«شيخ الديبلوماسيين العرب» في ذاكرة 5 شخصيات لبنانية عاصرته ...
عميد الحكمة ورجل الحوار علامته الفارقة... ابتسامته
1 يناير 1970
10:54 م
| بيروت - من ريتا فرج |
«إن الشيخ صباح الأحمد الصباح يتمتع بقدرة فائقة على المناورة»، هذه العبارة الواردة في مذكرات الوزير الاسبق فؤاد بطرس توجز بعض الخصائص التي تمتع بها سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد - عميد الديبلوماسيين العرب».
القدرة على المناورة تعني امتلاك مواصفات الاقناع والجدال والقراءة بين سطور الأزمات، فسمو الشيخ صباح الأحمد، صاحب الابتسامة الدائمة، التي لم تفارقه حتى في أوج الأزمات العربية الممتدة من المحيط الى الخليج، كان على اقتناع دائم بأهمية التواصل. وهو داعية الحوار الذي تميز بحكمة لا يدركها سوى الذين تمرسوا بقضايا العرب وهمومهم.
وعملاً بالآية القرآنية الكريمة «وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً»، سلك سمو الشيخ صباح مدارج الديبلوماسية فجمع بين الحياد الايجابي والوسطية والعروبة. فأن يكون سموه وزيراً للخارجية في أشد مراحل التحولات التي شهدتها بلاده والعالم العربي، بدءاً من الحرب العراقية - الايرانية، وصولاً الى حرب الخليج الثالثة، فهذا يعني أن هذه المتغيرات أكسبته مهارة سياسية استطاع رفدها عبر الجمع بين التناقضات العربية ـ العربية التي آلمته ولم تتعبه.
«إن السهام لا تصيب إلاّ العمالقة أما الأقزام المتضائلون فإن السهام لا تصيبهم ومن يعمل هو الذي يخطئ»، عبارة رددها سمو الشيخ صباح الأحمد، وهي إن دلت على شيء، فعلى الثقة بالنفس، وبأهمية العمل، رغم المصاعب الكثيرة.
شيخ الديبلوماسيين العرب وعميد الديبلوماسية الكويتية الذي تولى مركز وزارة الخارجية في التشكيل الوزاري الثاني الموافق 28 يناير 1963 كانت له مهام شاقة، ومنذ توليه منصبه حقق انجازات تاريخية من بينها مشاركته في اللقاء الذي نظمته الأحزاب المتصارعة في اليمن الذي كان منقسماً، مع ممثلي مصر والسعودية لوضع حد للحرب الاهلية اليمنية. وإثر تجدد الاضطرابات في اليمن المنقسم، قام بزيارة الدولتين في اكتوبر 1972 وأثمرت الزيارة توقيع اتفاق سلام بينهما.
وفي العام 1980 قام سمو الشيخ صباح بوساطة ناجحة بين سلطنة عمان وجمهورية اليمن الديموقراطية أدت الى توقيع اتفاق خاص بإعلان المبادئ خفف حدة التوتر بينهما، الى أن تم استدعاء وزيري خارجية الدولتين الى الكويت العام 1984 لاعلان احترام حسن الجوار وإقامة علاقات ديبلوماسية بينهما.
ومن المحطات البارزة في مسيرة شيخ الديبلوماسيين العرب، ترؤسه العام 1988 للجنة السداسية المكونة من وزراء خارجية الكويت والجزائر وتونس والاردن والامارات والسودان، وكانت مهمتها تحقيق التوافق بين مختلف الأطراف المتنازعين في لبنان لإخماد الحرب. وفي ذلك الوقت عقدت اجتماعات في تونس، سعى فيها سمو الشيخ صباح الأحمد الى انجاز مهمته التي تعثرت لأسباب معقدة، فارتأى الملوك والرؤساء العرب خلال اجتماعهم في قمة الدار البيضاء في مايو 1989 بعد اطلاعهم على تقرير أعده رئيس اللجنة، أن يعيدوا النظر في تكوينها وأن يتمّ اختصارها بلجنة ثلاثية.
واليوم بعد مرور خمسة اعوام على تولي سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد مقاليد الحكم، تركز «الراي» الضوء على صورة عميد الديبلوماسية الكويتية في ذاكرة من عاصره، وهم وزير الخارجية اللبناني الاسبق فارس بويز، والوزير السابق خالد قباني الذي حضر اجتماعات اللجنة السداسية، وسفير الكرسي البابوي في الكويت ودول الخليج المطران منجد الهاشم، والرئيس الاسبق لحزب الكتائب كريم بقرادوني، والسفير اللبناني السابق في الكويت محمد عيسى.
