علي الرز / كي لا نستكمل التفجير!

1 يناير 1970 09:50 م
| علي الرز |

من نافل القول ان يردد المرء عبارات التنديد بمجزرة الاسكندرية. نعم، مجزرة بكل المقاييس لانها لم تستهدف ضحايا بريئة فحسب بل قصفت بشكل مباشر ركائز اساسية للنظام العام في مصر، هي الوحدة الوطنية والحريات والديموقراطية والتعايش الحضاري بين مختلف مكونات المجتمع، اضافة الى دمغها بصمة سوداء على صفحة القيم الانسانية النازفة منذ عقود وعقود.

«نشجب»، «نستنكر»، «نندد»، «نحذر»... ردود طبيعية فورية فطرية، لكن ما بعد التفجير حمل مفارقات مؤلمة لا بد من التوقف عندها قليلا.

لسنا هنا في وارد الكلام عن ردود الفعل العنيفة التي حصلت من غاضبين، فهذا أمر يحصل اكثر منه في قضايا أقل أهمية. عدد القتلى والجرحى بين مشجعي فريقين متنافسين عقب مباراة لكرة القدم في بريطانيا مثلا يتجاوز الاشتباكات بالايادي والمناوشات بالسلاح الابيض، كما ان مواجهات اهالي الضواحي الفرنسية مع قوات الامن لا تقارن ابدا بالمواجهات التي جرت بين شبان غاضبين وبين قوات الامن المصرية...

ولسنا في وارد الكلام عن البيانات الامنية المتباينة، فحجم «الصاعقة» كان اكبر من القدرة على السيطرة الفورية. ثم ان الاعتبارات الخاصة في هذا الاطار تحتم البحث في كل الفرضيات بل واستدراج معطيات جديدة من خلال رمي بالونات اختبار هنا او هناك...

ما نريد ان نتوقف عنده هو التبريرات والمواقف التي تلت المجزرة ولم ترق على الاطلاق الى حجمها.

هناك من رأى فيها فرصة لتصفية حساب مع النظام بخروجه ليل نهار الى الفضائيات والقول ان ما حصل نتيجة لسلوكيات النظام وخصوصا إقدامه على تزوير الانتخابات الاخيرة!!!

وهناك من خانه «سر التوقيت» عن جهل او عمد فأطلق للسانه العنان في الحديث عن التفرقة الطائفية التي يمارسها النظام وعن الظلم اللاحق بمجموعات طائفية او جهوية بعينها.

وهناك من «خان التوقيت وسره» ورأى في ما حصل مناسبة ليتقدم الصفوف مدافعا عن دينه، وليرد على ما يعتبره حملة منظمة تشنها مجموعات دينية في الخارج ضد مصر والمسلمين.

وهناك من حول دمعة الألم على الضحايا إلى معركة تصريحات بين «خارج» يدعي حماية المسيحيين ويعتبر الداخل مميزا مفرقا، وبين «داخل» يعتبر الخارج متآمرا متدخلا مؤججا.

وحدهم المخططون للمجزرة يتابعون بفرح كل ما يجري، ويعتقدون ان هذه الآراء والتوجهات والسلوكيات تمهد لاستكمال التفجير طالما ان البوصلة ضائعة وردود الفعل طائشة.

لم يكن من فجر مسلما... كان مجرما. وما جرى ارهاب موجه ضد النظام العام للدولة والمجتمع في مصر. من هنا نبتدئ. لم تكن المجزرة ترجمة لسياسات الدولة بل ترجمة لمخطط يريد نسف الدولة بعدما نجحت (هذه الدولة تحديدا) في الانتصار على الارهاب في اكثر من موقعة. ولم تكن المجزرة نتيجة نتائج انتخابية معينة بل هي تصويت بالدم ضد الديموقراطية (على مثالبها والاخطاء التي تشوبها) وضد الحريات العامة. ولم تكن المجزرة نتيجة شعور فئة او فريق او طائفة بالغبن بل هي قنبلة عنقودية تريد لشظاياها ان تمهد ملعب الانقسامات وتواكب بالدم فحيح الفتن المستمر سرا وعلانية.

بعض الرؤية مطلوب. كان المواطن المصري العادي الذي شبك يده بيد شريكه في الوطن وسارا في تظاهرات عفوية لتأكيد الوحدة ونبذ الانقسام اكثر وعيا للاسف الشديد من سياسيين وكتاب ومثقفين لم يخرجهم حجم المجزرة من غرفهم الضيقة الى المدار الارحب. هذا المواطن كان «الأشطر» في فك شيفرة «التوقيت وسره»، وهو الاقدر بالتأكيد على تثبيت «الدخول الآمن» الى أم الدنيا... وإقفال الابواب والنوافذ امام الرياح السوداء والصفراء والحمراء.





alirooz@hotmail.com