علي الرز / القاعدة الذهبية

1 يناير 1970 09:35 م
| علي الرز |

لم تعد اخبار مقتل زعيم لـ «القاعدة» هنا او هناك تثير الصخب الذي كانت تثيره قبل اعوام، ولم يعد لعبارات التهديد والوعيد بالانتقام ذاك الوهج المهيب الرهيب الذي يقض المضاجع خوفا من مفاجأة مفخخة، ولم يعد للعمليات الانتقامية نفسها اي تعاطف سوى لدى المنحرفين والمرضى والخائبين والمجرمين كونها ضلت «الطريق».

بعض عمليات القاعدة صار اشبه بمن نظر الى سردابه فوجد كمية من الذخيرة وأراد ان يفرغها قبل الانتقال الى مرحلة جديدة. انتحاريون ادمغتهم مغسولة جاهزون للتحرك بعدما قطعوا كل خطوط العودة مع الارض والواقع والحياة. متفجرات بدائية ومتطورة مخزنة في ظروف صعبة ومعقدة. «امراء» فقدوا بوصلة الاتصال بـ «امرائهم» فاجتهدوا في التعبئة والشحن والكراهية والعداء حسب وجهة «العرس المقبل». اهداف متحركة تتنقل بين عدو اميركي وعدو محلي وعدو عقائدي وعدو مذهبي وعدو طائفي... احيانا حسب المتاح واحيانا حسب الظروف واحيانا حسب «التوفيق» واحيانا بحكم الخطأ، ودائما دائما لهدف واحد: زعزعة الامن والاستقرار، وتخصيب الفتن، وانهاك مشاريع الآخرين كي يحصد بعضهم في السياسة استقرارا من عدم الاستقرار، ويحصد بعضهم في الانحراف الديني شرعية من جنون الآخرين.

كيف يكون عدو الله اجنبيا يعمل في المنطقة او سائحا يتمتع بإجازة؟ كيف يكون مسلما سنيا من جماعة الصحوة او من القبائل او بشتونيا او شرطيا باكستانيا او رجل أمن في العراق والسعودية ومصر والمغرب والجزائر؟ كيف يكون مسلما شيعيا يزور المراقد او يصلي في مسجد او يتهدج في حسينية او ينتمي الى حزب ما او تيار ما يعكس فكره وتوجهاته؟ كيف يكون طفلا ذاهبا الى مدرسة او أما تتسوق او رجلا امام دكانه؟ اليس هؤلاء هم النسبة المطلقة من «الاعداء» الذين تستهدفهم العمليات «الجهادية»؟ أليسوا ضحايا «الذخيرة الباقية» في سراديب «الامراء»؟ والسؤال الاهم: ألم يدرك بعد «المنتحر» الذي يفجر نفسه بالاطفال والنساء انه مجرد طلقة في بنادق الآخرين؟

ارتكب العرب والمسلمون خطأ بإيكالهم امر مكافحة الارهاب الى الآخرين بعدما ارتكبوا الخطيئة الاكبر عندما ساعدوا او تغاضوا عن ظاهرة التطرف خدمة لآخرين ايضا. والنتيجة كانت انه في مقابل كل عملية ضد الاميركيين او القوات الغربية يتعرض العرب والمسلمون الى عشرات العمليات ضد ابنائهم من قبل الارهابيين انفسهم. فالمنتحر جاهز... وذخائر السراديب والفتوى والوعد كذلك.

اذا اعتبرنا مواجهة ظواهر التطرف واجبا عربيا واسلاميا، واذا اعتبرنا محاربة الارهاب واجبا عربيا واسلاميا، واذا ساعدت الحكومات الهيئات الاجتماعية والسياسية والدينية المتنورة على نشر قيم المجتمع المدني... نكون في الطريق الصحيح لحماية المستقبل وفي الطريق الصحيح لمواجهة التحديات الحقيقية الاساسية من احتلال واعتداءات الى تنمية وحريات.

تخصيب التطرف السياسي والعسكري مصدره غياب العدالة الدولية وانحياز القوى الاكبر في العالم لاسرائيل وما تمثله من قيم ارهابية، لكننا يجب ان نعترف بأن تخصيب التطرف العقائدي والمذهبي بدأ من عندنا. من سراديبنا. من بعض مساجدنا. من بعض مشايخنا... ثم التقت المصالح وتبلورت صيغ «المشاركة» في المختبرات النهائية للحرب الباردة. القاعدة الذهبية للقضاء على الارهاب في شوارعنا تكمن في ان يعتبر العرب والمسلمون محاربة «القاعدة» مسؤوليتهم الاولى لا مسؤولية الولايات المتحدة. ان يهاجموا خلايا الكراهية العابرة للعقول ويزيلوا خطوط التماس بين العقائد والمعتقدات ويقطعوا الطريق على قاطعي طريق الدين السمح والايمان الحقيقي... وعندها ستنفجر العبوات البشرية في سراديبها وبين «أمرائها».





alirooz@hotmail.com