«جهد سموه مهد لاتفاق الطائف»
السفير محمد عيسى: التاريخ يشهد للأمير حسن إدارته للأزمات العربية
يؤكد السفير اللبناني السابق لدى الكويت محمد عيسى أن «الجهد الذي بذله سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد في اللجنة السداسية حينما كان سموه وزيرا للخارجية مهد الطريق أمام اتفاق الطائف»، ويقول: «تعرفت الى سمو الأمير قبل أن يتم تعييني سفيراً للبنان في دولة الكويت الشقيقة. وفي فبراير العام 1991 كان لي لقاء معه حين كان وزيراً للخارجية».
ويضيف: «صاحب السمو أبو الديبلوماسية العربية، تولى منصبه بكل جدارة، وكان له دور كبير في حل الأزمة اللبنانية، عندما ترأس اللجنة السداسية، وخلال هذه التجربة التي مهدت لاتفاق الطائف، تميز بالقدرة التامة على معرفة الشؤون اللبنانية وما زال، والأهم في تجربته كوزير للخارجية، حسن إدارته لأي أزمة عربية، ومحاولة الجمع بين الأطراف. وفي رأيي أن جهده في اللجنة السداسية شكل روح اتفاق الطائف، والتاريخ يشهد له بذلك. جمعتني بسموه لقاءات عدة عندما كان سموه وزيراً للخارجية، ولطالما أحب لبنان وهو حتى اللحظة يحبه. وخلال مرحلة وجودي في الكويت كسفير للبنان اكتسبت منه دروسا كثيرة تتعلق بالعالم العربي».
سفير الكرسي البابوي السابق أشاد بفترة عمله في البلاد
منجد الهاشم: اهتمام كبير من الأمير
بالحوار بين الكويت والفاتيكان
شدد المطران منجد الهاشم سفير الكرسي البابوي في الكويت ودول الخليج السابق في الكويت على الأهمية التي أعطاها سمو الامير للحوار الإسلامي ـ المسيحي وقال «عندما عينت سفيراً بابوياً في الكويت ودول الخليج من قبل البابا بنديكتوس السادس عشر العام 2005 قدمت أوراق اعتمادي الى سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، وبعد وفاة الأمير تعرفت الى صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، وحصل لي الشرف أن التقيته في مناسبات عدة في قصر بيان في الكويت».
واضاف: «سمو الامير كان يبدي دائماً اهتمامه بتوطيد علاقات بلاده مع الفاتيكان، وكانت الكويت أول دولة من الدول الخليجية التي أقامت علاقات ديبلوماسية مع الفاتيكان العام 1962 أي بعد سنة من نيلها الاستقلال. وفي تلك المرحلة لم يكن السفير البابوي مقيماً في الكويت، وإنما في العراق، وبعد الغزو انتقل مركز البابوية الى الكويت. وأذكر لقاءاتي مع سمو الامير وخصوصاً الجلسة الطويلة التي جمعتني به، وهي جلسة الوداع في شهر فبراير 2010 وذلك حين تركت منصبي وعدت الى لبنان. وفي هذا اللقاء أذكر جيداً الاهتمام الكبير لسمو الامير بالعلاقات المسيحية _ الاسلامية، والحوار بين الفاتيكان والكويت».
وأشار إلى ان «سمو الامير صباح الاحمد شخصية منفتحة جداً ومثقفة جداً، ومن المعروف أنه عميد الديبلوماسيين العرب، بسبب خبرته في وزارة الخارجية الكويتية التي استمرت نحو 36 عاماً، وهذا ما أكسبه مرونة، وقدرة على الاقناع والحوار. علاقتي معه كانت مزدوجة، كسفير للفاتيكان أولاً وكلبناني ثانياً».
«الشيخ صباح أمير للأخلاق والمحبة والحوار والانفتاح والحكمة»
خالد قباني: فوق ما أوتي من مواقع قيادية
حافظ سمو الأمير على شيمه العربية الأصيلة
يستحضر الوزير السابق خالد قباني المحطات التاريخية التي جمعته بسمو الأمير صباح الأحمد منذ أن تولى مركز قنصل لبنان في الكويت وصولاً الى اجتماعات اللجنة السداسية في تونس، وبكثير من المودة والتقدير يؤكد خاصية الحوار التي تمتع بها سمو الامير وما زال ويقول: «يتفق الجميع من الذين سنحت لهم الفرصة للتعرف من قرب الى سمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، على أن هذا الرجل يتميز بسماحة خلقه ونبل أخلاقه وصفاء ذهنه واقباله بشرف على الناس وانفتاحه، وفوق كل هذا هو رجل حوار، لا يتردد في الاستماع الى الآخرين، والى الانصات للآراء المختلفة، فيتناقش معهم بمرونة ولباقة وصدق وامانة، وهو فوق ما أوتي من مواقع قيادية متعددة بقي محافظاً على وداعته وتواضعه وشيمه العربية الاصيلة».
