بجرأة عالية وبلا «خوف»، قطف الكاتب السعودي أسامة المسلم، محبة القرّاء من «بساتين عربستان»، وهو الذي سار على ضوء الجريمة والغموض والفانتازيا في إصداراته من الروايات والمجاميع القصصية، التي شغلت الوسط الأدبي في الدول العربية كافة.
المسلم، والذي ظلّ يرفع شعاره الدائم «أنا أشهر كاتب غير معروف»، كشف في حوار مع «الراي» عن أسباب إلغاء بعض المعارض التي شهدت توقيع إصداراته، مشيراً إلى أن ما حدث معه في الجزائر استدعى تدخّل الجيش، بعدما خرج الأمر عن سيطرة رجال الأمن في احتواء الحشود التي جاءت لأجله.
كما تطرق إلى الكتابة في زمن الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن ترجمة أعماله، إلى جانب تحويلها إلى مسلسلات وأفلام، وغيرها الكثير من النقاط التي أضاء عليها في هذا الحوار.
• في البداية، نودّ أن نتعرف على أسباب إلغاء بعض الاحتفاليات في المعارض التي شاركت بها لتوقيع إصداراتك الأدبية، ونقصد ما حدث معك في الرباط والجزائر، وغيرهما من العواصم العربية؟
- كما تعلمون أن تنظيم المعارض وإدارة الحشود ليس بالأمر السهل. وما حصل في الرباط والجزائر والقاهرة والأردن والكويت أيضاً من تزاحم شديد خلال المعارض التي شهدت توقيع إصداراتي كان أمراً يستدعي التوقف والإلغاء من أجل سلامة الحاضرين، ولدرء حدوث الإغماءات والإصابات. هذه الأمور عادة ما تحدث معي، خصوصاً في المعارض التي أشارك بها للمرة الأولى، مثل معرض الجزائر للكتاب عندما اضطر القائمون على المعرض لاستدعاء الجيش بعدما خرج الأمر عن السيطرة.
• إلى هذا الحد كان الإقبال كبيراً على توقيع إصداراتك؟
- بالطبع، فالبعض من منظمي المعارض لا يتوقعون حدوث مثل هذا الأمر، لأن الكثير من الكتّاب لا يحشدون هذه الأعداد الكبيرة، ولكنني ولله الحمد أحظى بكل هذه المحبة من الحشود، وفي الوقت ذاته أحرص على سلامتهم بالدرجة الأولى، كي لا يحدث مثلما حدث في إحدى العواصم العربية عندما تعرض البعض لحالات من الإغماء والكسور والدهس بالأرجل بسبب التدافع والتزاحم، لا سيما عندما يكون عدد الحشود قرابة الـ 10 آلاف شخص.
• لماذا تنحاز دوماً في رواياتك ومؤلفاتك إلى القصص البوليسية التي يكتنفها الغموض والرعب والفانتازيا، وهي لا تستهدف إلا جمهور الشباب فقط؟
- لأنني بالأساس أحب هذا اللون، وأتذكّر أن أول كتاب قرأته في الصغر كان «ألف ليلة وليلة». كما أن دراستي للأدب الإنكليزي دفعتني إلى هذا المسار الذي أحببته، وسرتُ على ضوئه لأكتب القصص بطريقة منظمة، بعد تلك الخربشات والمذكرات التي كنت أكتبها في الصغر، إذ لم يكن لديّ في ذلك الوقت خطة بأن أصبح كاتباً. وبالتالي أعتقد أن فئة الجريمة والفانتازيا هما الصنف المتسيّد في الأدب العالمي.
• ولكنه مسار نادر في دول الخليج، وقد لا يجتاز عدد صُنّاعه أصابع اليد الواحدة؟
- هو نادر ككتابة، ولكنه يحظى بشريحة كبيرة من القرّاء، ممن تعودوا قراءة هذا الصنف في الكتب المترجمة إلى العربية. ولعلّ الخطأ الذي وقع به الوسط الأدبي العربي، أنه استهان بالفانتازيا والجريمة والغموض كموادٍ أدبية لها قيمتها وشغفها لدى القراء.
