مع دخول اتفاق وَقْفِ النار في لبنان أسبوعه الثالث وانقضاء 15 يوماً من هدنة الستين يوماً التي نصّ عليها لتطبيق مندرجاته الأساسية، بدأ التنفيذُ الفِعْلي لمضامينه من جنوب الليطاني حيث باشر الجيش اللبناني انتشاره الممرْحَل وتَسلُّم بلدات ونقاط انسحب منها الجيش الإسرائيلي بعدما احتلّها إبان حرب الـ 65 يوماً الضارية.
وعلى وقع تراجُع الملف اللبناني على سلّم الأولويات القصوى الدولية في ضوء الحدَث السوري الهائل وتداعياته التي تفوق القدرةَ على إحصائها، نظراً إلى أن التحوّلَ «العابر للخرائط» بتأثيراته مازال في طور التدحرج، دَخَلَ فوج الهندسة في اللواء السابع في الجيش اللبناني برئاسة العميد طوني فارس عصر أمس إلى بلدة الخيام (القطاع الشرقي) بالجرافات والآليات العسكرية، برفقة قوات «اليونيفيل»، لإتمام مهمته بفتح الطرق وإزالة مخلفات الجيش الإسرائيلي من ذخائر وصواريخ غير منفجرة كمرحلةٍ أولى، وذلك بدءاً من شمال الخيام منطقة الجلاحية وصولاً إلى مطل الجبل وتلة الحمامص.
وكانت فرقة من فوج الهندسة التابع لـ «اليونيفيل» دخلت الخيام من شمال البلدة عند مثلث مرجعيون - الخيام - ابل السقي، (مثلث الحمام)، للكشف على الطريق والتأكد من صحة انسحاب الجيش الإسرائيلي منها. وقامت بعملية مسح للحي الشرقي وإزالة العوائق عن الطرق الرئيسة والفرعية تمهيداً لانتشارِ قوة الجيش اللبناني.
ومع وضْع اتفاق وقف النار على السكة بعد يومين من اجتماع اللجنة الخماسية المولجة الإشراف على تنفيذه ومراقبته، تنطلق «الاختباراتُ الميدانية» له، على مستويين:
- الأول في ضوء إصرار إسرائيل على إغراق فترة الـ 45 يوماً الباقية من الهدنة بممارسات «من خارج النص» تريد منها ترسيم حدود «تراجعاتها المستحيلة» في ما خص بنوداً - مفاتيح تتّصل بتفكيك البنية العسكرية لـ «حزب الله» في كل لبنان ومنعه من ترميم قدراته التسليحية.
- والثاني في ظل ما بدا إصراراً مضاداً من «حزب الله» على اعتبار أن الاتفاقَ محصور بجنوب الليطاني وأنه لن يسلّم بشموله شمال النهر، الأمر الذي سيضع «الخماسية» التي تقودها الولايات المتحدة (وتضمّ ضباطاً من فرنسا ولبنان وإسرائيل واليونيفيل) والشكاوى التي ستتلقّاها أمام محكّ حسْم «الاجتهاد في التفسير»، وهو ما سيحصل بمجرّد أن تحيل أي شكوى من تل أبيب تتّصل ببنية للحزب، قديمة أو جديدة، خارج أرض القرار 1701 «الأصلية» (جنوب الليطاني) على الجيش اللبناني لمعالجتها وإزالة «التهديد» ما سيعني تكريس «شمولية» الاتفاق جغرافياً.
وما يعزّز دقة المرحلة أن إسرائيل التي أظهرت تحفزاً عسكرياً متعدد الجبهة، «انقضّت» معه على ترسانة جيش بشار الأسد، لا توحي بأنها في وارد التساهل بإزاء أي تنفيذ لاتفاقِ وقْف النار لا يراعي شروطها وأهدافها العميقة، خصوصاً أنها تَعتبر خروجَ سورية من المحور الإيراني «لكمة قاصمة» لطهران التي خسرت الأسد «بلاد الشام» بالضربة القاضية بعدما خسرت ذراعها الأقوى، «حزب الله»، بالنقاط، وسط توقف أوساط سياسية عند كلام بنيامين نتنياهو عن «أننا نضرب أعداءنا بقوة ونكبّدهم أثماناَ باهظة جداً ونقوم بتفكيك محور الشر الإيراني ونخوض حرباً على 7 جبهات وربما أضيفت أخرى ونأمل ألا تفتح جبهات قتال جديدة».
