عيْن على «تنظيمِ» آليات تطبيق اتفاق وقف النار في لبنان عبر لجنة الرقابة والإشراف الخماسية بقيادةٍ أميركية التي تبدأ مهماتها اليوم، وعيْن أخرى على «كرة النار» التي تَدَحْرَجَتْ فجأةً في شمال سورية وبدا وكأنها «تسلّمتْ الشعلة» من الحربِ الطاحنة في «بلاد الأرز» ما أن «استراحت» في يومها الـ65.
هكذا كانت بيروت أمس وهي ترصد «على خريطتين»:
- خطةَ ترجمةِ مَضامين اتفاق وقف النار ومراحله المتدرّجة على امتداد 60 يوماً (بدأت في 27 نوفمبر) والتي تحرص اسرائيل بـ «عمليات تذكيريةٍ» على تأكيد «تَزامنها» بين جنوب الليطاني وشماله في ما خص تفكيك البنية العسكرية لـ«حزب الله» وإزالة مخاطرها على تل أبيب.
- والمفاجأة «غير السارة» للنظام السوري وطهران التي تشكّلها معركة «ردع العدوان» المباغتة التي أطلقتْها «هيئة تحرير الشام» مع فصائل أخرى من المعارضة في الشمال السوري ولا سيما حلب، والتي تأتي على خطّ جيو – سياسي بالغ الأهمية والتعقيد، وتتشابك فيها الحسابات والمصالح ومواقع النفوذ، بين تركيا وروسيا وإيران، وصولاً إلى الولايات المتحدة.
وفي وقت مضتْ إسرائيل في ترسيم ما يَشي بأنه «خطوطٌ حمر» حول اتفاق وقف النار في لبنان، «حَجَزَت» معها «بالنار» رقعةً تضمّ أكثر من 60 بلدة على طول الحدود الجنوبية من الناقورة حتى شبعا (وبعمق قد يصل إلى أكثر من 5 كيلومترات) لن «تُفرج» عنها إلا على مراحل وخلال فترة الـ60 يوماً وبعد ضمان أن الجيش اللبناني بدأ يُطَبِّقُ إجراءاتِ الاتفاقِ «بدءاً من جنوب الليطاني»، وصولاً إلى تكريسها المبكّر لـ«وحدة المسارات» في التنفيذ بين هذه البقعة وشمال الليطاني، وجدتْ بيروت نفسها مشدودةً إلى الحدَث السوري لأكثر من اعتبار.
فإلى جانب الامتداد الجغرافي لمعارك حلب ومحيطها وإدلب مع لبنان من جهة عكار ومناطق شمالية أخرى والخشية من موجات نزوح جديدة والحاجة إلى التحسب الأمني لإمكان أن يتسبّب «اهتزاز الأرض تحت أقدام» النظام السوري للمرة الأولى منذ أعوام بتحريكِ خلايا نائمة إذا وُجدت، فإنّ «إضرامَ النار» تحت الرئيس بشار الأسد، غداة تحذير بنيامين نتنياهو إياه - في خطاب إعلان وقف النار في لبنان - من «اللعب بالنار» اعتُبر مؤشراً ليس فقط إلى قرار «فوق عادي» بقطْع أذرع إيران أينما كان و«قَطْع أوكسيجين» التسليح عنها عبر سورية، بل أيضاً إلى أن «لا عودة إلى الوراء» في ما خصّ «نزْع أنياب» حزب الله وإنهاء ما تَعتبره تل أبيب «خطراً» يشكّله عليها «لمرة واحدة ونهائية»، فإن لم يكن عبر آلية اتفاق 27 نوفمبر فـ«بيدها» الطليقة والتي تتعمّد تظهيرها بـ«طلقاتٍ» جنوب الليطاني وشماله وصولاً إلى الحدود مع سورية.
ولم يكن عابراً أمس أن إسرائيل التي هاجمتْ في سورية بنى تحتية عسكرية قرب المعابر الحدودية مع لبنان زاعمةً أن «حزب الله» «استخدمها بشكل نشط لنقل وسائل قتالية» وموضحة «أن الغارة جاءت بعد رصد نقل وسائل قتالية للحزب حتى بعد اتفاق وقف النار ما يشكل تهديداً لدولة إسرائيل وانتهاكاً لتفاهمات الاتفاق»، نفّذت أيضاً غارة على تبنا في البيسارية (قضاء صيدا شمال الليطاني) مستهدفةً ما قالت إنه «موقع عسكري تابع لحزب الله فيه منصات إطلاق صواريخ» ما أدى إلى سقوط جريح، بالتوازي مع توغُّل الدبابات إلى مناطق في بلدة عيترون (لم تكن دخلتها خلال الحرب) وإطلاق النيران المدفعية وبالرشاشات على بلدات عدة منعاً للأهالي الذين يسعون لتفقد منازلهم وأرزاقهم، وصولاً لتنفيذ غارة على سيارة في مجدل زون حيث أصيب ثلاثة أشخاص بجروح بينهم طفل يبلغ من العمر 7 سنوات.
وفيما كانت الخريطة التي أُرفقت باتفاقِ وَقْفِ النار، وفيها خطّ «محدّث» لنهر الليطاني (الذي سيبدأ تجفيف الوجود العسكري لحزب الله من جنوبه) حَمَلَ تسمية «الخط الجديد 2024» ويوسّع «حزامه» (يبدأ من نقطة على الساحل على بعد نحو 29 كيلومتراً شمال الحدود الإسرائيلية) نحو شمال بلدة يحمر (النبطية)، تشغل الأوساط السياسية، فإنّ إسرائيل لم توفّر «المرحلة الانتقالية» الفاصلة عن اكتمال نصاب الآلية التطبيقية للاتفاق لمزيد من «تعميق الجِراح» إلا بتظهير «تَفَوُّقها» في تنفيذ وقف النار و«توجيهه» نحو أهدافها «العميقة» وغير المبرَزة في «النص الصريح»، أي في اتجاه تأكيد أن «حزب الله» لن يكون قادراً على «معاودة ترميم جسمه العسكري» ولا أن يشكل تهديداً لها «من كل المسافات».
