علي الرز / جماهير جماهيرية... الحفرة!

1 يناير 1970 10:52 م
علي الرز

في ثمانينيات القرن الماضي، سألت صحافية اميركية صدام حسين عن سبب وجود صوره على الكتب والدفاتر المدرسية وفي الساحات العامة والخاصة، فأجاب: «لان الشعب العراقي يعرف ان رغيف الخبز الذي يأكله هو من صدام وان الثلاجة في منزله كلها او نصفها من صدام وان تعليم اولاده من صدام... الشعب العراقي وفيّ ويحب القائد الذي غير حياته فلماذا لا يضع صوره في كل مكان؟».

امس، استمعنا الى خطاب «قائد» آخر، قال فيه العقيد القذافي ان ليبيا قبله هي ليبيا التخلف والاستعمار وان ليبيا القذافي هي المجد والعز. اوضح ان ليبيا فيها «قائد» الى الأبد وفيها جرذان وفئران وقطط بعدما كان اطلق على كل شخص يعارض نظرياته ونظامه بانه «كلب ضال».

أكثر العقيد من التساؤل «من أنتم؟» أو «أين كنتم؟». دعا الناس الى الخروج في الشوارع هاتفين «بالروح بالدم نفديك يا قائد». تساءل عن المتظاهرين مشككا في أنسابهم وأعراضهم... «جلبتم العار لأهلكم وعائلاتكم وقبائلكم اذا كان عندكم اهل وعائلات وقبائل». وكان تهديده بسحق كل بيت وكل قرية وكل مدينة متناسبا مع ما يعيشه في داخله نتيجة اختزاله ليبيا بشخصه.

لم تكن هناك ليبيا قبل القذافي او كانت في افضل الاحوال «ليبيريا» كما قال. لم تكن هناك قبائل وعشائر وانساب غير قبيلته وعشيرته ونسبه. لم يكن هناك «شهداء» غير جده ووالده وعمه. عتب وهو في قمة الغضب على بنغازي لا لانها تمردت وقتلت «من كان يعمل تحت امرتي» وزير الداخلية عبد الفتاح يونس ابن قبيلة العبيدات (وهو الامر الذي انكشف عكسه لاحقا) بل لان القذافي بناها بيديه حجرا حجرا كما قال. القائد يبني مدينة لم تكن موجودة قبل وصوله الى السلطة اسمها بنغازي ومع ذلك تتمرد عليه؟

بغض النظر عن كمية المغالطات التي لا تحصى في كلام العقيد وحرصه العلني الفضائحي على التحريض بين القبائل والمناطق والتهديد الهمجي بإبادة الناس، الا انه يمكن التوقف عند حصره كل القضية الليبية اضافة الى الدولة الليبية في دائرة المنة التي منّ بها هو شخصيا على الليبيين بعد 42 عاما من الحكم. هو تحدث عمليا عن ثلاثة امور استمر يكررها طيلة الخطاب: النفط والنهر العظيم ومشروع الاسكان. اضافة الى حديثه عن استضافة قمم عربية واسلامية.

النفط لم يستطع القذافي ان يقول هو من وضعه في باطن الارض الا انه تحدث عن بيعه الى الخارج ونسبة الدولة من ريع هذا البيع. ولكن لنتخيل معا وبحسبة بسيطة كيف يمكن ان يكون شكل الدولة، اي دولة، وهي تبيع مدة 42 عاما مليون ونصف مليون برميل نفط يوميا وعدد سكانها تدرج من المليون الى الخمسة فقط؟ بماذا يمنن القذافي الشعب الليبي الذي يملك تاريخا وحضارة وموقعا جغرافيا مميزا وثروات هائلة؟ بمشروع اسكاني؟ بصنبور مياه لم يرق الى مستوى الجدول؟

كان خطابا للعار لا للعز. خطاب للانهيار لا للمجد. خطاب للترويع لا للحل. خطاب الخائف الباحث عن «انجاز» غير القتل والاغتيال واحتكار السلطة واحتقار الشعب والتدمير الممنهج لليبيا فلم يجد غير قمة استضيفت او صنبور مياه شح او مشروع اسكاني لم يكتمل.

خطاب وداع. توقيع على نهاية حكم. قال فيه لعشرات آلاف الثائرين انه سيعدمهم ولن يسامحهم وانه سيحاسب اهاليهم الذين لم يحسنوا تربيتهم. اعطاهم دفعا للتقدم الى الامام مادام التراجع يعني الاعدام لهم والتعرض لعائلاتهم... ما هم، طالما انه يعتقد انه يستطيع احلال السكان «من الصحراء الى الصحراء» عبر الزحف الاممي، مكان اهالي ليبيا.

وابلغ ما في الخطاب خاتمته التي تختصر حكمه: «دقت ساعة العمل. هيا. تحركوا. اخرجوا الى الشوارع...» ثم تتقدم منه «الجماهير» وهم عبارة عن ثلاثة اشخاص يقبلون يده.

عندما اعتقل صدام حسين في حفرة كان برفقته ايضا ثلاثة اشخاص... اثنان منهما وشيا به.



alirooz@hotmail.com