كوريلا وعون
وفي موازاة هذا الملف الذي واكبه من بيروت قائد القيادة الوسطى الأميركية الجنرال مايكل كوريلا الذي التقى قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون، حيث «تناول البحث الأوضاع العامة في لبنان والمنطقة وسبل استمرار دعم الجيش في ظل بدء العمل على تطبيق اتفاق وقف النار في الجنوب»، استعادت أزمةُ الانتخابات الرئاسية حيويةً أمْلاها تحديدُ رئيس البرلمان نبيه بري 9 يناير المقبل موعداً لجلسةٍ يجزم بأنها ستنتهي بتصاعُد الدخان الأبيض ليُنهي نحو 27 شهراً من فراغٍ متمادٍ، كما الاعتقاد بأن الزلزالَ السوري بات يشكّل عنصرَ دفْع لقوى الممانعة لقفْل هذا الاستحقاق قبل أن تتلقى المزيد من «المفاجآت غير السارة» في الوقت الذي لن تمانع قوى المعارضة إمرارَ رئيسٍ ولكن بمواصفاتِ المرحلة الجديدة في لبنان والمنطقة ومتطلّباتها خصوصاً روحية اتفاق وقف النار لجهة حصْر السلاح بيد الشرعية اللبنانية.
سفراء «الخماسية»
وفي حين يعكس هذا المناخ حذراً حيال إمكان الإفراج عن رئاسية لبنان بعد 28 يوماً، لم تكن عابرةً أمس زيارة سفراء «اللجنة الخماسية» المولجة مساعدة لبنان على الخروج من الأزمة الرئاسية والتي تضم سفراء السعودية وليد البخاري، والولايات المتحدة ليزا جونسون، وفرنسا هيرفي ماغرو، وقطر الشيخ سعود بن عبدالرحمن بن فيصل آل ثاني ومصر علاء موسى، لبري حيث تركّز البحث على الملف الرئاسي.
وبحسب المكتب الإعلامي لرئيس البرلمان فإنه خلال اللقاء الذي دام ساعة، أعرب السفراء عن «تقديرهم للرئيس بري لجهة تعيينه جلسة لانتخاب رئيس وأبْدوا ترحيباً لإنجاز إتفاق وقف النار والجهود التي بذلت للتوصل اليه».
بدوره اعتبر بري «أن الاجتماع كان جيداً، شاكراً للسفراء متابعتهم، ومغتنماً فرصة اللقاء لدعوتهم حضور جلسة 9 يناير الرئاسية كي يشهدوا الحضور والنصاب والانتخاب»، ومشدداً على «الحاجة الوطنية الملحة لانجاز الاستحقاق الرئاسي خصوصاً في هذه الظروف والمتغيرات المتسارعة في المنطقة، لا سيما ما يحصل في سورية».
بعد اللقاء، قال السفير المصري «تناولنا أشياء محددة، ألا وهي قناعتنا كلجنة خماسية بأهمية انتخاب رئيس الجمهورية في أسرع وقت، وجهود تثبيت وقف النار، باعتبارها مسألة في غاية الأهمية للدولة اللبنانية وأيضا تناولنا ضرورة تطبيق القرار 1701».
وأضاف «تحدثنا عن مواصفات الرئيس القادم التي اعتمدناها في لقاء الدوحة عام 2023. كما تناولنا أن أحد هذه العناصر إلى جانب عناصر أخرى، أهمية انتخاب رئيس يجمع اللبنانيين وأيضاً يدعم تطبيق القرار 1701 وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمجتمعية والسياسية وتطبيق القرار 1701 وتثبيت جهود وقف النار. كذلك تحدّثنا عن التمسك باتفاق الطائف وأهمية العمل على تطبيقه».
وعما إذا تم في اللقاء بحث في الأسماء، قال السفير المصري «منذ دعوة الرئيس بري إلى جلسة التاسع من يناير هناك مشاورات بين القوى السياسية والرئيس بري منخرط بشكل كامل فيها، والهدف منها الوصول إلى توافق على اسم أو عدد من الأسماء يتم طرحها خلال الجلسة، والحقيقة لم يتم في الجلسة تناول أسماء، بل تحدثنا عن المواصفات. والأمر الذي تأكدنا منه وكان الرئيس بري واضحاً في شأنه هو حرصه أنه في هذه الجلسة سيتم من خلالها الوصول إلى انتخاب رئيس للجمهورية، وأكد دولته أنها جلسة مفتوحة بدورات متتالية بمعنى أنه مستمرون في الانعقاد في البرلمان وصولاً إلى انتخاب رئيس للجمهورية».
وكان السفير المصري زار رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، معلناً «استمعتُ إلى أفكار جيّدة ومبشِّرة وتوجُّه إيجابي للغاية، ونأمل، بإذن الله، أن نتمكن من البناء على هذه التوجهات والأفكار مع القوى السياسيّة الأخرى وصولاً إلى الجلسة المقبلة لانتخاب الرئيس، وإن شاء الله نحن متفائلون، وبإذن الله ستحمل الفترة المقبلة أخباراً وأموراً إيجابيّة كثيرة للبنان، يستحقها الشعب اللبناني».
