ينخرط الروس في توجيه «إشارات إستراتيجية» بطائرات «ذات قدرات هائلة»

مقاتلات «الناتو» الأكثر تطوّراً تجوب أجواء البلطيق لـ «ردع» موسكو

23 ديسمبر 2024 10:00 م

شياولياي (ليتوانيا) - أ ف ب - تنتظر طائرتا «رافال» من المفرزة الفرنسية التابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) على المدرج في قاعدة شياولياي في ليتوانيا، أن تنجز مقاتلات «إف - 35» تابعة لهولندا، أقلعت من إستونيا، عملية اعتراض قاذفات روسية.

الآلية المسماة «شرطة السماء» تأسّست بعد انضمام دول البلطيق إلى حلف شمال الأطلسي في العام 2004، وتم تعزيزها في 2014 بعدما ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية، وهي قيد التشغيل حالياً، في خضم الحرب الدائرة في أوكرانيا وقوامها ثلاث مفرزات دوّارة: اثنتان في شياولياي والثالثة في قاعدة أماري الإستونية.

منذ بدأت روسيا غزو أوكرانيا في فبريار 2022، تسارعت وتيرة إقلاع المقاتلات خلال النهار وكذلك عمليات اعتراض أي طائرة روسية مشبوهة، في إطار هذه القوة التابعة لحلف الأطلسي والمكلفة حماية ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، إذ لا تملك هذه الجمهوريات السوفياتية السابقة الوسائل الجوية للدفاع عن نفسها.

مع هبوب رياح قوية في هذا الصباح المشمس في شياولياي، تقلع المقاتلات الفرنسية بتأخير نحو ساعة.

«روتين يومي»

ويقول قائد المفرزة الفرنسية ماتيو الذي يتعذّر نشر كامل هويته، وهي القاعدة المعتمدة بالنسبة لكل العسكريين المشاركين في مهمات، «كانت هذه جلسة تدريبية لنا مع الهولنديين الذين كانوا في حال تأهب قصوى»، ويضيف «كانت هناك حزمة روسية كبيرة انطلقت من سان بطرسبورغ وكانت تجوب الأجواء قرب فنلندا وإستونيا وصولاً إلى السويد».

في اليوم التالي نشر سلاح الجو الهولندي صوراً للمهمة في حسابه على منصة «إكس».

وأكدت قيادة القوات الجوية التابعة للحلف لـ «وكالة فرانس برس»، أن «مفرزة الشرطة الجوية الهولندية في أماري بإستونيا نشرت مقاتلات إف - 35 في 17 ديسمبر الجاري لاعتراض مقاتلتي سوخوي - 27 روسيتين وقاذفتين روسيتين من نوع باكفاير».

وكانت المفرزة الفرنسية اعترضت قبل بضعة أيام طائرة شحن روسية من نوع «إليوشين - 18».

وقال ماتيو «اعترضناها للتأكد من أنها بالفعل من نوع إليوشين - 18 و(معرفة) غايتها وما إذا كانت على اتصال مع هيئة المراقبة الإقليمية. وما أن حصل ذلك غادرنا».

وذكر اللفتنانت كولونيل الليتواني روبرتاس توماسونيس، المسؤول الثاني في قاعدة شياولياي، أنه منذ بدء النزاع في أوكرانيا تضاعف ثلاث مرات عدد عمليات الاقلاع الطارئة، لافتاً إلى أن الروس «يراقبون منطقة بحر البلطيق ودول حلف شمال الأطلسي. إنه روتينهم اليومي».

تتم عمليات الاعتراض الجوي مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع، ويشدّد ماتيو على أنها «احترافية»، مؤكداً أن الجميع يتصرّفون على نحو صحيح.

على الرغم من أن الطائرات الروسية لا تخرق القواعد الدولية، يتم تفعيل التحذير للتثبت من نوع طائراتهم ومهماتهم والحرص على عدم دخولهم المجال الجوي لدول البلطيق.

وقال الكابتن توما، وهو ضابط استخبارات فرنسي إن «هدفنا ليس الذهاب للبحث في الجانب الآخر»، مشيراً إلى أن روسيا تذهب إلى أقصى حد ممكن «مع كثير من الطائرات».

إضافة إلى عمليات الاستطلاع جوا، ينخرط الروس في توجيه «إشارات استراتيجية» بطائرات «ذات قدرات هائلة لإظهار أن لديهم إمكانات على الرغم من الحرب في أوكرانيا».

في معسكر «الناتو»، الهدف المعلن هو الردع بالطريقة نفسها: إنها المرة الأولى التي ينشر فيها الفرنسيون مقاتلات «رافال» ذات القدرات الأكبر مقارنة بمقاتلات «ميراج 2000» التي تنتجها شركة «داسو» الدفاعية والتي كانت تستخدم سابقاً.

الهولنديون لديهم «إف - 35» التي تنتجها شركة «لوكهيد-مارتن»، وهي مقاتلات من الجيل الخامس مازالت منافساتها في أوروبا قيد التصميم ويتوقّع أن توضع في الخدمة بحلول العام 2040.

وتيرة الطلعات الجوية هي أيضاً استعراض للقوة، إذ تقلع عصراً ثلاث مقاتلات «رافال» في تدريب على القتال الجوي.

ويقول الكابتن أوغو بعد الهبوط «بالنسبة للطيارين الشباب، كان التمرين مميزاً، لا نتدرب عليه كثيراً في فرنسا».

والمهمة هي الأولى في المناطق الشمالية بالنسبة لكثر من الطيارين الفرنسيين الذين تم نشرهم في العراق أو سورية، وهي تمنحهم تجربة جديدة إذ يرتدون بزات ثقيلة يفترض أن تبقيهم على قيد الحياة في بحر البلطيق أو تعلّمهم كيفية إزالة الجليد عن «رافال» وحمايتها من التآكل.

روسيا وتعقيدات الماضي

بعدما ضُمّت خلال الحرب العالمية الثانية وبعدما عانت من القمع والتبعية لروسيا، تتوجّس دول البلطيق التي استعادت استقلالها في أوائل التسعينيات، كثيراً منذ الهجوم الروسي الواسع النطاق على أوكرانيا.

هذا الماضي «يجعل حلف شمال الأطلسي بالنسبة لكثير من الليتوانيين الأولوية الأولى أو الثانية»، وفق توماسونيس.

ويؤكد الباحث في مركز الدراسات الأمنية في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية جان-كريستوف نويل أن «الروس حاضرون على الدوام وسيواصلون على الأرجح محاولاتهم لزعزعة الاستقرار، وأفعالهم الهجينة لمحاولة إضعاف التضامن عبر الأطلسي».

ويشدّد نويل، وهو طيار مقاتل سابق، على أن الخسائر وإن كانت «كبيرة» في الجو بالنسبة للروس منذ بدء غزو أوكرانيا، تبقى أقل مقارنة بالخسائر على الأرض.

ويقول إن الشرطة الجوية هي «وسيلة جيدة لإظهار التضامن بين أعضاء التحالف عبر الأطلسي».

ويشير إلى أن دول البلطيق الثلاث «ليس لديها الوسائل لتحمل تكلفة سلاح جو قوي وبغاية التطوّر. لكن البعض لديهم خبرة ممتازة، على غرار القطاع السيبراني في إستونيا، ويمكنهم الاستفادة من ذلك».