ويضيف قباني: «عرفته عندما توليت مطلع شبابي مركز قنصل لبنان في الكويت، ومن ثم قائماً بالاعمال، وكان وزيراً للخارجية، ولشدة ما جذبني اليه والى شخصيته المنفتحة وسعة صدره ومحبته، وابتسامته التي يستقبل بها ضيفه والتي لا تفارقه مهما اشتدت الازمات أو الظروف. كان يشعرك بالاهتمام، وكل يشهد على صعيد العالم العربي على اهتمامه الشديد بالقضايا العربية ووحدة الموقف العربي في مواجهة التحديات والمخاطر الكبيرة. كان يحرص على الحوار وعلى التوافق وعلى وحدة الكلمة، ولطالما ادى دوراً كبيراً في التنسيق بين المواقف العربية المختلفة، ومن هنا نفهم الثقة الكبيرة التي كان يحظى بها على المستوى العربي وعلى المستوى الدولي».
ويتابع بالقول: المسألة التي لم تفارق ذاكرتي في ذلك الوقت وحتى اللحظة، اهتمامه بلبنان وعظيم محبته لأهل لبنان وتقديره البالغ للبنانيين، الذين يعملون في الكويت والذين ساهموا في النهوض بالدولة الفتية منذ ستينات القرن الماضي. ولقد ربطته بمعظم رجال الاعمال اللبنانيين في الكويت صداقة خاصة، هذه المحبة كانت تعكس محبة جميع الكويتيين للبنان، ولم يغب هذا الاهتمام يوماً واحداً عن رجالات الكويت وأهلها. جمعتني بسمو الامير في ذلك الوقت صداقة خاصة، وكانت الكويت أول محطة لي في العمل العام، وكانت تشكل جوهرة الخليج وقد استمرت في نهوضها الى أن احتلت هذا الموقع المرموق بين الدول العربية وعلى المستوى الدولي، ولكن لم تتوقف معرفتي بسمو الشيخ صباح عند هذه الفترة التي امضيتها ممثلاً للبنان في الكويت، فقد استمر هذا التواصل عندما كان وزيراً للخارجية وترأس اللجنة السداسية العربية من أجل وضع حد للحرب الاهلية اللبنانية، فكلف من القمة العربية رئاسة اللجنة السداسية للاتصال بالقوى السياسية اللبنانية للعمل على إيجاد الحلول للنزف اللبناني، وكان يعمل بحماسة كبيرة ويتفانٍ بالغ من اجل تقريب وجهات النظر بين الاطراف المتصارعين وذلك في الاجتماعات التي حصلت في تونس والتي حضرتها الى جانب رئيس مجلس الوزراء الدكتور سليم الحص والى جانب رئيس مجلس النواب حسين الحسيني، وكنت شاهداً على الدور الكبير الذي قام به، وواكبته في كل الاجتماعات التي ترأسها، مع رؤساء الجمهورية ومجالس النواب التي عقدت في تونس وكذلك مع رؤساء الطوائف الدينية التي عقدت في الكويت. كان ودوداً محباً منفتحاً على الجميع وعلى مسافة واحدة من الجميع، وكان يعمل بكل صدق ومحبة لاخراج لبنان من أزمته الخطيرة. لقد قدر له اللبنانيون جهده الطيب وكان مثالاً للرجل المسؤول والمؤتمن على قضية دخلت الى أعماقه واستقرت في عقله وقلبه». ويرى قباني ان سمو الأمير «لم يتغير عندما أجمعت الكلمة في الكويت على أن يكون رئيساً للبلاد. كان لي الحظ في أن أعود الى الكويت وزيراً في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة لتهنئة سمو الامير وأهل الكويت بأميرها الذي بقي هو نفسه أميراً للأخلاق والمحبة والحوار والانفتاح والحكمة. ونعلم نحن اللبنانيين مدى التقدير الذي يكنه سمو الامير والكويتيون جميعاً للبنان. كان دائماً ولا يزال الى جانب لبنان، مساهماً في نهوضه واعادة بنائه لا سيما بعد العدوان الاسرائيلي العام 2006 إذ رأيناه في مقدم الداعمين الى جانب الدول العربية الشقيقة، وهو في دعمه لم يميز بين منطقة وأخرى أو بين فئة وأخرى، فقد كانت مشاريع التنمية التي قامت بها الكويت والتي يشهد لها الجميع واضحة ومستمرة. ذكريات جمعتني مع سمو الامير لم تنقطع، كأنها السبحة التي تتواصل حباتها وتترك في الآخرين نغماً لطيفاً يتسرب الى العقل والقلب كحبات الندى».
