د. سامي ناصر خليفة / حقيقة مرّة... وإن كرهنا سماعها!

1 يناير 1970 11:50 ص
يعيش مجلس الأمة تناقضاً صارخاً في هوية نوابه، وفي طريقة تعاملهم مع القضايا المطروحة على جدولة أعمال الجلسات التي نعيش أيامها الأخيرة في دور الانعقاد التشريعي الحالي. ففي الوقت الذي يخسر فيه المجلس عقد أربع جلسات مضت بسبب عدم توافر النصاب، وهو بحق يعد كارثة بحد ذاتها، نجد تكالب بعض النواب على طلب عقد جلسات خاصة لمواضيع عدّة يصعب قبول ترحيلها إلى أكتوبر المقبل، وهي مناقشة اقتراحات بقانون بشأن غرفة التجارة، والحقوق المدنية للمرأة، والبدون ورد مراسيم فوائد القروض، وصندوق المتعثرين.

ومع كم المؤشرات التي تعج بها جلسات مجلس الأمة يمكن رسم صورة واضحة لمسار أداء المجلس الحالي، فالحكومة أجادت فن المناورة بطريقة استطاعت من خلالها أن تُهمش ما لا تريد مناقشته وأن تفعّل ما يهمها من قوانين، وغير ذلك بصورة يمكن القول ان هذا المجلس كان مجلساً يُقاد من قبل الحكومة بالتوافق مع عدد كبير من النواب المؤيدين لها. أما أعضاء المجلس فمنهم لا حول ولا قوة له، و«لا يدري عن هوى داره» وكل همه هو الحضور والانصراف مع الانشغال ببعض الأمور الثانوية هنا وهنا، وأحسب أن جل تلك الفئة من النواب قد سلّمت تماماً للطريقة الجديدة في الأداء النيابي الذي انقسم إلى الجديد أغلبية يمينية مؤيدة للحكومة، وحفنة تأزيميين يتحركون ضمن أجندات مشبوهة.

ومن النواب من انشغل تماماً في مكتسبات شخصية على الصعيد الانتخابي تحديداً، ومن خلال تركيزهم على بعض القضايا «الشعبوية» التي لا تحظى بأغلبية نيابية ولا بقبول الحكومة، فتجد تلك الفئة من النواب يضيّعون وقت المجلس فقط لإرضاء شريحة من الناخبين، مع تيقّنهم أنه لا جدوى من مطالباتهم، بل باتت طرقهم تستخدم كوسيلة تصعيد تستفيد منها قوى نفوذ إعلامية وطبقية لتمرير أجندات خاصة هنا وهناك خارج المجلس بالطبع.

وأكثر من ذلك، حين يتفنن هذا البعض بإغراق البلاد في الفتن الطائفية والقبلية عبر تأجيجهم لتوافه الأمور واعتبارها من قضايا مفصلية ومن كبائر الذنوب التي لا يمكن السكوت عنها، في وقت تعاني الكثير من فئات المجتمع صعوبات معيشية كبيرة وعراقيل جمّة كعدم توفير رعاية صحية، ومناخ تعليمي سليم، وسكن مناسب وسريع، واستقرار في هوية مدنية أو حقوق قانونية كما هي حال المرأة و«البدون» وغير ذلك من الأمور.

لذلك جاء بعض التراشقات النيابية التي لا طعم ولا رائحة ولا لون لها، إلا اللهم للبهرجة التي باتت تشكل الملمح الأهم لشخصية هؤلاء اليوم والذي بحق يمكن تسميتهم بنواب التأزيم والبهرجة الإعلامية. وهو ديدن الضعفاء الذين يتناقض قولهم مع فعلهم وشعاراتهم في ندواتهم الشعبوية مع أدائهم تحت قبة عبدالله السالم، لذلك نجد من الطبيعي أن يفقد المجلس النصاب في أربع جلسات متتالية. وتلك هي الخسارة الكبرى حين يكون تسويف وتعطيل وقت المجلس ممن يدعي زوراً وبهتاناً أنه من المعارضة الإصلاحية.

لذا نقول لمن يسعى الى تمرير بعض اقتراحات القوانين في الوقت الضائع هذا الأسبوع مع حسن الظن ببعضهم، لقد قدّر الله تعالى أن تُبتلى الكويت بفئة من التأزيميين من الذين لا يفقهون أبجديات العمل السياسي وتتعذرهم الديموقراطية والعمل الدستوري، فئة تريد من الكويت وديموقراطيتها أن تعيش داخل ثوبهم الرجعي الضيق، وهيهات من الكويت أن تكون منارة خير وبركة وأن يزدهر مستقبلها وأن تتحول إلى مركز مالي وتجاري في المنطقة بوجود تلك الحفنة. إنها الحقيقة المرّة وإن كرهنا سماعها.





د. سامي ناصر خليفة

أكاديمي كويتي

qalam_2009@yahoo.com