يَعكس أداءُ وإدارةُ غالبية الطبقة السياسية للمرحلة الجديدة في لبنان والمنطقة التي ما زالت تقف على أرضٍ زلِقة ومتحرّكة، حجمَ التحوّل الذي جرى في الأشهر الثلاثة الأخيرة على مستوى إضعاف «حزب الله» وفي الأيام الأخيرة من ديسمبر لجهة الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، وصعوبةَ استيعاب هذه الموجات المتوالية من الصدمات التي تصيب المحورَ الإيراني في حلقاته الأقوى.
فمن اتفاق وقف النار بين اسرائيل و«حزب الله» والذي تَمْضي تل أبيب في تنفيذه بـ «نسختها» التي تشمل جنوب الليطاني وشماله، مع القفز فوق لجنة الإشراف الخماسية بقيادة الولايات المتحدة لإزالة كل «تهديد وشيك»، إلى الانتخابات الرئاسية التي تضرب موعداً مع جلسةٍ في 9 يناير يُراد أن تَكون حاسمة وألا تنتهي إلا بتصاعُد «الدخان الأبيض» من تحت قبة البرلمان، عنوانان رئيسيان يطبعان الواقع اللبناني ويؤشر التعاطي معهما على أن «بلاد الأرز» التي حَكَمها بعد انسحاب الجيش السوري القسري منها في ابريل 2005 بفاض قوة «حزب الله» و «وهج» سلاحه، ما زالت حتى الساعة تحت تأثير «وَهْم» هذا السلاح ودوره في رسْم المعادلات الداخلية وتحديد اتجاهاتِ الريح عبر إمساكه بكل خيوط اللعبة لنحو 20 عاماً انطبعتْ بـ «امطري حيث شئت، فإن خراجك لي».
ومن هنا ترى أوساطٌ سياسية على خصومة مع «الممانعة» أن ما يشهده لبنان في ما خص وقف النار والمناخات التي تسود ربطاً باعتبار «حزب الله» أن «صلاحيةَ» الاتفاق محصورة فقط بجنوب الليطاني، تعبّر عن ذهنية تحتاج إلى «تحديث» وتقوم على أن بالإمكان استعادة تجارب شراء الوقت والرهان عليه ريثما «تمر العاصفة» بهدف العودة إلى business as usual، في حين أن التحولاتِ المتدحرجة تتقاطع عند أن «اللعبةَ انتهتْ» أقله بقواعدها القديمة، وسط ثبوت أن كل أسبوع يمرّ مفتوحٌ على المزيدِ من «الأخبار السيئة» للمحور الإيراني الذي يبدو متأخّراً بخطواتٍ منذ تاريخ 17 سبتمبر حين ضغط بنيامين نتنياهو على زرّ التعاطي مع طهران و«حزب الله» من «خارج النص» و«المألوف» ما أدى لارتباك لدى الحزب في كيفية التكيف مع المستجدات دفع ثمنه اغتيالَ السيد حسن نصر الله قبل أن تكرّ سبحة الضربات وتطول «رأس الأسد» في سورية.
وإذ تَعتبر الأوساط أنّ كل مسعى للتذاكي على جوهر اتفاق وقف النار لجهة إنهاء وضعية سلاح «حزب الله» خارج الدولة، لن يجلب إلا مزيداً من المتاعب للبنان الدولة والشعب، وخصوصاً أن الموازين بعد سقوط النظام السوري باتت مختلفةً تماماً لجهة فقدان الحزب شريان الإمداد بالسلاح ووصول الجيشِ الاسرائيلي إلى منطقة القنيطرة وجبل الشيخ المحاذية للحدود اللبنانية ما يعني إمكان الدخول الى البقاع الغربي وفصل البقاع عن الجنوب، تلفت إلى أنّ مصير هدنة الستين يوماً التي مرّ منها 18 يوماً يبقى معلَّقاً «على سرعةِ إدراكِ أنّ الفترة المقبلة الفاصلة عن عودة دونالد ترمب الى البيت الأبيض قد تكون الأخطر على الوطن الصغير والحزب في ضوء تَحَفُّز نتنياهو لعدم ترْك أي مهمة «نصف مُنْجَزة» وعدم استبعاد أن تَبلغ كرة التحولات المتدحرجة إيران نفسها في الطريق الى 20 يناير الأميركي.
