الجولاني «مُنتصراً» في دمشق... وسورية تطوي صفحة «البعث»

بشار الأسد «لاجئاً» في موسكو

8 ديسمبر 2024 10:30 م

- الشرع يضع مؤسسات الدولة تحت إشراف رئيس الوزراء «موقتاً»... والائتلاف الوطني يكشف عن خطة انتقالية
- الجلالي يدعو لانتخابات حرة... وحظر تجوّل في دمشق
- موسكو تُعلن أن الأسد أمر بـ «انتقال سلمي»

الساعة الرابعة فجراً من يوم الأحد، الثامن من ديسمبر 2024، ليس تاريخاً جديداً فحسب بالنسبة للسوريين وسورية، بل محطة تاريخية مفصلية استثنائية قد تؤسس لعقود.

فبعد أكثر من نصف القرن من إمساكه بالسلطة، خسر حزب البعث، الحكم في سورية مع إعلان فصائل معارضة دخولها دمشق و«رحيل» الرئيس بشار الأسد، إلى المنفى في موسكو، التي منحت له ولعائلته حق اللجوء «لدواعٍ إنسانية»، ليستيقظ سكان العاصمة السورية على مظاهر ابتهاج مع إطلاق الرصاص في الهواء لساعات، مترافقاً مع تكبيرات المساجد والهتافات والزغاريد، احتفالاً بختام صفحة قاتمة، وبزوغ فجر حرية جديد بالنسبة إليهم.

البلاد بعد هذا الفجر، تكون قد طوت صفحة حكم عائلة الأسد، التي امتدت منذ عام 1970، مع الرئيس حافظ الأسد حتى وفاته في العام 2000، ليتسلم نجله بشار مقاليد الحكم لـ 24 عاماً، دامت حتى فجر أمس.

فقد شهدت سورية خلال الـ 12 يوماً الماضية، تغييراً جذرياً تمثّل ببدء «هيئة تحرير الشام» وفصائل حليفة لها هجوماً واسعاً في الشمال، وسط دعوات متزايدة للحفاظ على وحدة الدولة وتجنب الفوضى، بينما يتعين على الحكومات الغربية، التي نبذت حكومة الأسد لسنوات، أن تقرر كيفية التعامل مع الإدارة الجديدة التي يبدو أن «هيئة تحرير الشام»، المصنفة «إرهابية»، ستتمتع بنفوذ كبير فيها.

وفي السياق، قال زعيم الهيئة أبومحمد الجولاني في بيان بثه التلفزيون الرسمي بعد السيطرة على دمشق، إن لا مجال للعودة إلى الوراء وأن الهيئة عازمة على مواصلة المسار الذي بدأته في 2011.

ونشرت فصائل المعارضة على قناة «تلغرام» مقطع فيديو للجولاني، وهو يسجد ويقبّل الأرض في مساحة خضراء يظهر بمحاذاتها طريق رئيسي، معنونة المقطع بـ»القائد أحمد الشرع يسجد لله شكراً فور وصوله دمشق».

وفي بيان تلاه مذيع عبر التلفزيون السوري الرسمي في وقت سابق عن لسان الجولاني، وأكّد «نواصل العمل بكل إصرار لتحقيق أهداف ثورتنا التي قامت من أجل العزة والكرامة والحرية، لا مكان للتراجع، ونحن مصممون على استكمال الطريق الذي بدأناه منذ 2011».

وختم «لن نتوقف عن النضال حتى تحقيق جميع حقوق الشعب السوري العظيم، المستقبل لنا ونحن ماضون نحو النصر».

وكان الجولاني، أكد في وقت سابق، أن المؤسسات العامة ستظل تحت إشراف رئيس الوزراء السابق محمد الجلالي حتى يتم تسليمها، بما يعكس بذل جهود تهدف إلى ضمان انتقال منظم للسلطة.

وحظر بيان حمل توقيع «القائد أحمد الشرع»، وهو الاسم الحقيقي للجولاني، على القوات العسكرية في دمشق الاقتراب من المؤسسات العامة أو إطلاق الرصاص في الهواء.

وحاول طمأنة الأقليات بأنه لن يتدخل في شؤونها، والمجتمع الدولي بأنه يعارض هجمات المتشددين في الخارج.

كما أعلنت «إدارة العمليات العسكرية»، حظراً للتجوال في العاصمة دمشق يبدأ من الساعة الرابعة عصراً وحتى الساعة الخامسة فجراً.

