النفط في رحلة الاستقلال والتحرير نعمة الازدهار... ونقمة «المصدر الوحيد»!

1 يناير 1970 05:54 م
| كتب إيهاب حشيش |

يوم احتفلت الكويت باستقلالها قبل 50 عاماً، كان النفط في الكويت في «عمر المراهقة». 14 عاماً كانت قد مرت على الاحتفال بتصدير أول شحنة نفط. لكن الاستقلال كتب تاريخاً جديداً، قاد بعد 13 عاماً إلى تأميم القطاع وعودة ملكيته إلى أهل الكويت الذين يحمون ترابها.

قصة النفط مع الاستقلال طويلة، وقصته مع التحرير ملحمية لم يشهد التاريخ مثلها. فمحنة الغزو كوت البلاد بنار الآبار المشتعلة، وحين رفرف علم الكويت على أرضها مجدداً كان «الفلس الأبيض» الذي تجمّع من عائدات النفط كل ما ظل للكويتيين لإعادة بناء وطنهم، بعد تلك الأيام السوداء التي ظل دخان الآبار المشتعلة محيطاً بأيامها ولياليها لأشهر.

... كان النفط مواطناً فوق العادة، واجه نار الغزو، وأنفق على جهد التحرير كما أنفق على إعادة البناء. والآن بعد عشرين عاماً على التحرير، يعوّل على إيرادات النفط لتمويل لجهود التنمية التي يؤمل أن تكتب تاريخاً جديداً للاقتصاد الكويتي.

اليوم تختصر القصة بمفارقة: النفط الذي هو صانع الثروة القومية ودولة الرفاه، هو نفسه علة الاقتصاد المفتقر إلى التنويع. ولذلك تجد كل خطة طموحة تنطلق من الابتعاد عن النفط كمصدر وحيد للدخل. إنها نعمة الازدهار ونقمة «المصدر الوحيد»!

فالنفط مازال يشكل أكثر من ثلثي الناتج المحلي ونحو 95 في المئة من الإيرادات العامة لخزينة الدولة. ولذلك ما زالت مؤشرات النمو الاقتصاد ووضع المالية العامة وميزان الحساب الجاري وميزان الحساب التجاري تعتمد على أسعار النفط في الأسواق الدولية. ولذلك كان منطقياً أن تطمح خطة التنمية الحكومية إلى إشراك القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل القومي. لكن المفارقة تبقى قائمة، فأكثر من نصف مشاريع الخطة يستأثر بها القطاع النفطي.

بدأت قصة النفط في تاريخ الكويت حين منح الشيخ أحمد الجابر الصباح امتيازا للتنقيب عن النفط لشركة نفط الكويت المحدودة والتي تأسست في 1934 بمساهمة شركة البترول البريطانية (BP) وشركة الخليج للزيت الأميركية (GULF OIL) في الحصول على حق الامتياز للتنقيب عن النفط في جميع أراضي الكويت ومياهها الإقليمية لمدة 75 عاما.

وتحقق أول اكتشاف نفطي تجاري في الكويت في منطقة برقان خلال الفترة بين 1938 و1942 والتي أكدت وجود النفط بكميات هائلة في حقل برقان. وهو ما يؤكد الحاجة إلى دور للشركات الاجنبية في كل مرحلة وفق معطيات تستفيد منها الشركات الوطنية لرفع الإنتاج بما يتواءم مع الطلب العالمي والحاجة لتأهيل وبناء كوادر وطنية والاستفادة من التقنيات المتوافرة لتلك الشركات العالمية والتي أسهمت في اكتشاف النفط بشكل فاعل.

تصدير أول شحنة تجارية من نفط الكويت الخام 1946، وقد أقيم لهذه المناسبة احتفال كبير افتتح فيه المغفور له الشيخ أحمد الجابر الصباح أمير الكويت السابق عمليات شحن النفط وذلك بأن أدار دولابا من الفضة فانفتح صمام تدفق منه النفط فانساب في خزانات الناقلة «بريتيش فيوزيلير» لتحميلها بأول شحنة من نفط الكويت. وهذا يؤكد دور الكويت المتنامي لتلبية احتياجات العالم من الطاقة كمزود للإمدادات النفطية، بالاضافة إلى خبرة الكويت الطويلة في تسويق النفط الخام والتعامل مع العالم الخارجي بطريقة مهنية عالية والمحافظة على مصالح الكويت العليا.

