تشهد العاصمة السودانية الخرطوم تصاعداً مثيراً للقلق في حالات اختفاء الفتيات القاصرات، خصوصاً في مناطق جنوب الحزام، حيث سُجلت أكثر من 11 حالة خلال الأشهر الأخيرة، كان آخرها اختفاء منال عبدالله (17 عاماً) في 28 فبراير الماضي.
فقد أثارت هذه الظاهرة تساؤلات عديدة حول أسبابها وخلفياتها.
«كابوس مستمر»
وأوضحت «غرفة طوارئ جنوب الحزام»، أن معظم الفتيات المفقودات تتراوح أعمارهن بين 16 و18 عاماً، وينتمين إلى أحياء جنوب العاصمة، مثل اليرموك، الأزهري، والمنصورة.
كما أشارت مصادر «الغرفة» إلى أن بعض الأسر أبلغت عن اختفاء بناتها في ظروف غامضة، من دون تلقي أي مطالب فدية أو رسائل تلمّح إلى أماكن وجودهن.
وأصدرت الغرفة بياناً رسمياً دقّت فيه ناقوس الخطر، مطالبة الأسر بتوخي الحذر.
وفي تصريح خاص لـ«العربية.نت»، قال أحد أقارب الفتيات المختفيات: «ابنة عمّي خرجت لقضاء حاجة قصيرة ولم تعد... بحثنا عنها في كل مكان، لكن بلا جدوى».
وشدد على أن العائلة تعيش كابوساً مستمراً.
لا إجابات قاطعة
وحتى الآن، لم تتمكن أي جهة رسمية أو غير رسمية من تقديم تفسير واضح لهذه الحوادث المتكررة، ما فتح الباب أمام فرضيات عدة.
وفي حديث لـ«العربية.نت»، أكدت مصادر مطلعة أن الاضطرابات الأمنية التي تعيشها البلاد منذ اندلاع الحرب أسهمت بشكل مباشر في تزايد حالات الاختفاء القسري، محذّرة من أن استمرار هذه الظاهرة من دون تدخل عاجل قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة على المجتمع هناك، خصوصاً مع تصاعد المخاوف من استخدام الفتيات المختفيات في عمليات اتجار بالبشر، أو استغلالهن في أنشطة غير مشروعة.
دعوات للتحقيق العاجل
وطالبت غرفة طوارئ جنوب الحزام الجهات القانونية والإنسانية بفتح تحقيق فوري لكشف ملابسات تلك الحوادث، لضمان سلامة الفتيات والكشف عن مصيرهن.
وأكدت أن القوانين الدولية، بما في ذلك اتفاقيات جنيف وقرار مجلس الأمن 1325، تلزم الجميع بحماية النساء والفتيات في أوقات النزاعات المسلحة.
«وصمة العار»
من جانبها، أكدت المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري أن حالات اختفاء الفتيات شهدت ارتفاعاً غير مسبوق خلال فترة الحرب.
ففي حين لم تسجل أي حالات مماثلة بعد فض اعتصام القيادة العامة في يونيو 2019، ولم تتجاوز حالة واحدة بعد 25 أكتوبر 2021، فإن العام الأول من الحرب شهد اختفاء 149 فتاة من بين 1140 حالة اختفاء قسري وثّقتها المجموعة.
وكشف عثمان البصري، عضو المجموعة، لـ «العربية.نت»، أن هذه الأرقام لا تعكس الصورة الكاملة لحجم الظاهرة، إذ إن العدد الحقيقي قد يكون أكبر بكثير، نظراً إلى أن العديد من الأسر تتردد في الإبلاغ عن اختفاء بناتها، إما بسبب العوائق الأمنية واللوجستية، وإما نتيجة مخاوف اجتماعية تتعلق بوصمة العار المرتبطة بغياب الفتيات في ظروف غامضة.
وأضاف أن ظاهرة الاختفاء القسري لم تعد تقتصر على حالات الاحتجاز السياسي أو الإخفاء القسري لأسباب أمنية، بل باتت تشمل أنماطاً أكثر خطورة، من بينها الاتجار بالفتيات واستعبادهن للعمل القسري، أو تجارة الجنس، فضلاً عن إجبار بعضهن على الزواج القسري.
وقال: «هناك تقارير متعددة تفيد بأن بعض الفتيات يتم اختطافهن بغرض الحصول على فدية، أو استغلالهن في أنشطة إجرامية، أو حتى تعرضهن للعنف الجنسي».
وأعرب عن أسفه لأن «الحرب خلقت بيئة خصبة لانتشار هذه الممارسات، في ظل غياب الرقابة الأمنية والقانونية»، وفق تعبيره.
إلى ذلك، شدد على أن الجهات المعنية، سواء الحكومية أو الدولية، مطالبة بالتحرك الفوري لمعالجة هذه الأزمة، داعياً اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري إلى إرسال بعثة تحقيق إلى السودان للوقوف على الانتهاكات المستمرة بحق الفتيات المختفيات.
وأكد أن دور الأمم المتحدة، ومجلس حقوق الإنسان، والمفوض السامي لحقوق الإنسان بات أكثر أهمية من أي وقت مضى، ليس فقط للضغط على الأطراف المتنازعة للالتزام بالمواثيق الدولية، بل أيضا لضمان إجراء تحقيقات شفافة تكشف مصير المختفيات، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.
وختم قائلاً «على المجتمع الدولي أن يدرك أن هذه القضية ليست مجرد أرقام وإحصاءات، بل هي مأساة إنسانية تمسّ مئات الأسر السودانية التي تعيش كل يوم في رعب بسبب غياب بناتها دون أثر».
وكانت منظمات إنسانية وأممية فضلاً عن مسؤولي إغاثة أكدوا في تقارير سابقة أن الصراع في السودان تسبب في تزايد حالات اغتصاب نساء وفتيات، بعضهن بعمر 12 عاماً، واختطافهن.
كما أشار فولكر تورك، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، سابقاً إلى وجود تقارير موثقة عن عمليات اغتصاب طالت نساء وفتيات.