وفيما يتم تفعيل قنوات التواصل بين «القوات اللبنانية» ورئيس البرلمان في محاولةٍ لـ «استكشاف النيات» الحقيقية بإزاء المَخارج الممكنة للأزمة الرئاسية وهل سيكون متاحاً التفاهم على رئيسٍ بمعايير «مقتضيات التحوّل الكبير في المنطقة» وبما يحجز للبنان موقعاً في «الشرق الجديد»، كما أسماه الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، برزت زيارة رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل أمس، لبري، وسط اعتقادٍ من خصوم الأول أن أي مساعٍ أو مناورات للإيحاء بإمكان استيلاد رئيس على طريقة «الصفقات» لن تمرّ لأن لبنان تحت معاينةٍ لصيقة وأي سوء تقدير سيفوّت عليه فرصة العودة إلى الشرعيتين العربية والدولية.
رجالات نظام الأسد
ولم تهدأ في هذا الوقت تفاعلات التقارير التي تحدث عن دخول رجالات نظام الأسد الكبار إلى لبنان، سواء للمكوث أو عبوراً إلى دول أخرى.
وفيما طالب جعجع بالإعلان رسمياً وبوضوح تام بأن الدولة تمسك بالحدود اللبنانية - السورية، سائلاً رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسام مولوي، «هل صحيح أن بعض ضباط الأمن العام يتعاونون مع مجموعة أمنية من مخلفات حزب الله لإدخال عصابات من مخلفات نظام الأسد إلى لبنان»؟ كشفت صحيفة «نداء الوطن» أن عائلة ماهر الأسد، قائد الفرقة الرابعة في الجيش السوري، غادرت إلى عاصمة عربية عبر مطار بيروت، كما أن عائلات ضباط ومسؤولين أمنيين في النظام السابق، غادروا إلى أكثر من عاصمة عبر المطار.
كما تحدثت عن أن «أجهزة مخابرات غربية باشرت طرح أسئلة وتجميع معلومات عن ضباط الفرقة الرابعة وعن ضباط عراقيين وإيرانيين، غادروا عبر مطار بيروت، وفي حال ثبتت هذه المعطيات فإن لبنان سيكون عرضة لمساءلة قضائية دولية باعتباره يؤوي ويسهِّل تهريب مجرمي حرب».
في المقابل، أعلن مكتب شؤون الإعلام في المديرية العامة للأمن العام اللبناني أنه «إلحاقاً بما أدلى به وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي بعد انتهاء اجتماع مجلس الأمن المركزي الثلاثاء، تؤكد المديرية العامة للأمن العام أن عناصرها تنفذ المهمات على كل المعابر وفق القوانين اللبنانية والتعليمات الصادرة عنها، ووفق توجيهات السلطة السياسية. كما أنه لا يُسمح بمرور أي شخص مطلوب للقضاء الدولي أو المحلي».
وأضاف «نتيجة للأوضاع السورية المستجدة، يشهد معبر المصنع تدفقاً لعدد كبير من الوافدين السوريين، ويقوم الجيش والأمن العام باتخاذ الإجراءات لمنع وصولهم إلى الحدود قبل التأكد من استيفائهم شروط الدخول إلى لبنان، الأمر الذي تسبب بزحمة سير على الطريق الدولية لأيام عدة. وأن الاكتظاظ الشعبي ليس فلتاناً وفوضى، بل نتيجة للتشدد في الإجراءات المتخذة قبل الوصول إلى مركز الأمن العام».
شكوى في بيروت ضدّ الأسد وأعوانه
بجرائم «خطف وإخفاء وتعذيب لبنانيين»
| بيروت - «الراي» |
تقدّم حزب «القوات اللبنانية» و«حركة التغيير»، بمراجعة لمتابعة الشكوى المقدّمة منهما أمام النيابة العامة التمييزية ضدّ الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد وأركان نظامه، بجرائم «خطف وإخفاء وتعذيب لبنانيين».
وأعلن النائب السابق آدي أبي اللمع من أمام قصر العدل أن القوات «تقدمت بشكوى ضدّ الأسد والدولة السورية ووزيري الداخلية والدفاع ورئيس مكتب الأمن القومي اللواء علي مملوك، بجرائم «خطف وتعذيب وقتل لبنانيين، وطلبنا إصدار مذكرات توقيف بحقهم».
بدوره أشار رئيس «حركة التغيير» إيلي محفوض، إلى أنه «طلب إصدار مذكرات توقيف غيابية بحق الأسد وأعوانه، وإذا لم يحصل ذلك فسنلجأ إلى خطوات أخرى»، لافتاً إلى أنه «قدم معلومات موثقة ضدّ الأسد وأركان حكمه مدعمة بشهادات معتقلين محررين».