ويشير قباني الى الاجتماعات الثنائية التي جمعته بسمو الشيخ صباح الأحمد في اللجنة السداسية «كان لي أكثر من لقاء ثنائي معه في تونس على هامش الاجتماعات التي عقدت للتباحث في المصاعب التي يعانيها لبنان، وتدارست معه ما كان يورده من أفكار لحل هذه المشاكل وخصوصاً على الصعيد الدستوري. كان دائم التفهم وكان أمله أن يعود اللبنانيون من تونس حاملين معهم بشائر الخير والحل. والشيء الذي لا ينقطع عن ذاكرتي ابتسامته الدائمة، فقد كان وما زال مستبشراً يستقبلنا بابتسامته المعهودة التي تدخل السرور والتفاؤل الى القلب».
أول وزير عربي وأجنبي زار الكويت مهنئاً بالتحرير
فارس بويز: الشيخ صباح في الجامعة العربية
كان الرقم الصعب الذي دونه لا مجال لاتخاذ القرار
وزير الخارجية اللبنانية الاسبق فارس بويز الذي تعرف من كثب الى سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد اوائل التسعينات يروي أبرز المحطات التي جمعته به وخصوصاً في اجتماعات جامعة الدول العربية ويقول: «عرفت الشيخ صباح الأحمد الصباح في أوائل التسعينات، ولقائي الأول معه كان في مناسبة عودة أمير الكويت والمسؤولين الى البلاد بعد التحرير، وكنت أول وزير عربي وأجنبي يزور الكويت مهنئاً بالتحرير، وذلك في اليوم الذي تلى وصول الأمير.
منذ اللحظات الأولى وجدت فيه القائد الواعي كل الوعي، والمدرك كل الادراك، وصاحب التفكير المستمر للمرحلة المقبلة، فقد كان ينظر دائماً الى الامام، نحو الخطوة المقبلة».
ويبين بويز: لقاءاتي مع سمو الشيخ صباح توطدت أكثر خلال الاجتماعات في جامعة الدول العربية وخلال زياراتي للكويت وزياراته كوزير للخارجية للبنان، وهنا لا بد من أن نقر بأن حضوره كان دائماً مميزاً، واقعياً قبل كل شيء، يرفض المزايدات والمواقف الوهمية وله دائماً عبارة يرددها خصوصاً في اجتماعات جامعة الدول العربية يقول فيها «إننا لا نقبل بأي بيان إنشائي يطرح مطالب غير واقعية وغير ممكنة. كفى العرب مواقف نظرية لا تؤدي الى شيء فإن أردتم بيانا كهذا فنحن ممتنعون عن قبوله وإلاّ فعدلوه بما هو واقعي وعملي وممكن».
ويصف بويز سمو الشيخ صباح الأحمد بأنه: كان جريئاً في مداولاته ومواقفه الى درجة تجميد مقررات أي لقاء ما لم يوافق عليه ويقتنع بجدواه، وحتى على إثر التداول كانت الانظار تتجه اليه كأنه الرقم الصعب الذي دونه لا مجال لاتخاذ القرار. ذكاؤه كان حاداً يجعل من دينامية الوفد الكويتي في كل مؤتمرات جامعة الدول العربية، دينامية لافتة. كان دائماً حريصاً على الصدقية، تحديداً في القرارات السياسية والمالية المهمة، ولسان حاله إن «كان هذا القرار للزينة والديكور فاحتفظوا به وإن كان للتطبيق فعدلوه». بكلمة موجزة الشيخ الصباح من وزراء الخارجية الأكثر حضوراً وتأثيراً في العالم العربي، وأعطى للكويت موقعاً مهما في كل مؤتمرات الجامعة العربية، وقد فرض بصمات واضحة من الذكاء والواقعية والحكمة».
