كثيرة هي المقالات الرائعة ذات العلاقة بالمستجدات الأخيرة في سورية، ومن بينها مقالان، أحدهما لكاتب جرّاح كويتي والآخر لرئيس قسم الشؤون الخارجية في صحيفة فاينانشال تايمز.
في المقال الأوّل، المعنون «لا تلم نفسك...»، أشار الدكتور وليد التنيب، إلى تجربة الغوريلا الخفيّة، التي أُجريت في جامعة هارفارد، ووُثّق من خلالها أن نصف الطلبة، الذين شاهدوا مقطع فيديو قصيراً – لا يتعدّى الدقيقة الواحدة – يعرض مباراة كرة سلّة ودّية، لم يلحظوا ظهوراً موقّتاً لشخص مُتنكّر بمظهر غوريلا أمام الكاميرا، لانشغالهم بما كُلّفوا به، وهو احتساب عدد تمريرات الفريق الأبيض. ثم أسقط الدكتور التنيب، نتائج التجربة على الأحداث والمشاهد حولنا، ليواسي من لم يدركها بسبب كثرة اللاعبين القادرين على تشتيت الانتباه.
وأما المقال الثاني، المعنون «نتنياهو وأردوغان يتنافسان على لقب الرجل القوي في الشرق الأوسط»، فهو حول التنافس بين لاعبين أساسيّين في المشهد السوري، وهما رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس التركي، اللذان يعتبرهما كاتب المقال Gideon Rachman الزعيمين القويّين في الشرق الأوسط اللذين يُعيدان تشكيل المنطقة.
يرى الكاتب أن الرئيسين يشتركان في كونهما مخضرمين شرسين، توليا السلطة عقوداً من الزمن، ويعتبران نفسيهما رجلا مصير أُمّتيهما، وبسقوط نظام الأسد تعزّزت آمالهما في خلق الإرث السياسي الذي يسعيان إلى تحقيقه.
فالكاتب يرى أن سقوط نظام الأسد فتح طريقاً جديداً لتحقيق تطلعات أردوغان، بإعادة بناء القوة التركية عبر أراضي الإمبراطورية العثمانية القديمة. حيث إن تركيا هي القوّة الإقليمية الوحيدة التي وضعت ثقلها الكامل وراء هيئة تحرير الشام، الجماعة الإسلامية التي قادت إسقاط نظام الأسد. كما يرجّح الكاتب أن تتجه الأحداث السورية نحو تخفيف أزمة اللاجئين السوريّين في تركيا، وإضعاف خصوم أردوغان الأكراد في سورية، وتعزيز مساعيه للاستمرار في الرئاسة بعد عام 2028.
وبالنسبة لنتنياهو، يرى الكاتب أن فرصته في أن يُسجل «زعيماً منتصراً» في التاريخ قد تضاعفت خلال العام الماضي. فبعد خمسين عاماً من التراجع، قد ينجح نتنياهو في توسيع حدود بلاده، بعد أن أثبتت إسرائيل بزعامته قدرتها على القتال بتفوّق على جبهات متزامنة عدة، بفضل الدعم الأميركي شبه الكامل.
في الوقت ذاته، يرى الكاتب أن طموحات أردوغان ونتنياهو تنافسية وقد تتصادم بسهولة في سورية. لأن تحالفات تركيا مع الجماعات الإسلامية، مثل هيئة تحرير الشام و«الإخوان المسلمين»، تهدّد أمن إسرائيل. والتي بدورها تحركت لتدمير القدرة العسكرية السورية، فقصفت قواتها البحرية والجوية، واستولت على أراضٍ خارج مرتفعات الجولان، رغم الرعاية التركية للنظام السوري الجديد.
في الجانب المعاكس، يرى الكاتب أن طموحات أردوغان ونتنياهو بالهيمنة الإقليمية تعاني من نقاط ضعف مماثلة. فتركيا وإسرائيل قوتان غير عربيتين في منطقة ذات غالبية عربية، غير راغبة في إعادة الإمبراطورية العثمانية، وتخشى وتشكّك في نوايا إسرائيل. كما تعاني كل من تركيا وإسرائيل من قاعدة اقتصادية ضعيفة للغاية.
المقطع الأهم في المقال الثاني هو الذي يشير فيه الكاتب إلى احتمالات تعارض طموحات أردوغان ونتنياهو مع مصالح دول الخليج العربية في سورية، واحتمالية أن تشعر هذه الدول بأنها مهدّدة مباشرة من تحالفات تركيا مع الجماعات الإسلامية بدرجة أعلى من طموحات إسرائيل التوسّعية.
غرضي من تداول المقالين هو تسليط الضوء على الغوريلا في موضوع المقال الثاني. فقد يكون مقبولاً أن نقول «لا تلم نفسك» للمثقّف السوري في سورية الذي لم يلحظ الغوريلا، ولكن لا يليق أن نقول القول نفسه لغيره من المثقّفين...
اللهمّ أرنا الحقّ حقّاً وارزقنا اتّباعه.
abdnakhi@yahoo.com