نفي لقاء عاصف
وفي الإطار نفسه، وُضعت المسارعة عبر مصادر مطلعة (وكالة الأنباء المركزية) وغيرها الى نفي أن يكون اللقاء الذي عُقد قبل مدة بين قائد الجيش العماد جوزف عون ورئيس وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا ومستشار رئيس مجلس النواب أحمد البعلبكي، تخللته محاولة من صفا لفرْض إملاءات على عون وجوُّ عاصف بفعل محاولة إقناع الأخير بعدم مصادرة مخازن اسلحة الحزب، وأن «صفا أو غيره لم يتجرأوا يوماً على فرض املاءات على القائد عون، وخلال هذه الزيارة بالذات أبدى صفا تجاوباً وتفهماً للواقع المستجد، وهو عليم بأن فريقه السياسي وقع على الاتفاق من خلال تواجد وزرائه في الحكومة وان الحزب سيسهل الى الحد الاقصى عمل الجيش ومهمته المنصوص عليها في اتفاق وقف النار».
مناورات الانتخابات
وفي الملف الرئاسي، تشير هذه الأوساط إلى أن «المناورات» الكثيرة التي تحكم الأسابيع الثلاثة ونيف قبل موعد جلسة 9 يناير الانتخابية تعبّر في جانبٍ رئيسي منها عن «سوء فهْم» لعمق التطورات التي حصلتْ في الأشهر الأخيرة وعن محاولات لاستعادة «ألاعيب» من دفاتر طوت الأحداث صفحاتها، ومن دون أن يَعني ذلك أنّ الموازين في لبنان باتت تتيح لفريقٍ واحد أن يحدّد مسارَ الأمور منفرداً، ولكنها بالتأكيد لم تعُد تسمح لفريق واحد (حزب الله وحلفاؤه) بالتحكم والسيطرة على الاستحقاقاتِ، بل صار بالحدّ الأقصى يمكن للمعارضة وحلفائها أن يملكوا ورقة الترشيحات ولمَن يقفون على المقلب الآخر الموافقة أم لا، انطلاقاً من التوازنات في البرلمان والتناقضات الكثيرة بين الكتل.
وترى الأوساط عيْنها أن تَحَوّل حزب «القوات اللبنانية» برئاسة سمير جعجع، صاحب أكبر كتلة نيابية (19 نائباً) والشرعية المسيحية، اللاعب الرئيسي في الانتخابات الرئاسية لا ينطلق فقط من حيثيته التي لا تتيح له مع حلفائه المباشرين (بما مجموعه 31 نائباً) تقرير مصير الاستحقاق لوحدهم، بل من أنّ «تموْضعه» على «المحور الجديد» ونظام المصلحة العربي الآخذ في التشكل من التحولات الحاصلة يجعله قفلاً ومفتاحاً في رئاسية لبنان، باعتبار أن ثمة تسليماً بأنّ أي رئيس يُنتخب ولا يكون بمواصفات ما بعد «حزب الله» بلا أدوار إقليمية وسورية بلا الأسد سيعني دورانَ لبنان في حلقة مفرغة من الأزمات وخروجه بالكامل من«الزمن الجديد».
ووفق هذه الأوساط أن كل التسريباتِ عن أن هذا المرشح (من الممانعة) لن يَنسحب إلا لمصلحةِ آخَر يسمّيه هو، تنمّ عن إساءة تقديرٍ للمرحلة الحالية التي فَقَدَ معها كثيرون«أوزانَهم»، في حين أن ما يبدو أنه «مراكمة» إعلامية من جعجع وفريقه لإمكان تقدُّمه بترشيحه شخصياً إلى الرئاسية يحتاج إلى تدقيق في خلفياته وهل يمكن أن يكون في سياقِ تكريس رئيس «القوات» نفسه كالناخب الأوّل وحمايةِ «مرشّحه الحقيقي» عبر فرْض مُفاضَلةٍ على خصومه تقطع الطريق أيضاً على أي «أرانب» قد يُراد منها «تركيب» أكثرية (بالنصف زائد واحد) عبر تقاطعاتٍ ظرفيةٍ تُنْتِج رئيسَ - تهريبة «بلا لون ولا رائحة» في 9 يناير يَعتقد «حزب الله» و«الممانعة الجريحة» أن تمريره متاح وفق معادلة يُرضي الخارج ولا يغضبها.
وكان جعجع أعلن في حوار معه «أعلن ترشحي عندما يكون هناك حد أدنى من الكتل النيابية مستعدة لتقبل هذا الترشح، الترشح ليس بطولة، وإن كان هناك عدد مقبول من الكتل النيابية تتبنى ترشيحي وتتقبله، أترشح طبعاً ومستعد لذلك، فنحن نعمل في السياسة لنكون في أكبر قدر من المواقع التي تمكننا من تطبيق برنامجنا السياسي»، مشدداً على «أن كل ما كان مطروحاً في السابق رئاسياً أصبح من الماضي، الأسماء التي طرحت في المرحلة الماضية كانت انطلاقا من المرحلة الماضية، أما اليوم فنحن في وضعية جديدة».