• هل لا يزال الشباب لديه ذلك الشغف القديم بالقراءة؟
- القرّاء موجودون ومن كل الشرائح والأعمار، ولكن الوسط الأدبي العربي ظلّ مُركزاً على قوالب معينة لم يتركها منذ السبعينات من القرن الماضي، ولم يعطِ الشباب الشيء الذي يريده ويهوى قراءته. وللعلم، الفانتازيا صنف صعب جداً، ويحتاج إلى صفحات كثيرة وبناء عوالم وأجزاء متعددة، فالكتابة في هذا المجال مرهقة، وأنا خضت التجربة ووضعت لها مقياساً عالياً جداً بالنسبة إليّ، فَصَدق حدسي أن هناك عطشاً شديداً لهذا الصنف من الكتابة، بدليل أن الإقبال كان شديداً منذ أول سنة نشرت فيها إصداراتي، حتى أصبح عدد الجمهور يتزايد في كل عام.
• بما أنه تُرجمت لك بعض الروايات إلى لغات أجنبية متعددة، منها الإنكليزية والصينية... لعلّ هذا ما يدفعنا إلى سؤالك عمّا إذا كانت الرواية تفقد إحساس وروح الكاتب الأصلي عند ترجمتها؟
- لن تكون الرواية المترجمة طبق الأصل مع الصياغة الأولى لكاتبها الأصلي - فمع فارق التشبيه - عند ترجمة القرآن الكريم إلى لغات أخرى فإن المترجم يركّز على المعنى أكثر من الجمالية اللغوية. وكما قلت سابقاً إن دراستي للأدب الإنكليزي أفادتني بأن أشرف على رواياتي بعد ترجمتها إلى الإنكليزية، عدا روايتي «بساتين عربستان» التي تُرجمت إلى الصينية بواسطة فريق عمل كبير من وزارتي الثقافة السعودية والصينية، ولاقت نجاحاً كبيراً في الصين، حيث صدر منها 50 ألف نسخة.
• وماذا عن الترجمة إلى اللغات الأخرى؟
- نعمل حالياً على ترجمة بعض الكتب والروايات إلى الإيطالية واللاتينية والفرنسية، وغيرها من اللغات. والهدف من وراء ذلك ليس لكسب المزيد من الشهرة، وإنما لنقل ثقافتنا إلى تلك الدول، وهذا واجب على كل أديب لتثبيت إنتاجاته الأدبية بكل اللغات، خصوصاً وقد ظللنا نستورد الكثير من الثقافات حول العالم على مر العصور.
• في زمن الذكاء الاصطناعي الجميع أصبح كاتباً، فهل هذا يؤثر عليك ككاتب؟
- بل إنني من المرحبين بالذكاء الاصطناعي. ولكن لا أعتقد أنه قادر على إجادة الروح البشرية، فهو وإن كان ينظم النصوص وينشئها من شيء موجود سلفاً، وإن تمكن من محاكاة الإبداع الإنساني، فإنه لا يقدر على مجاراة العقل البشري في خلق شيء جديد من العدم.
• من باب التجربة أو الفضول، هل فكرت بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي في مؤلفاتك؟
- لم أجربه في التأليف، وإنما في تصميم الأغلفة لآخر المجموعات القصصية، بالإضافة إلى كتابة السيناريو، ولكنه لم يتقنها مئة في المئة، بل وجدته متأخراً، وميكانيكياً إلى حد ما.
• تحويل أعمالك الأدبية إلى تلفزيونية أو سينمائية، هل هو أمر وارد؟
- بدأت العمل على هذا الأمر منذ سنواتٍ قليلة، فكل حقوق إصداراتي أخذتها «mbc»، تمهيداً لتحويلها إلى مسلسلات وأفلام، وإن شاء الله بعد عيد الفطر سينطلق تصوير مسلسل «جحيم العابرين»، وهناك مسلسل «خوف» لا يزال قيد الكتابة، أما مسلسل «بساتين عربستان» فانتهينا من تصويره بالكامل، ولكن ارتأينا تحويله إلى فيلم سينمائي نظراً لتصويره برؤية سينمائية مُبهرة.