ففي حين كانت تل أبيب تظهر أيضاً، ومجدداً، «سيطرتَها» بالآلة الحربية على مجمل جنوب الليطاني من خلال تكرار «يُمنع منعاً باتاً التنقل أو الانتقال جنوب النهر ابتداء من الساعة الخامسة مساء وحتى الساعة السابعة صباح اليوم التالي»، فإن العيون شخصت على أول اجتماع ستعقده «اللجنة الخماسية» اليوم في مقر قيادة «اليونيفيل» في الناقورة لبحث الخروق الإسرائيلية وآلية التنسيق بين الأطراف المعنيين في الجنوب.
وكانت القيادة الوسطى الأميركية «سنتاكوم» أعلنت وصول الجنرال جاسبر جيفرز، قائد العمليات الخاصة إلى بيروت ليقوم بمهمةٍ كرئيس مشارك، إلى جانب المبعوث الأميركي للشرق الأوسط عاموس هوكشتاين، لمراقبة آلية التنفيذ والمراقبة بشأن وقف الأعمال العدائية بين إسرائيل ولبنان، مؤكدة أن هوكشتاين سيبقى كرئيسٍ مشارك مدني حتى يتم تعيين مسؤول مدني دائم في بيروت.
وإذ قال متحدث باسم «سنتاكوم» لـ«سكاي نيوز عربية»، إن أولى مهمات الجنرال جيفيرز هي التنسيق مع الجيش اللبناني لانسحاب عناصر حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني (29 كلم) عن الحدود مع إسرائيل وجعْل المنطقة تحت سيطرة الجيش اللبناني، فإن أوساطاً مراقبة توقفت عند أن «حزب الله» تجاهَل الخروق الإسرائيلية في تعبير عن عدم رغبةٍ بربط نفسه بأي ردودٍ ليس في واردها بأي حال، وسط اعتقادٍ بأنه مع بدء عمل «الخماسية» وتأكيد أن مَهمّتها ستكون لِما بعد مهلة الستين يوماً، فإن الضابيةَ التي ستسود بعض مضامين الاتفاق ستنجلي، وبينها:
* «التزامن» الذي يُرجّح أن تعتمده تل أبيب بين «الشكاوى» على مقلبيْ الليطاني، لتكريسِ «الامتداد الشامل» للاتفاق في ما خص منشآت حزب الله ومواقعه العسكرية وسلاحه.
* ووضع لبنان أمام أول اختبار «رسمي» لكيفية تصرُّفه بإزاء هذه الشكاوى قبل «أن تتصرف بنفسها» وفق «حرية الحركة» التي نالتْها بموجب كتاب الضمانات الأميركي والتي مارستْ «أول نسخها» في الساعات الـ48 الماضية.
وكان الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أعلن في خطاب «النصر الكبير الذي يفوق النصر الذي تحقق عام 2006» أن اتفاق وقف النار «تمّ تحت سقف السيادة اللبنانية، ووافقنا عليه ورؤوسنا مرفوعة بحقنا في الدفاع، وهو ليس معاهدة، بل هو عبارة عن برنامج إجراءات تنفيذية لها علاقة بالقرار 1701، يؤكد على خروج الجيش الإسرائيلي من كل الأماكن التي احتلها، وينتشر الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني كي يتحمل مسؤوليته عن الأمن وعن إخراج العدو من المنطقة».
وفيما أكد أن «التنسيق بين المقاومة والجيش اللبناني سيكون عالي المستوى لتنفيذ التزامات الاتفاق، ونظرتنا للجيش اللبناني أنه جيش وطني قيادة وأفراداً، وسينتشر في وطنه ووطننا»، أطلّ على «الوجه السياسي» لـ«اليوم التالي» للحرب مشدداً على «أننا سنتابع مع شعبنا وأهلنا عملية الإعمار وإعادة البناء، وسنهتم باكتمال عقد المؤسسات الدستورية وعلى رأسها انتخاب الرئيس، رئيس الجمهورية، وإن شاء الله يتم هذا الانتخاب في الموعد المحدد في 9 يناير، وسيكون حضورنا في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية فاعلاً ومؤثراً بما يواكب ظروف البلد الذي يتطلّب نهضة حقيقية، وسيكون عملنا الوطني بالتعاون مع القوى السياسية التي تؤمن بأن الوطن لجميع أبنائه، وسنتحاور مع كل القوى التي تريد بناء لبنان الواحد المستقل في إطار اتفاق الطائف (...) وستكون المقاومة جاهزة لمنع العدو من استضعاف لبنان بالتعاون مع شركائنا في الوطن وفي الطليعة مع جيشنا الوطني».
وفي حين كانت المؤشرات تزداد إلى أن جلسة 9 يناير الرئاسية ستنتهي بانتخاب رئيسٍ جديد، يكمل مفاعيل «وقف النار» مع ترجيح أن يكون امتداداً لـ «وهجه» وروحيته، بمعنى أن يعكس تراجُع «حصة» حزب الله في النفوذ السياسي، تلقّى رئيس البرلمان نبيه بري اتصالاً من رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف تداولا خلاله بتطورات الأوضاع الراهنة في لبنان والمنطقة.