ميقاتي والتحدي
في هذا الوقت، أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي خلال لقائه مع السفراء العرب المعتمدين في ايطاليا ان«التحدي الاساسي يتمثل في إلزام اللجنة المكلفة متابعة وقف النار اسرائيل بوقف خروقها وسحب قواتها من الاراضي اللبنانية». وقال:«ننتظر تنفيذ هذه التدابير بضمانة أميركية - فرنسية، ولكن لا نرى التزاما اسرائيليا بذلك».
أضاف «ان جيشنا بدأ بتوسيع انتشاره في الجنوب ومعنوياته عالية جداً، وهو يعمل على بسط سلطة الشرعية اللبنانية، وكي لا يكون هناك سلاح خارج السلاح الشرعي. ونحن في هذا السياق نعوّل على استمرار دعم الاشقاء والاصدقاء الجيش على الصعد كافة لتمكينه من القيام بدوره كاملا».
وعن الملفّ السوري، قال ميقاتي «علينا ان نحترم ارادة الشعب السوري، ونتمنى له كل الخير، كما نتطلع الى علاقات بين البلدين على قاعدة الاحترام المتبادل ومصلحة الشعبين».
الحريري عن سقوط الأسد: هذا هو اليوم الذي انتظرته منذ تلك الساعة السوداء
| بيروت - «الراي» |
في أول تعليق له على انهيار نظام الرئيس بشار الأسد، اعتبر الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري ان«سقوط الأسد هو سقوط لنهج الاستفراد بالحكم والاستقواء بالخارج».
وقال الحريري في بيان «سقط الأسد، ها قد اكتمل المشهد وخرج السوريون ليدفنوا حقبة ويفتحوا أخرى. هذا هو اليوم الذي انتظرته منذ تلك الساعة السوداء. كم أنا سعيد برؤيتكم، تَصدحون بصوت الحرية في الشام بعد أن تحررت من سجنها الكبير. اليوم تكرّسون بجميع ألوانكم ومشاربكم عُرس سورية بسقوط ديكتاتورها، الذي روع السوريين واللبنانيين وابتزّ العرب والعالم».
أضاف «سقط النظام الذي تاجر بفلسطين أكثر من نصف قرن، بعدما باع الجولان رخيصاً وباع نفسه لكل من دفع له أو دافع عنه بوجه شعبه. سقط الأسد وسقط القناع عن القناع، ليظهر جبنه وغدره لأقرب المقربين، فلا عجب أن يغدر بسورية وحاضنته العربية».
واعتبر ان «سقوط الأسد هو سقوط لنهج الاستفراد بالحكم والاستقواء بالخارج. هو سقوط لتأجيج الطائفية، والظلم باسم طائفة كريمة استغلها بأبشع الصور. لكن سقوط الديكتاتور لا يعني شيئاً، إلا إذا تم إسقاط نهجه الذي قام على الاستقواء على الأفراد كما الطوائف والتعسف في ممارسة السلطة. وحدُه دفْن هذه الممارسات بعد سقوط النظام يضمن قيامة سورية وطناً ودولة لكل سورية وسوري، وإثبات للسوريين والعالم بأن الثورة السورية أكبر من أن تقع بفخ نهج الأسد، وأقوى من أن تسقط بمستنقع الفتنة والفوضى، وبعيدة كل البعد عن أي شكل من أشكال التطرف».
ورأى أن «وعي السوريين وقادة ثورتهم، أذهل العالم، وأعطى نموذجاً لنبذ العنف والانتقام، وأظهر وجه الثورة الحقيقي، وحقيقة السوريين الذين قدموا للعالم نموذجاً بالتسامح والوعي، سيكون مفخرة العرب في تاريخهم المعاصر، وعِبرة للأجيال القادمة. وتبقى العبرة الأكبر هي المحافظة على ما أنجز، وإكمال عُرس الانتقال الحضاري للسلطة، والذي سيحول سورية الأسد الغابرة، إلى سورية الشعب والحرية. والواقع أن سورية والحرية حكاية ألم وأمل، فهي نداء الثورة الأول، وهي حكاية نضال شعب رفع لواء الحرية فقدم دونها دمه، ويوم الحساب حقن الدماء، في واحدة من أعظم عبر التاريخ وأكثرها ألقا ومجداً».
وختم الحريري «المجد لشهداء سورية وأبطالها. وقد قلنا في لبنان يوماً إلى اللقاء سورية، وها قد التقينا لنجدد العهد ونحقق الوعد من أجل أبنائنا من أجل حاضرنا، ومن أجل المستقبل».