ويؤكد بويز أن الوسطية التي تميز بها سمو الامير حين كان وزيراً للخارجية «سمحت له باتخاذ مسافة واحدة من الجميع»، قائلاً «في ما يتعلق بلبنان، الشيخ الصباح نظر اليه بمحبة ومودة، وكأنه كان يشعر بأن بين البلدين والشعبين تقاربا في العدد ومساحة الدولة، وفي القدر والأطماع الخارجية. اتصف الأمير وما زال بالقلق حيال قضايا لبنان وكأن المشكلة واقعة في الكويت، لا بل كان يشعر بأن ما يصيب لبنان قد يصيب الكويت، ولهذا كان مرجعاً خلال تسلمه وزارة الخارجية، بسبب تمرسه في الملف اللبناني وكأنه يعيش بيننا، وما قصدناه يوماً بدعم إلاً وجدناه جاهزاً وداعماً. كانت الكويت حريصة دائماً على أن تأخذ مسافة واحدة من كل الاطراف اللبنانيين، من هنا كان الشيخ الصباح يسمع للجميع ويبدي رأيه على قاعدة حكيمة ومعتدلة، وفي الكثير من الاحيان كان رأيه حاسماً يصب في مصلحة لبنان العليا. كان يحذر بعض الجهات العربية من دفع لبنان الى أكثر ما يمكن أن يتحمله، داعياً في الوقت نفسه الى الوحدة والتضامن بين اللبنانيين، ولطالما فعل ذلك بمعرفة الاخ الصادق».
ولفت بويز الى أنه «بعد مرور 50 عاماً على استقلال الكويت، استطاعت هذه الدولة تخطي المشاكل التي كانت تحوط بها وأعطت مساحة مهمة للديموقراطية»، قائلاً «ستحتفل الكويت بعيدها الوطني وهي منتصرة على مطامع بعض من ينظر اليها والى ثروتها، وهذا قدر الدول الصغرى، المستهدفة دوماً من محيطها، واستطاعت الكويت أن تبقى موحدة وأن تدمج بين معيار مقبول من السلطة ومعيار مقبول من الديموقراطية، وأنتجت معادلة تتناسب مع تاريخها. ولا شك أن حكمة قادتها وفي مقدمهم سمو الأمير الشيخ صباح الاحمد ادت دوراً في الحفاظ على وحدة البلاد وتطويرها واستقرارها في ظل كل ما تمر به منطقة الشرق الاوسط».
«قائد صادق... ومن أبرع وزراء الخارجية العرب»
كريم بقرادوني: صباح الأحمد «حلاّل مشاكل»
يحدد رئيس حزب الكتائب اللبناني الوزير السابق كريم بقرادوني أهم الخصائص التي تمتع بها سمو الامير صباح الأحمد حين كان سموه وزيراً للخارجية قائلاً: «الشيخ صباح الأحمد كان من أبرع وزراء الخارجية العرب، كان في قلب الحدث اللبناني، تعرفت اليه خلال اللجنة الرباعية المنبثقة من القمة العربية العام 1976. كان شديد الاهتمام في تلك المرحلة التاريخية بالملف اللبناني، ودافع عن اللبنانيين بمعزل عن طائفتهم ونظر الى الجميع من مسلمين ومسيحيين على هذا الاساس. وخلال الاجتماعات التي عقدتها اللجنة الرباعية، تميز بالدقة والالمام الشديدين في الملف اللبناني، وحاول قدر الامكان التقريب بين وجهات النظر، وفي رأيي لهذا السبب توطدت العلاقات اللبنانية ـ الكويتية، فقد كان ينظر وما زال الى لبنان كبلده الثاني».
ويضيف بقرادوني: «ما ميزه كوزير للخارجية أنه يعرف ملفه معرفة دقيقة، وينصت باهتمام لجميع الاطراف، ولطالما شدد على كيان لبنان وسيادته. الشيخ صباح قائد صادق، وهو من وزراء الخارجية القلائل الذين يتابعون ملفاتهم، وأكثر ما يتميز به القدرة الفائقة على قراءة الاحداث السياسية، ما أعطاه دوراً مميزاً في إنهاء الحرب اللبنانية، وخصوصاً خلال ترؤسه اللجنة السداسية. والذي شدني اليه طاقته على استيعاب الاحداث، والتعاطي ببراعة مع أي عقدة سياسية، وهذا قلما يتوافر في وزراء الخارجية في العالم العربي».
ويرى بقرادوني ان سمو الشيخ صباح الاحمد «منطقي في مواقفه، يملك كاريزما، وبكلمة (كان حلاّل مشاكل)، لذا حين تعرضت الكويت للغزو العراقي، وجدنا اللبنانيين، كل اللبنانيين، يقفون الى جانب الكويت. سمو الامير الشيخ صباح الاحمد الصباح رجل مؤمن، يتكل على الله، وحين كان وزيراً للخارجية، كان يذكر الاشخاص بخصالهم الحميدة. لديه قدرة على ادارة المشاكل وعلى طرح الحلول».