كلمة صدق

نصف آلة ونصف بشر

14 يناير 2025 10:00 م

بدءاً من المسلسلات التلفزيونية القديمة مثل الرجل الآلي ستيف أوستن، التي عشقها أبناء الستينات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي، إلى فيلم الشرطي الآلي الذي تم انتاجه عام 1987، ليتحدث عن حادث مروري تعرض له الشرطي مورفي، في المستقبل في عام 2028، في الحادث تلف كثير من أعضاء الشرطي، ومع تطور العلم في المستقبل تم انقاذ حياته ليكون نصف آلة ونصف رجل، ويصبح بهذا الخليط شرطياً خارقاً.

ما كان يتم تصنيفه كأفلام أو مسلسلات خيال علمي، أصبح الآن قريباً من الواقع، فبعد أن هزت وسائل الاتصالات التكنولوجية الحديثة العالم، ها هو العالم يتحدث عن السنوات الخمس المقبلة وهي تحمل معها موجة تسونامي تكنولوجية حديثة تحت عنوان الذكاء الاصطناعي، آلات يبرمجها البشر لغايات مختلفة.

يبدو أن الذكاء الاصطناعي خرج من النظريات، وها هو يهم فعلياً في اقتحام الواقع الحالي للعالم، فقد أظهر استطلاع صدر حديثاً للمنتدى الاقتصادي العالمي بأن أكثر من أربعين بالمئة من أصحاب العمل في جميع أنحاء العالم يخططون لتقليص قوتهم العاملة بحلول العام 2030.

وأشار تقرير لمستقبل الوظائف صادر عن المنتدى إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يوجه ضربة قوية لسوق العمل، إذ إنه قد يساهم في تسريح أعداد كبيرة من الموظفين في الشركات العالمية حول العالم. ففي مقابل 170 مليون وظيفة يتم استحداثها في السنوات الخمس المقبلة، فإن ما يقارب 90 مليون وظيفة معرضة للإزالة بسبب الذكاء الاصطناعي.

الذكاء الاصطناعي سيعزز تخصصات مثل الأمن السيبراني، وأنظمة الطاقة المتجددة، والتعامل مع البيانات الضخمة، ولكنه سيمحو وظائف مثل السكرتارية، والتصميم الغرافيكي، والأعمال المتعلقة بشؤون الموظفين كإدارة الرواتب. لذلك تقوم أكثر الشركات العالمية حالياً كما أشار التقرير بإعادة تأهيل وتدريب موظفيها للسنوات الخمس المقبلة من أجل تحسين التعاون بين الإنسان والآلة.

في ذلك، يقول رئيس قسم العمل والأجور وخلق فرص العمل بالمنتدى الاقتصادي تيل ليوبولد، إن الذكاء الاصطناعي والتحولات السريعة تقلب الصناعات وأسواق العمل رأساً على عقب. ويضيف ليوبولد، قائلاً إن ذلك «يخلق فرصاً غير مسبوقة ومخاطر عميقة».

نعم، يوجد هناك مخاطر عميقة للذكاء الاصطناعي وعلى الجهات المسؤولة في الدولة خصوصاً الجهات المسؤولة عن التخطيط والتربية وغيرها، متابعة هذا التطور التكنولوجي الذي يطرق الأبواب، ليكون هو الحديث والحدث التكنولوجي الأبرز للسنوات الخمس المقبلة.

نعم، هناك تأثيرات اقتصادية وما يتعلق بها من سوق عمل ومخرجات تعليم وفرص ومخاطر إفلاس، وهناك أيضاً تحديات اجتماعية وأخلاقية للموضوع وحتى تحديات نفسية. فكم أثرت تكنولوجيا الاتصالات الحديثة أو ما يتم تسميتها تسويقياً بـ«وسائل التواصل الاجتماعي» على المجتمعات اقتصادياً واجتماعياً ونفسياً، وقد يكون تأثير الذكاء الاصطناعي أكبر من سابقه، فهو نتاج عقول بشرية تزرع برمجيات معقدة وخوارزميات ينتج عنها اتخاذ قرارات تقوم بها آلات.

وعلى الرغم من أن المنتدى الاقتصادي العالمي أكد على أهمية المهارات الإنسانية مثل التفكير الابداعي، إلا أن الخشية في أن يكون إبداع البشر في التفكير مؤدياً إلى خلق آلات ذكاء اصطناعي تخرج عن سيطرة البشر. في ذلك، حذر جيفري هينتون، وهو يعتبر الأب الروحي للذكاء الاصطناعي من «أن تتمكن آلات الذكاء الاصطناعي عبر خوارزميات التعلم التي تم تطويرها بها وبتفاعلها مع المعلومات المخزنة فيها بإنتاج شبكات عصبية معقدة تقوم في باتخاذ قراراتها واستتنتاجاتها بشكل منفصل عن البرمجة البشرية، بطريقة قد تهدد الوجود البشري نفسه».