إن بدء صناعة التكرير وتطورها في الكويت مع إنشاء أول مصفاة للتكرير في الكويت بمدينة الأحمدي في 1949، يربط اهتمامات الكويت والتي سبقت في تلك الفترة بقية بلدان المنطقة في تحويل النفط الخام الى منتجات بترولية ذات قيمة عالية وتعطي عوائد طيبة وتتماشى مع نمط الاستهلاك في مختلف الاسواق لسنوات مقبلة وهي ايضا ما يمكن ربطه بالكفاءات الوطنية التي اسهمت في النهضة الكويتية الفعلية وكان لها السبق في النظرة المستقبلية لضمان اسواق للكويت، ويأتي في هذا السياق ايضا تأسيس شركة ناقلات النفط الكويتية في 1957 لضمان ايصال المنتج الكويتي للمستهلك النهائي والحصول على ميزة عالية بين الشركات النفطية الوطنية وقدمت هذه عقود للكويت.

جاء اسهام الكويت في إنشاء منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، ليؤكد نظرة الجيل المؤسس أهمية مكانة الكويت في العالم وان الكويت جزء من المنظومة العالمية تهتم لتأمين الامدادات النفطية وبأسعار معقولة للسوق النفطية، وتضمن ايرادات مناسبة لشعبها والذي يعتمد على النفط كمورد رئيس، يسهم بشكل في الارتقاء بالمستوى المعيشي.

ان المضي في صناعة البتروكيماويات الكويتية والذي جاءت بدايته مع تأسيس شركة صناعة الكيماويات البترولية في 1963، وما تبعه من توقيع مذكرة تفاهم بين شركة صناعة الكيماويات البترولية وشركة «يونيون كربيد» لإنشاء مجمع البتروكيماويات، ثم تشغيل مصنع البولي بروبلين ومجمع البترو كيماويات، ثم توقيع مذكرة تفاهم بين شركة صناعة الكيماويات البترولية وشركة (داو) الأميركية لتنفيذ مشروع الأوليفينات الثاني ومشروع الستيرين يمثل نقلة نوعية في صناعة النفط في الكويت لتنويع مصادر الطاقة والحصول على القيمة المضافة وتوسيع المجالات وخلق فرص اضافية امام الكوادر والكفاءات الوطنية والخريجين الجدد وهو ما يؤكد العقول الكويتية في تيسير الحياة لمن يعيش على هذه الارض الطيبة وتطوير حلول مستمرة للشباب، وهو ما يميز الكويت ايضا حكومة وشعبا.

مرحلة أخرى في تطوير صناعة النفط الكويتية سبقت الكويت بلدان المنطقة وتبعتها في ذلك، هي تنظيم الصناعة من خلال انشاء مؤسسة البترول الكويتية، كمؤسسة حكومية ذات طابع تجاري يشرف عليها ويرأس مجلس إدارتها وزير الطاقة. في 1980 انضمت الشركة تحت مظلة مؤسسة البترول الكويتية، وهو تطور طبيعي سبقه تشكيل المجلس الأعلى للبترول ووزارة النفط.

ومن المنعطفات المهمة في تطوير صناعة النفط الكويتية إعادة بناء الصناعة بعد التحرير، من خلال تصدير أول شحنة من النفط الخام بعد التحرير في 27 يونيو 1991، وتشريف سمو الأمير الاحتفال بإطفاء آخر آبار النفط المشتعلة في 6 نوفمبر 1991، ثم تصدير أول شحنة نفط من البحيرات النفطية 1992.

ولعل من المحطات المهمة والتي بدا فيها العمل يتطور الاهتمام في اشراك القطاع الخاص، والمحافظة على البيئة، انتاج الغاز محليا، وتطوير الاهتمام في الطاقات المتجددة ومجالات البحث والتطوير في القطاع النفطي بالاضافة إلى الاستفادة من الشركات النفطية العالمية بشكل افضل في مراحل الصناعة النفطية الكويتية.

ومن جهة ثانية، فإن إنشاء المؤسسات النفطية التابعة للقطاع النفطي بدأت عام 1974 عندما أصدر صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الصباح نائب أمير الكويت وولي العهد مرسوما بإنشاء مجلس أعلى للبترول برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية كل من وزير المواصلات ووزير التخطيط ووزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية، وزير الطاقة، وزير الخارجية، وزير التجارة والصناعة، محافظ بنك الكويت المركزي، وتسعة أعضاء من ذوي الخبرة والكفاءة بهدف رسم السياسة العامة للمحافظة على مصادر الثروة البترولية وحسن استغلالها، وتنمية الصناعات النفطية المرتبطة بها بهدف ضمان الاستثمار الأفضل لها وتحقيق اكبر عائد منها والوصول الى صناعة بترولية وطنية متكاملة في إطار السياسة المرسومة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.

وفي العام 2002 وافق المجلس الأعلى للبترول على مشروع الأولفينات الثاني ومشروع العطريات والتوقيع على مذكرة التفاهم بين شركة صناعة الكيماويات البترولية وشركة داو الأميركية لتنفيذ مشروع الأولوفينات الثاني ومشروع الستايرين ضمن مشروع العطريات.