حرب إسرائيل على «الجبهات السبع»: ادعاء نتنياهو... مقابل الواقع

17 مارس 2025 06:00 م

بكلامه عن أن إسرائيل «تخوض حرباً متعددة الجبهة»، يوحي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن المواجهة تتجاوز حدودَ «حماس» في غزة والضفة الغربية، ليُصوِّر الصراعَ على أنه حرب ضد «محور الإرهاب» الذي تقوده طهران، من لبنان وسورية والعراق واليمن وإيران نفسها، وهو الادعاء الذي يَخدم أغراضاً إستراتيجية وسياسية محلية.

وعلى الرغم من إصرار نتنياهو على «حربٍ على الجبهات السبع»، إلا أن هذه الجبهات لا تشهد صراعاً عسكرياً مباشرا. ويبدو أن تصوير رئيس الوزراء الاسرائيلي للصراع على أنه حرب إقليمية واسعة النطاق هو استراتيجية سياسية أكثر منه تقييماً عسكرياً دقيقاً. فهو يهدف إلى حشد الدعم المحلي، وتبرير العمليات العسكرية الموسعة، والحفاظ على الدعم الدولي.

ويعمل نتنياهو بنشاط على تجنّب التحقيق والمساءلة، وتأجيل الانتخابات، والحفاظ على تماسك ائتلافه اليميني المتطرف. ولا يقتصر هدفُه على ضمان استمرار المساعدات العسكرية والدعم السياسي الدولي والأميركي فحسب، بل يرمي أيضاً إلى الحفاظ على حالة نفسية من الخوف والوحدة الوطنية، ما يُبقي الإسرائيليين مُستعدين للحرب. وتَضمن سيطرتُه على البيئة الإعلامية الإسرائيلية أن يَسمع جزء كبير من الجمهور الإسرائيلي روايته للأحداث فقط.

ويعتقد الكثير من الإسرائيليين، أن «حزب الله» وإيران والحوثيين في اليمن كانوا ولايزالون يُخططون لحربٍ شاملة ضد إسرائيل، رغم عدم وجود نشاط عسكري مباشر من هذه الجبهات.

ومن خلال الترويج لروايةِ الحرب على سبع جبهات، يُسْكِت نتنياهو فعلياً المعارضين السياسيين الذين يُنادون بالدبلوماسية أو وقف النار. ذلك أن إعلان الحرب على جبهات عدة يُعَزِّزُ الشعور الوطني، ويُعزز الوحدة، ويَضمن استمرار نتنياهو في السلطة، هو الذي اتُّهِم بتخريب محادثات وقف النار في غزة لتحقيق مكاسب سياسية، ما حال دون عودة الأمور إلى طبيعتها.

وبتصويره الوضع على أنه حرب على سبع جبهات، يُشير نتنياهو إلى واشنطن بأن إسرائيل بحاجة إلى المزيد من المساعدات والأسلحة للدفاع عن نفسها ضد هجوم إقليمي ضخم مزعوم. وتكبّر هذه الرواية التهديد الإيراني، وهو مصدر قلق بالغ للمحافظين الأميركيين، ما يضمن استمرار الدعم السياسي والعسكري الأميركي. ومن خلال المبالغة في نطاق الحرب، تظلّ إسرائيل حليفاً له أولوية قصوى بالنسبة الى الولايات المتحدة، على الرغم من الانتقادات المتزايدة لحملتها على غزة.

في أعقاب هجوم 7 أكتوبر والحرب التي تلتْه على غزة، انخفضت معدلات تأييد نتنياهو بشكل حاد، حتى أن أعضاء سابقين في مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي، مثل بيني غانتس، حمّلوه مسؤولية الإخفاقات الاستخباراتية. ومن خلال التركيز على حرب متعددة الجبهة، يُحوّل رئيس الوزراء الانتباه إستراتيجياً، ويُبْعد نفسه عن فشل حكومته في توقُّع الهجوم، معاوداً توجيه السرد نحو مَزاعمه الكاذبة المتكرّرة بوجودِ تهديدٍ وجودي مستمرّ. وهذا يُمكِّنه من التأكيد أن إسرائيل لا تُحارب «حماس» فحسب، بل يحاصرها تَحالُف مُنسَّق مدعوم من إيران، مُبرِّراً استمرار حال الطوارئ والتهرب من المُساءلة.

