هناك دوماً صدى... وهناك دائماً مصطفى

5 أبريل 2025 10:00 م

في مساء عربي يختلط فيه تعب اليوم بابتسامة الليل، لم يكن الناس يبحثون فقط عن ملخص لمباراة أو نتيجة هدف، بل عن رفيق يشبههم، يروي الحكاية كما لو كانت تُروى في مجلس العائلة. هكذا دخل برنامج «صدى الملاعب» بيوتنا، لا كمجرد برنامج رياضي، بل كنافذة إنسانية يومية تُطل على نبض الملاعب، وتحمل في صوتها شيئاً من صدى القلوب.

تسعة عشر عاماً مرّت على ولادة هذا البرنامج، تسعة عشر عاماً من المواكبة، من الحضور، من النبض الذي لا يخفت، في عالم الإعلام المتقلّب، حيث تتغيّر الوجوه والبرامج وتتغير الأذواق، بقي «صدى الملاعب» ثابتاً، متجدداً، كأنه يستمد عمره من شغف الناس، ومن دفء ذاك الصوت الذي عرفوه منذ البداية... مصطفى الآغا.

الإعلامي الذي لم يكن مجرد مذيع، بل راوياً، وفيلسوفاً رياضياً، وإنساناً قبل كل شيء، صوته الهادئ، طريقته في إدارة الحوار، ابتسامته التي تتسلل إلى قلوب المشاهدين، وتعليقاته التي تحمل في طيّاتها كثيراً من الحكمة، والدفء، والصدق. لم يكن «بوكرم» يوماً أسيراً للصرخات الإعلامية أو ضجيج الاستوديوهات، كان الصدى الذي يصل متأنياً، لكن عميقاً، كما لو أنه مرّ أولاً على القلب، ثم خرج إلى الهواء.

هو الدليل على أن الإعلام لا يُقاس بعدد المتابعين فقط، بل بمدى ما يتركه من أثر، استطاع أن يكون إعلامياً لا يُنسى، لأنه لم يتقمص دور المذيع، بل كان نفسه، صادقاً، بسيطاً، لم يركض خلف الكاميرا، بل جعل الكاميرا تركض خلف معنى، وفي زمن تكثر فيه الأصوات وتقلّ المعاني، يبقى «صدى الملاعب» واحة صدق نادرة نستقي منه المعلومة المؤكدة.

«صدى الملاعب» كان سجلاً يومياً للتاريخ الرياضي، يرصد اللحظة، ويؤرّخ للفرح، للحزن، للخسارات التي كانت أحياناً أقسى من أن تروى، وللانتصارات التي كانت تُبكي من شدّة الفرح، البرنامج شهد تحولات الرياضة العربية، واكب أجيالاً من النجوم، رافق المحبين في انتظاراتهم، وصار جزءاً من الطقوس اليومية للكثيرين.

في الحياة لا شيء يدوم، لكن بعض الأشياء تترك فينا أثراً لا يُمحى، تماماً كما فعل هذا البرنامج الذي توقف، لكن صداه لا يتوقف، وسيظل يتردد في الذاكرة، وفي زوايا المساء الذي اعتدنا أن نشاركه فيه.

نهاية المطاف: الذكرى الجميلة ومضةُ خلود، تستقر في الذاكرة كأنها ترفض أن تُصبح ماضياً.