وكان الجلالي قال في كلمة بثها عبر «فيسبوك»، إنه سيبقى في منزله وسيواصل دعم جهود تصريف شؤون الدولة، داعياً إلى الحفاظ على مؤسسات الدولة التي وصفها بأنها «ملك للجميع».

وتابع الجلالي، الذي عينه الأسد في سبتمبر الماضي، في مقابلة مع قناة «العربية» إنه «حدث تواصل مع الجولاني بشأن كيفية إدارة الفترة الحالية» وأكد ضرورة أن تشهد سورية انتخابات حرة، مبدياً استعداده لتسليم المؤسسات إلى أي «قيادة» يختارها الشعب.

وعلى هامش منتدى الدوحة، قال زعيم المعارضة في الخارج هادي البحرة لـ «رويترز»، إن سورية يجب أن تشهد فترة انتقالية مدتها 18 شهراً لتوفير «بيئة آمنة ومحايدة وهادئة» من أجل إجراء انتخابات حرة.

وأضاف رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، أنه يتعين وضع مسودة دستور خلال ستة أشهر، ستكون أول انتخابات تجرى بموجبه استفتاء عليه.

وأضاف «‬الدستور سيحدد ما إذا كانت سورية ستتبع نظاماً برلمانياً أو رئاسياً أو مختلطاً، وعلى هذا الأساس ستجرى الانتخابات ويختار الشعب زعيمه».

من جانبها، أعلنت وزارة الخارجية، أنها «وبعثاتها الدبلوماسية في الخارج ستبقى على عهدها بخدمة كل الأخوة المواطنين، وتسيير أمورهم»، في وقت دعت وزارات ومؤسسات أخرى، موظفيها للالتحاق بعملهم.

وفي موسكو، قالت الناطقة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا «بعد مفاوضات بين بشار الأسد وعدد من المنخرطين في النزاع المسلح على الأراضي السورية، قرّر (الأسد) الاستقالة من منصبه الرئاسي ومغادرة البلاد، مع إعطاء التعليمات بالشروع في عملية انتقال سلمية للسلطة».

ميدانياً، أعلنت الفصائل المسلحة، السيطرة على كامل مدينة منبج في ريف حلب الشمالي، بعد أن كانت تسيطر عليها «قوات سورية الديمقراطية» (قسد). كما دخلت قوات المعارضة دير الزور شرقاً.

«انتصار الثورة السورية العظيمة»

بثّ التلفزيون الرسمي السوري عبارة «انتصار الثورة السورية العظيمة» على شاشته بعيد إعلان الفصائل المعارضة صباح أمس، عبره إسقاط «الطاغية» بشار الأسد، داعية المواطنين والمقاتلين للحفاظ على ممتلكات الدولة.

وأطلت مجموعة من تسعة أشخاص عبر شاشة التلفزيون الرسمي من داخل استوديو الأخبار.

وتلا أحدهم بياناً نسبه الى «غرفة عمليات فتح دمشق»، أعلن فيه «تحرير مدينة دمشق وإسقاط الطاغية بشار الأسد وإطلاق سراح جميع المعتقلين المظلومين من سجون النظام».

وبثّت بعد ذلك بشكل متواصل شاشة التلفزيون السوري الرسمي عبارة كتبت فوق خلفية حمراء «انتصار الثورة السورية العظيمة وإسقاط نظام الأسد المجرم».

وكانت الفصائل أعلنت عبر حسابها «إدارة العمليات العسكرية» على «تلغرام»، «الطاغية بشار الأسد هرب»، و«نعلن مدينة دمشق حرة».

وأضافت «بعد 50 عاماً من القهر تحت حكم البعث، و13 عاماً من الإجرام والطغيان والتهجير (...) نعلن اليوم (...) نهاية هذه الحقبة المظلمة وبداية عهد جديد لسورية».ودعت السوريين المهجّرين في الخارج للعودة إلى «سورية الحرة».

دمشق تستيقظ على التكبيرات

مع حلول آذان الفجر، انطلقت من عدد من مساجد العاصمة تكبيرات العيد «الله أكبر الله أكبر الله أكبر والحمدلله. الله اكبر كبيراً. والحمدلله كثيراً».

كما أطلقت من المساجد نداءات للناس لالتزام منازلهم وعدم الخروج إلى الشارع. ورغم ذلك، اندفع العشرات باتجاه ساحة الأمويين في العاصمة السورية للاحتفال، حيث انطلقت الهتافات والزغاريد من كل مكان.

