تفكيك الأدمغة والعقليات قبل تفكيك الإعلام
1 يناير 1970
04:48 ص
جميل جدا ان نسمع ان الحكومة تنوي تفكيك وزارة الإعلام انما سيئ جدا ان نعلم ان هدفها من هذه الخطوة الكبيرة محصور فقط في تفادي الاستجوابات او بتعبير آخر «عوار الراس»... وعليه لابد من تفكيك بعض الادمغة وطرق التفكير ومسالك اتخاذ القرار قبل ان نقدم على اي خطوة ظاهرها إصلاحي وباطنها سطحي مصلحي.
خلاصة كان لا بد ان تكون في نهاية المقال لا في بدايته، لكننا اضطررنا الى البدء بها كون القرارات الحكومية التي يفترض انها «كبيرة» لم تعد تحتاج الى تحليل ولا الى الحد الادنى من العناء للتفكير فيها. فتفكيك وزارة الاعلام امر اتبع في دول كثيرة وتحديدا المتقدمة منها، لكنه اتى كقفزة نوعية مواكبة لتطور الحريات العامة والديموقراطية لا هروبا من مشكلة بين سلطتين تنفيذية وتشريعية... لكن ما علينا سوى الابتسام لاننا في الكويت.
تفكيك الاعلام قرار توصل اليه الوزير السابق الدكتور انس الرشيد بعد سلسلة مشاورات اجراها مع ذوي الشأن والمختصين. وهذا الرجل يكفيه فخرا انه ربط ممارسته للعمل الوزاري اليومي برؤية واضحة واستراتيجية اوضح مهما حاول آخرون سرقة جهوده ونسبها اليهم. انسجم مع نفسه وكان فعلا اكبر من المنصب لذلك لم يدخل في مساومات وصفقات كما فعل غيره.
الفكرة التي ارادها الرشيد، واردناها معه، تقوم على تفعيل الاعلام الكويتي بجعله متحركا نشيطا يواكب كل النشاطات بشفافية تامة، الامر الذي يراكم ثقافة لم تكن موجودة من قبل. ثقافة تفرض على المعنيين رقابة ذاتية متنورة مسؤولة وتخفف في الوقت نفسه ايقاع الاخبار الرسمية التي انطفأ وهجها في كل مكان. هنا، كل جهة مسؤولة عن اخبارها وعن تفعيل ادارتها الاعلامية وفق الذوق العام وتقبل الناس لها، والمنافسة بين الادارات الاخرى هي التي ستفرض التطور وتحسين الاداء. لن يعود الاعلامي مجرد موظف اوصى بتعيينه نائب او وزير او صديق، بل سيضطر الى ان يكون اعلاميا متفاعلا مع القضايا ومراقبا من مسؤوليه ومطبقة عليه اجراءات الثواب والعقاب. وهنا ايضا لن يعود تغيير المشاهد للقناة مجرد كبسة زر على الريموت كونترول بل موضوع اجتماع لدراسة تخلي الناس عن القناة والتفكير في وسائل استقطابهم مجددا.
باختصار، لم يعد الاعلام الرسمي مجديا لأي جهة بل مصدر تنفيع وظيفي ونيابي ووزاري. تنفيع افقي وعمودي وفي مختلف مجالات المال والصفقات والسياسة والنفوذ. وحتى يعود مجديا لا بد من تفكيكه وتفعيله وربط العملية برمتها بالاهداف الاستراتيجية والتنافسية.
سياسة الكويت الخارجية خصوصا في هذا المنعطف الاقليمي. العلاقة مع دول الجوار والمحيطين العربي والدولي. التعامل مع الحرائق المشتعلة حولنا او التي ستشتعل. مواضيع الوحدة الوطنية والامن والاستقرار. تطوير النظام السياسي وتعميق الحريات العامة والديموقراطية. مواجهة موجات الارهاب والتخلف. سياسة الكويت الداخلية وفي مختلف القطاعات. العلاقة مع مليوني وافد بمختلف شرائحهم. التعاطي مع التقارير الدولية المتعلقة بحقوق الانسان. تطوير قوانين العمل. مواجهة تحديات التنمية. حل مشكلة التوظيف وتكريس النزعات الاستهلاكية. تطوير خدمات الصحة والتربية والتعليم والمواصلات والبريد والطرق وغيرها وغيرها... كلها عناوين يجب ان تكون في صلب الاستراتيجية الاعلامية وهي الاسس التي يفترض ان ترتكز عليها عملية التفكيك.
هذه الامور تقتضي قيام ورشات عمل متلاحقة بمشاركة المسؤولين والمعنيين والمختصين، وتحتاج الى جهود استثنائية لبلورة فكرة التفكيك واطلاقها على اسس صحيحة تخدم الاعلام الكويتي من جهة والقضايا الكويتية من جهة اخرى، اما ما دون ذلك فهرطقة حكومية جديدة ستفرع المشكلة الى اربع او خمس مشاكل... ولن تفكك اي «صاعق» في طريق العلاقة بين السلطتين.
جاسم بودي