بني براك (إسرائيل) - أ ف ب - تحشد زوجات وأمهات جنود إسرائيليون، الصفوف، احتجاجاً على إعفاء اليهود المتشددين من الخدمة العسكرية، مع مرور أكثر من 14 شهراً على بدء الحرب في قطاع غزة وتوسعها إلى جبهات أخرى.
يتظاهر إسرائيليون منذ أشهر مساء أيام السبت في تل أبيب عند جسر مقام على طريق رئيسي يربط بين ضاحية بني براك التي يقطنها متشددون، وجفعات شموئيل وهي معقل لمتدينين صهاينة لهم وجود كبير في الجيش.
وتتحول المنطقة خلال هذه التظاهرات مسرحاً لمواجهة متوترة.
ففيما يرفع المحتجون الأعلام الإسرائيلية واللافتات ويطالبون عبر مكبرات الصوت بـ «التجنيد للجميع»، يمر في المنطقة متشددون، بعضهم مهرولاً.
ففي ضوء الحرب المتواصلة في قطاع غزة والنزاعات المرتبطة بها، طلب الجيش تجنيد المزيد من العناصر فيما قضت المحكمة العليا في يونيو الماضي بأن إعفاء اليهود المتشددين غير قانوني.
لكن حكومة بنيامين نتنياهو تضم أعضاء من حزبين دينيين متشددين، وهو يخشى أن يؤدي رفع هذا الإعفاء إلى سقوط الائتلاف.
ويمضي الائتلاف الحكومي قدماً في تشريع من شأنه أن يضمن الإعفاء من الخدمة العسكرية للغالبية العظمى من الحريديم وهم يهود متشددون جداً.
كذلك، يتمسك القادة السياسيون والدينيون المتشددون الذين غالباً ما تكون قراراتهم ملزمة لأتباعهم، في معارضة الخدمة العسكرية بشدة ويؤكدون على أن الصلاة والدراسة الدينية تحمي البلاد كما يحميها القتال.
والخدمة العسكرية إلزامية في إسرائيل، لكن وبحسب الاتفاقيات التي صيغت عند تأسيس الدولة حيث كان الحريديم يمثلون نسبة قليلة للغاية، تم الاتفاق على أنه يمكن لمن يكرسون أنفسهم لدراسة النصوص الدينية الامتناع عن الخدمة.
ويمثل اليهود المتشددون راهناً 14 في المئة من سكان إسرائيل، بحسب معهد الديمقراطية الإسرائيلي، أي نحو 1,3 مليون شخص بحسب.
ويفيد الجيش بأن نحو 66 ألفاً منهم ممن هم في سن التجنيد، لديهم إعفاء من أداء الخدمة العسكرية.
«نتقاسم العبء»
قُتل منذ السابع من أكتوبر 2023، 818 جندياً إسرائيلياً، منهم من قضى إبان الهجوم الذي شنته حركة «حماس»، ومنهم من قتلوا خلال العملية العسكرية البرية والحرب في جنوب لبنان والهجمات في الضفة الغربية المحتلة.
تشارك ميخال فيليان (60 عاماً) من جفعات شموئيل في التظاهرات الأسبوعية التي تنظمها جماعة «شركاء في تحمل العبء» النسائية الدينية، منذ الشهر الماضي.
ولفيليان أربعة أبناء يخدمون في الاحتياط بالإضافة إلى صهرها، جميعهم تقريباً لم يحصلوا على إجازات منذ بدء الحرب ويخدمون في غزة ولبنان وأخيراً في سورية.
وتقول فيليان وهي طبيبة «نحن هنا لطلب المساعدة من إخوتنا الذين يعيشون على الجانب الآخر من الجسر، لنقول لهم ان يمدوا أيديهم... ونتقاسم العبء».
وأصبح عبء الحرب ثقيلاً للغاية حتى بالنسبة لليهود الصهاينة المتدينين الذين ينظر إليهم على أنهم حلفاء للفصائل المتشددة في الائتلاف اليميني لنتنياهو. كان قادتهم السياسيون مستعدين للتوصل إلى تسوية في شأن ملف إعفاءات المتشددين.
ويرى الباحث في معهد هارتمان عموتس آسا-إل أن عدد القتلى الكبير من هذه الفئة في المعارك والذي يفوق المعدل الطبيعي نتيجة لمستوى مشاركتهم المرتفع، أدى إلى انضمام هذه الجماعة إلى الغضب الذي يشعر به غالبية السكان.
ويشير إلى أن هذا الغضب «فاض الآن».
ويضيف الباحث «حتى السابع من أكتوبر، كانت شكاوى الإسرائيليين العاديين تجاه المتشددين مجرد شكاوى نظرية».
لكنه يوضح أنه بات «يُنظر (إلى الإعفاء) من قبل الغالبية العظمى لباقي السكان على أنه يأتي على حسابهم، وعلى وجودهم».
وكانت إسرائيل قامت بتعبئة نحو 300 ألف جندي احتياط في صفوف الجيش، لكن انخفض العدد اليوم إلى 100 ألف، أي نحو واحد في المئة من إجمالي السكان، وفقاً لأرقام منتدى زوجات جنود الاحتياط.
«واقع أمني»
تقول روتم أفيدار تساليك، وهي محامية وواحدة من مؤسسات المنتدى، إنها ومنذ أكثر من عام تعيش في «واقع مواز» بعد استدعاء زوجها الذي يقاتل في وحدة خاصة، للخدمة لأكثر من 200 يوم.
وتضيف تساليك (34 عاماً) وهي أم لثلاثة أطفال، أن عبء التعبئة أصبح لا يطاق بالنسبة للعائلات بسبب الصعوبات الاقتصادية والنفسية التي تسببت بها.
وفي الكنيست، حيث تدافع عن حقوق عائلات جنود الاحتياط، تؤكد أن تجنيد المتشددين ليس سوى جانب واحد من تغييرات أخرى ضرورية.
وتشدد على أن زيادة في تجنيد هذه الفئة ولو «حتى ألف» متشدد إضافي فقط في الجيش سيكون له «أثر كبير».
وترى شفوت رنان، وهي سيدة متدينة وعضو في المنتدى، أن حجج المتشددين واهية.
وتستشهد المحامية (31 عاماً) وهي أم لأربعة أطفال «في تاريخ ديننا لم تكن الأمور على هذا النحو أبداً... من الواضح أننا لا نعتمد في ذلك على التوراة».
وتقول «بعد الهولوكوست (وتدمير المجتمعات الدينية في أوروبا الشرقية)، حاولنا أن نقدم... نوعاً من الحاصنة لعالم التوراة»، مستشهدة بشخصيات دينية من الكتاب المقدس دعت الشعب اليهودي للقتال.
تؤكد «نحن اليوم أمام واقع أمني» أصبح فيه الإعفاء «غير قابل للاستمرار».