علي الرز / عدوى الياسمين؟

1 يناير 1970 09:51 م
| علي الرز |

عندما رأى زين العابدين بن علي عبر وسائل الإعلام عناصر من القوات الخاصة تقبل متظاهرين وتعانقهم، ادرك ان الوقت حان للرحيل وان خطاباته المتلفزة الواعدة بأبسط مقومات الحياة الاجتماعية والديموقراطية لن تحمي قصر قرطاج من زحف الشارع.

صفحة تونسية طويت في 14 يناير وصفحة عربية فتحت. لكنه كتاب دائم مقرر على الجميع باغلفة مختلفة ومناهج متعددة.

عربيا، لا يرى الرئيس غير الصورة التي يريد ان يراها. القائد الاوحد، الخالد، الرئيس الى الابد، الزعيم التاريخي واحيانا الزعيم «المختار» دينيا. يعرف عن بلده من خلال تقارير الأمن، وعن ولاء الناس من خلال تقارير الحزب، وعن شرعية النظام من خلال الاقارب والانسباء والاصهار. اذا كان افراد عائلته بخير فالبلد بخير، واذا كانت ارصدتهم المالية في تزايد فاقتصاد البلد يتطور، واذا كانت علاقاتهم مع شركات اوروبية واميركية قوية فصورة بلده كجسر حضاري بين الشرق والغرب متقدمة، واذا كان نفوذ طائفته متناميا فالسلطة قوية... واذا كانت صحته جيدة فالبلد مستقرة.

في تونس، خان الموضوع الطائفي بن علي لان التعددية هناك اجتماعية مناطقية سياسية وجهوية وليست طائفية او قبلية، فهو لا ينتمي الى طائفة من ضمن طوائف كبيرة تشكل النسيج الاجتماعي التونسي او الى قبيلة تشكل غالبية بين قبائل وبالتالي يمكنه ان يحكم ابناء هذه الطائفة (او القبيلة) في مفاصل الدولة واداراتها وتحديدا في المؤسسات العسكرية والامنية كما حصل ايام صدام حسين وكما يحصل مع غيره من الانظمة، ولا يمكن بالتالي لاجهزة نظامه ان تروج لمقولة اما الرئيس الحالي واما الفوضى والتقاتل اوالتحارب الطائفي والمذهبي والقبلي.

كان بن علي يضع رجاله في الاجهزة الامنية التي خبرها جيدا على قاعدة الولاء له شخصيا لا على قواعد ولاء اخرى غير موجودة. بنى، مثل غيره من الزعماء، منظومة امنية واقتصادية وسياسية موالية للنظام كانت تستفيد اكثر مما تفيد، وصورت له كالعادة ان التحديات التي تخوضها تونس بقيادته لا تحتاج الى «غوغاء» الشارع او «ترف» الديموقراطية او النداءات المطالبة بتوسيع المشاركة الشعبية ويمكن ان تسمح بفتح ثغرات يعبر منها «الاجنبي المتآمر». همش المعارضة المدنية العلمانية التاريخية في تونس بحجة سعيه الدائم لتجفيف منابع الارهاب واغلق مكاتب اعلام عربية لانها لا تختزل تونس بصوته وصورته كما يفعل التلفزيون الرسمي. واغلق مكاتب اعلامية فرنسية واوروبية لان كتبا صدرت فيها تحدثت عن نفوذ زوجته وافراد اسرتها. كان يقفل ابواب تونس امام اي دولة ويقطع العلاقات اذا تطرق احد فيها الى اوضاع حقوق الانسان.

ومع ذلك، كان يمكن لبن علي ان يبقى فترة اطول في سدة الرئاسة رغم الاحتجاجات الشعبية لو اتخذ اجراءات اصلاحية حقيقية اجتماعية وسياسية وفتح الباب اكثر للحريات والمشاركة الشعبية في السلطة ولو لم يسقط ضحايا في المواجهات. وكان يمكن لعاصفة الهجوم عليه من ناشطين سياسيين وحقوقيين واعلاميين على امتداد العالم العربي ان تنتظر خصوصا ان اربابها كانوا يسبغون صفات القداسة عليه قبل شهر واحد فقط من سقوطه... لكن غياب السند الطائفي والقبلي وامتداداته داخل المؤسسات الامنية والعسكرية وسيطرته بهذا السند على مناطق وجهات بكاملها عوامل ساهمت في فراره وعائلته فقط تماما كما فعل صدام حسين الذي امتلك ذلك السند ولم تكن اطاحته ممكنة الا من خارج العراق.

ويا شعب تونس العظيم، رائحة الحرية دخلت منازل كثيرة خارج بلادكم. يكفيكم فخرا انكم كنتم رواد التغيير السلمي في منطقة تعشق انظمتها الدم والظلام، ويكفي انتفاضتكم كي تكتمل قيام دولة قانون ومؤسسات وتعددية وامن واستقرار وحريات وديموقراطية وتنمية وتداول سلمي للسلطة... وهنا يمكن القول ان ما فعلتموه سينشر «عدوى الياسمين» في دول اخرى.





alirooz@hotmail.com