدة الاقتصاد في عهد بن علي. كذلك، شجع الاستقرار الأمني القطاع السياحي ومجيء أعداد كبيرة من الاوروبيين إلى تونس وحتى الاستقرار فيها.
لكن الحيوية السياسية التي تعيشها تونس حالياً يمكن أن تساعد في تجاوز مرحلة الركود الاقتصادي. ما يدعو إلى بعض التفاؤل حنين الشعب التونسي إلى الحبيب بورقيبة الذي حظي هذا العام بتكريم لا سابق له منذ اطاحته في العام 1987. يظل بورقيبة، شئنا، أم أبينا، باني الدولة الحديثة في تونس. كان الرجل الاستثنائي، الذي مات فقيراً في العام 2000 والذي كان زين العابدين بن علي يخشى من جنازة شعبية له، وراء ترسيخ دولة المؤسسات والقوانين العصرية. كان وراء الانفتاح على العالم وعلى كل ما هو حضاري فيه. كان له الفضل الكبير في نهوض المرأة التونسية ووصولها إلى المساواة مع الرجل. كان أيضاً رجلاً منطقياً حاول إعادة العرب إلى رشدهم عندما غرقوا في أسر الشعارات الطنانة. لا يزال خطابه في أريحا في العام 1966 مثالاً على الجرأة والقدرة على استشفاف المستقبل بدل السقوط في فخ المزايدات التي جرّت إلى حرب 1967 وإلى الوضع العربي الراهن حيث كلام لا معنى له عن مقاومة وممانعة باستثناء أن الشعارين يستخدمان لتغطية عملية تدمير المجتمعات العربية من داخل عن طريق إثارة الغرائز المذهبية ليس إلاّ.
لعلّ أجمل ما في العودة إلى البورقيبية أن التونسيين يعون أن للرجل أخطاءه التي دفعت إلى إبعاده عن الرئاسة في العام 1987 بعدما تقدم به العمر وصار عاجزاً عن إدارة شؤون الدولة. كان الأمل وقتذاك كبيراً بأن يؤدي ذلك إلى تطوير التجربة التونسية عن طريق التعددية الحزبية. لكن شيئاً من ذلك لم يحصل للأسف الشديد. لا شك أن تونس في عهد بن علي حققت تقدماً على الصعيد الاقتصادي، لكنّ لا مفر من الاعتراف بان الحياة السياسية فيها تجمّدت. كان التونسيون في حاجة إلى الحرية كي يشعروا أن في استطاعتهم التغلب على المصاعب اليومية للحياة في ظلّ نظام كان يتآكل من داخل بسبب الفساد.
يمكن أن تساعد العودة إلى الجانب المضيء في البورقيبية في جعل الثورة التونسية محطة على طريق مستقبل أفضل. يمكن أن تساعد تلك العودة المجتمع التونسي على التمسك بالقوانين العصرية المعمول بها في البلد ومواجهة الأحزاب الدينية التي يمكن ان تعود بتونس أعواما إلى الخلف، أي إلى التخلف. في كل الأحوال، ستكون الانتخابات امتحاناً للتونسيين ولقدرتهم على متابعة معركة بناء الدولة العصرية التي أسسها بورقيبة والتي مكنتهم من مواجهة العواصف التي مرت وستمر على الجارين الجزائري والليبيي.
خيرالله خيرالله
كاتب لبناني مقيم في لندن