ويرتبط بقاء نتنياهو السياسي ارتباطاً مباشراً بإطالة أمد الحرب؛ فطالما بقيت إسرائيل في حال طوارئ، من غير المُرجّح إجراء انتخابات. وفي حين أن الانتخابات الإسرائيلية مُقررة رسمياً في 27 أكتوبر 2026، يُمكن تأجيلها إلى أجل غير مُسمّى في ظل ظروف الحرب. ومع ذلك، فإن مواعيد الانتخابات في إسرائيل قد تتغيّر إذا فقدت الحكومة غالبيتها البرلمانية أو واجهت تصويتاً بحجب الثقة.

والأهمّ من ذلك، لا يُشترط في ما قاله نتنياهو أن تكون جميع الجبهات السبع نشطة، بل يحتاج فقط إلى تَصوّر وجودِ حرب وجودية مُستمرة لتبرير استمرار قبضته على السلطة. ولاتزال حكومته تضم ائتلافاً غير مستقرّ، يَعتمد بشكل كبير على أحزاب اليمين المتطرف القومية والدينية بقيادة شخصيات مثل وزير الأمن السابق إيتمار بن غفير ووزير المال بتسلئيل سموتريتش.

وتُعارض هذه القوى أي وقف للنار، وتدعو إلى تدمير غزة، وتدعم الضمّ الكامل للضفة الغربية، وتطالب بالهيمنة العسكرية المطلقة على المنطقة. وإذا رضخ نتنياهو للضغوط الدولية - خصوصاً من الإدارة الأميركية الجديدة - لقبول وقف النار، فقد ينهار ائتلافه، ما يؤدي إلى انتخابات مبكرة، والتي تشير استطلاعات الرأي الحالية إلى أن من المرجح أن يخسرها.

وبزعمه أن «إيران ووكلاءها» يهاجمون إسرائيل من جهات عدة، يُبقي نتنياهو الشعب الإسرائيلي في حال تأهب قصوى دائمة، ويمنع إرهاق الرأي العام. وهذا يُبرر أيضاً التجنيد العسكري المُطوّل، والتضحيات الاقتصادية، وإجراءات الحرب المُكثّفة. إذ تُقدّر الخسائر المالية للحرب منذ 7 أكتوبر 2023 بنحو 66 مليار دولار، وفق بنك إسرائيل. ويُمثِّل هذا الرقم نحو 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وقد فرض ضغطًا هائلًا على مالية إسرائيل ما أدى إلى زيادة الإنفاق الدفاعي وتعويض المواطنين المتضررين.

الغرض الإستراتيجي لرواية نتنياهو

إن ادعاء نتنياهو «حرب الجبهات السبع» متجذّر جزئياً في الواقع - فقد واجهت إسرائيل هجمات عبر جبهات عدة - ولكنه أيضاً رواية سياسية متعمّدة.

وهذا التأطير يبالغ في تَماسُك وشدة هذه الجبهات في أي وقت. ورغم ترابط الصراعات، إلا أنها تتفاوت في نطاقها. على سبيل المثال، لا تُقارن الحرب البرية الشاملة في غزة باعتراضِ بضع طائرات مسيَّرة من العراق أو إطلاق صواريخ منخفضة التأثير من اليمن.

وبجمْع كل هذه الصراعات معاً، يصوّر نتنياهو أن ثمة تهديداً وجودياً هائلاً يُبَرِّر العمليات العسكرية المطولة ويَحشد الدعم الخارجي.

إن خطاب نتنياهو حول جبهات الحرب السبع هو محض دعاية. ووصفها جميعاً بـ «جبهات حرب نشطة» هو مبالغة تتجاهل تدرّجات الصراع ودور إسرائيل نفسها في بدء الأعمال العدائية، على سبيل المثال، لجهة ضرب سورية أو شن غارات في الضفة الغربية.

ويعمل هذا السرد كأداة استراتيجية، حيث يصوّر إسرائيل كدولة محاصَرة - محاطة من جميع الجهات: غزة غرباً، ولبنان وسوريا شمالاً، وتهديدات داخلية في الضفة الغربية، وإيران والعراق شرقاً، واليمن جنوباً عبر البحر الأحمر.

وبينما كان هذا النهج فعّالاً في الماضي، إلا أنه يواجه الآن شكوكاً متزايدة، حيث يبدو أن نتنياهو يختلق التصعيد لتبرير مواجهة مباشرة محتمَلة مع إيران، وهو أمر حرص المجتمع الدولي على تَجَنُّبه.