في حديقة بالوسط التجاري بالعاصمة، تجمّع العشرات من السكّان محتفلين بسقوط بشار الأسد، هاتفين «الله أكبر». ثم أسقطوا تمثالاً في المكان للرئيس السابق حافظ الأسد، وحطموه بالعصي، ووقفوا عليه وهتفوا رافعين شارات النصر.وفي بعض الشوارع، شوهد مسلحون يطلقون عيارات نارية في الهواء ويهتفون «سورية لنا وما هي لبيت الأسد».

8 ديسمبر... عيد وطني

أعلن «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة» السورية، تاريخ الثامن من ديسمبر من كل عام، عيداً وطنياً.

وأفاد الائتلاف، في بيان نشره على موقعه الإلكتروني: «نهنئ الشعب السوري العظيم وجميع أبنائه وبناته بتحرير سورية من نظام الأسد المجرم، بعد 14 عاماً من النضال السلمي والمسلح، من الصيحات والرصاصات، من أجل الحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة والعيش الآمن والكريم».

وأضاف: «نعلن تاريخ الثامن من ديسمبر من كل عام عيداً وطنياً لسورية، لأنه يوم انتصار الشهداء والضحايا، يوم انتصار المعتقلين والمهجرين والمظلومين، يوم انتصار الحق والعدالة على الإجرام والظلم».

وتابع الائتلاف: «نهيب بشعبنا في كل المحافظات السورية أن يحرص أشد الحرص على الممتلكات العامة والمباني والمنشآت باختلافها، فهي ملك للشعب».

الجيش السوري

فور شيوع نبأ رحيل الرئيس بشار الأسد، عمد جنود في أنحاء عدة في دمشق إلى خلع ثيابهم العسكرية.

وكانت قيادة الجيش، أبلغت الضباط، فجر أمس، بأن حكم الأسد «قد انتهى»، حسب ما أبلغ ضابط مطلع على الأمر، وكالة «رويترز».

وأكدت مصادر من المعارضة المسلحة، انسحاب ضباط وعناصر النظام من مقر وزارة الدفاع وقيادة الأركان في دمشق، في حين أكدت مواقع سورية توقف جميع الرحلات في مطار دمشق الدولي وإخلائه من العاملين.

ومع انسحاب الجيش وغيابه بحكم الأمر الواقع عن كل مناطق سيطرته، بما في ذلك منشآت حيوية، تواجه الفصائل المسلحة التي تتقاسم السيطرة في سورية تحديات كبيرة مع وجود مجموعات ذات مصالح قد تكون متباينة.

ويقول الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط مهند الحاج علي إن «التحدي الأساسي اليوم يكمن في إعادة بناء الدولة السورية، والانتقال من مرحلة الفوضى والتشرذم».

وأضاف «حتى الآن، أظهرت الفصائل وعياً حيال التعاطي مع الأقليات والأسرى، على أمل ترجمة ذلك في إعادة تكوين مؤسسات الدولة».

وقال شاهد عيان لـ «فرانس برس»، إنه رأى صباح أمس، عشرات الآليات والسيارات العسكرية متروكة في منطقة المزة التي تضم مقرات أمنية وعسكرية ودبلوماسية.

وذكر جنود تحدثت إليهم «فرانس برس» انه طلب منهم إخلاء مواقعهم والعودة الى منازلهم. وتابع أحدهم وهو يخدم في أحد الفروع الأمنية «طلب منّا رئيسنا المباشر الإخلاء والتوجه إلى منازلنا، فعرفنا أن كل شيء انتهى».

وفي الطريق من حمص (وسط) باتجاه دمشق، شاهد مراسل «فرانس برس» مئات العسكريين السوريين الذين تجمعوا قرب حواجز للفصائل المعارضة.

ويعدّ الجيش السوري من أكثر المؤسسات التي استنزفت سنوات الحرب عديدها وعتادها، مع خسارته نصف عديده الذي كان مقدراً بـ300 ألف عسكري قبل 2011.

وخلال الأيام الأخيرة، أجمع محللون على عجز الجيش السوري عن استعادة المبادرة في الميدان، من دون دعم فعلي من حليفتيه روسيا وإيران.

علم المعارضة

على منصة «فيسبوك»، استبدل إعلاميون سوريون وموظفون حكوميون وحتى أعضاء في مجلس الشعب صورهم الشخصية بصورة العلم الذي تستخدمه المعارضة.

وكتب وضاح عبدربه، رئيس تحرير جريدة «الوطن» التي كانت محسوبة على السلطات، «الإعلام السوري والإعلاميون لا ذنب لهم، كانوا وكنا معهم ننفذ التعليمات فقط وننشر الأخبار التي يرسلونها لنا».