ليس من المبالغة القول ان سعي مسؤول كبير في الدولة للحد من الحريات العامة يشجع مواطنا عاديا على تهديد نائب او كاتب او مواطن آخر، فالحريات لا تتجزأ والقمع يستولد القمع.
مناسبة الكلام اللائحة التنفيذية التي وقعها وزير الاعلام الشيخ صباح الخالد لقانون المرئي والمسموع وفيها اشتراط الرقابة المسبقة. توقيع ممهور بالانقلاب على المكتسبات الدستورية والديموقراطية التي رسمت حدودا للكويت غير الحدود التي ارادها البعض. توقيع فيه قصر نظر في حدوده الدنيا اذا حسنت النيات وفيه تورط واصرار على ضرب الحريات اذا... توضحت النيات.
لا نريد الخوض في التفاصيل التي رافقت اصدار اللائحة، ولا نريد التوقف عند التفسير الهزيل الضعيف الذي اعطاه الوزير مبررا وموضحا. نريد فقط ان نشير الى قضية في غاية الاهمية تتعلق بالكويت ومسارها.
لم يعد سرا ان الدول المحيطة بنا سبقتنا في مجالات التطور بعدما كنا متقدمين عنها باشواط ، وهذا السباق يحسب لها لانها لم تضع العراقيل الادارية والبيروقراطية امام عجلة التنمية بل كان القرار الذي يخدم البلد وساكنيه متحررا من كل القيود. ولم يعد سرا ان القوانين الاستثمارية الجاذبة والاقتصادية الفاعلة تغيرت وتكيفت مع متطلبات العصر فاقبلت الشركات من دون خوف واقبل المستثمرون متسلحين بكل الضمانات وانفتحت سوق العمل على فرص جديدة وموارد جديدة.
تخلف الكويت الاقتصادي (واسبابه معروفة واشبعت بحثا) صار ازمة لكن حلها غير مستحيل بفعل الحيوية السياسية التي يتمتع بها نظامنا وسقف الحريات والنهج الديموقراطي، وكلها عوامل ما زلنا والحمد لله متقدمين من خلالها على الآخرين بل ونستطيع بها ان نصل الى الصيغ الافضل لتنمية متجددة يتشارك في صنعها الجميع.
الآن، الاسئلة تطرح نفسها: هل يريد وزير الاعلام من خلال قراره المعاكس للحرية والديموقراطية ان يوازن بين مساري التخلف الاقتصادي والتخلف السياسي؟ هل يريد ان يساهم في ضرب الحريات العامة كي لا تصبح رافعة تمكننا من النهوض الاقتصادي مجددا؟ هل يريد ، وهو الشيخ المسؤول، ان يعطي نموذجا يقتدى به في القمع والتضييق لآخرين لن يتورعوا عن القمع والتضييق والتهديد ايضا بحجة ان الايقاع العام لمناخ الحريات يتهاوى؟ هل يريد ان يدير الحياة الاعلامية في الكويت كما ادار تلفزيون الكويت فاوقف البرامج الحوارية واعاد المشاهدين الى اعلام الدول التي يحكمها حزب واحد او جنرال واحد او ديكتاتور؟ واخيرا وليس آخرا، هل هي مصادفة ان الوزير اصدر لائحته المشؤومة بعد ايام من تقرير «فريدوم هاوس» الذي وضع الكويت على رأس قائمة الدول العربية في الحريات؟
عندما تفقد الحرية قدسيتها يمكننا توقع الكثير من السلبيات، وعندما ينتهك القانون من يفترض به ان يكون حارسا على القانون يمكننا تخيل حجم الفساد الذي يمكن ان ينتشر ويتعمم، وعندما يوقع مسؤول يفترض انه يمثل وجها مشرقا للديموقراطية على قرارات قامعة متخلفة يمكننا ان نفسر بعض حالات القمع الاجتماعي والتخلف الاقتصادي.
وهنا كلمة الى الشيخ صباح الخالد: لا تستطيع، لا انت ولا غيرك يا معالي الوزير، هدم جدار الديموقراطية الذي صار سورا للكويت. ربما تستطيع ان ترسم بعض «الشخابيط» على شكل توقيع يشوه مرحليا بياض الجدار لكنها سرعان ما تختفي... ويبقى السور.
وهنا نصيحة الى الشيخ صباح الخالد: اقرأ تاريخ الكويت جيدا، وتابع بدقة مواقف صاحب السمو الامير الحارس الاول للحريات العامة والمؤمن الاكبر بأن التنمية لا تطير الا بجناحين، الديموقراطية والعدالة، واعد النظـــــر في مــــا وقـــعــــت عــــليه... او استرح من حقيبة الاعلام ودعها لمن هو قادر على حملها.
جاسم بودي