فيما كشف مستشار رئيس جمهورية جنوب السودان لشؤون الأمن القومي الفريق توت قلواك، عن خطة لاستضافة الكويت مؤتمراً استثمارياً مخصصاً لدولة الجنوب، تُدعى إليه جميع صناديق الاستثمار الخليجية والعربية، لاقتناص الفرص الاستثمارية الواسعة هناك، أوضح أن جدول زيارته للكويت في الأيام الماضية، تضمن أيضاً محادثات مع السلطات الكويتية لاستحداث خط طيران مباشر بين البلدين.
وقال الفريق قلواك، في حوار مع «الراي»، إن الكويت من أولى الدول التي نفذت مشاريع تنموية في بلاده، حتى قبل انفصالها عن جمهورية السودان عبر الاستفتاء، مشيراً إلى مساهمة الكويت في بناء «جامعة جوبا» في الجنوب عام 1977.
وأضاف أن علاقات البلدين قديمة ومتجذرة، مستذكراً السفير الكويتي الراحل عبدالله السريّع، الذي قال إنهم كانوا ينادونه بـ«عبدالله جوبا»، لارتباطه الوثيق بالجنوب، وأنه عند وفاته أقامت له مختلف المدن هناك مناسبات تأبين لشدة محبتهم له.
ونفى الفريق قلواك أن تكون اتفاقية «عنتيبي» لدول حوض النيل، التي وقّعت عليها بلاده ودخلت حيز التنفيذ أخيراً، تستهدف استقطاع المياه من مصر أو السودان أو تسبيب الضرر لهما، مشدداً على أن دولة الجنوب «تعتبر البلدان الثلاثة شعباً واحداً، لا يمكننا التفكير أبداً في إيذائه»، لافتاً إلى أن مصر «قدمت لنا الكثير، وأقول لأهلنا هناك: لا تنزعجوا».
وفي ما يلي نص الحوار:
• يمكن القول إن الكويت هي أول دولة عربية تضخ استثمارات في جنوب السودان، حتى قبل استقلال الجمهورية في 2011. حدثنا عن تاريخ العلاقات بين البلدين، وإسهامات الكويت في تنمية دولة الجنوب؟
- بالطبع، علاقاتنا بالكويت قديمة جداً، فالكويت من أولى الدول المبادرة بطرح مشروعات تنموية في جنوب السودان، منذ عام 1974، كما امتدت الأيادي الكويتية لتأسيس جامعة جوبا عام 1977، وكان هناك مكتب للكويت لمتابعة المشاريع التي تموّلها برئاسة المرحوم السفير عبدالله السريّع، الذي أطلقنا عليه نحن كجنوبيين لقب «عبدالله جوبا»، لشدة ارتباطه بالجنوب وعلاقته القوية بالمواطنين هناك، وعند وفاته أقامت له مختلف مدن الجنوب مناسبات تأبين، فالعلاقة بين شعبي بلدينا قديمة ومتجذرة.
• ما سبب زيارتكم للكويت؟
- خصصنا هذه الزيارة لتجديد وتطوير علاقاتنا مع الكويت، خصوصاً بعد انفصال دولة جنوب السودان وافتتاح سفارة للكويت في جوبا وسفارة لنا في الكويت، بدعم من سمو أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد، الذي كانت علاقته حميمة مع جنوب السودان، وهناك مشاريع مسبقة للكويت في الجنوب، منها مشروع طريق السلام الذي يربط بين مدن الجبلين والرنك وجوبا وملكال وبور، وهو بدعم كويتي، وغيرها من المشاريع، ونطمح الآن الى تجديد العلاقة المتينة مع الكويت بقيادة سمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد، الذي نشكره كثيراً على مواقفه معنا، ومعروف أن الخير في أسرة الصباح وشعب الكويت، كبير وممتد، وشعب جنوب السودان يكنّ للكويت وأهلها كل حب واحترام، ومن أهداف الزيارة كذلك محاولة جذب استثمارات كويتية في المجالات كافة، واستحداث خط طيران مباشر بين البلدين.
مؤتمر استثماري
• كيف يمكن تفعيل الاستثمار الكويتي في جنوب السودان؟ وهل لديكم خطة لبدء حملات ترويجية بهذا الخصوص؟
- نخطط للتفاهم مع دولة الكويت، لكي تستضيف مؤتمراً استثمارياً خاصاً بجنوب السودان، بمشاركة جميع الصناديق الاستثمارية في الوطن العربي، للترويج للعديد من الفرص الاستثمارية في بلدنا، في مجالات عديدة مثل الزراعة والثروة الحيوانية.
ويعتبر جنوب السودان تربة استثمارية خصبة، عطشى لدخول رجال الأعمال العرب والكويتيين على وجه الخصوص، لزيارة مناطقه ورؤية ما يلائمهم من مجالات.
• كيف تصفون الأوضاع الأمنية في جنوب السودان، خصوصا أنكم تعلمون أن رأس المال جبان؟
- الأوضاع مستقرة في الجنوب الآن، صحيح كانت هناك مشاكل لكن الوضع استقر بعد جلوس المتحاربين للتفاوض والاتفاق على أن القتال لا يجدي نفعاً ولا يقدّم خيراً للبلد، والمهم هو تقديم التنيمة لشعبنا وجلب الاستثمار لبلدنا، وبالتأكيد لن يصمد رأس المال في بيئة غير مستقرة.
مياه النيل
• وقّعتم في أغسطس الماضي، على اتفاقية «عنتيبي» لدول حوض النيل، وقد ثار جدل حولها بعد دخولها حيز التنفيذ، بسبب رفض مصر والسودان، للاتفاقية. ألا تخشون أن يتسبب توقيعكم على الاتفاقية في إثارة مشاكل بينكم وبين هاتين الدولتين؟ خصوصاً أن العلاقات بينكم تبدو جيدة !
- لا نتصوّر أن تكون هناك مشاكل، فنحن نعتبر جنوب السودان والسودان ومصر، شعباً واحداً بمصير مشترك، وتوقيعنا على الاتفاقية لم نقصد به مصر أو السودان، فجميعنا جيران ونعمل تحت مظلة الاتحاد الافريقي ووفق قرارات جماعية. علاقاتنا جيدة مع السودان الذي يمر بحرب داخلية حرجة الآن، ونحن نقف مع شعبه وندعم استقراره. كما أن علاقتنا مع مصر جيدة أيضاً، فشعب مصر قدّم لنا الكثير ولا يمكننا التفكير في إلحاق الضرر به، لا نحن ولا بقية دول حوض النيل، لقد ساعدونا في التعليم والصحة ومجالات عديدة حيوية، وفي كل الأحوال، سوف نجلس معاً مع قيادات السودان ومصر وبقية دول الحوض ونحدد نسبة كل منا في مياه نهر النيل، وكذلك لتوضيح أي التباس أو فهم خاطئ لبنود الاتفاقية، لكي تطمئن جميع الشعوب ولا تكون هناك مزايدات غير موضوعية.
ثروة قومية
• لكن ما يجري تداوله من حديث، يدور حول أن اتفاقية «عنتيبي» لا تعترف بالحصص التاريخية لمصر والسودان في مياه النيل. كيف تنظرون إلى ذلك؟
- هذا غير صحيح، ما يقال ليس سوى حديث تروجه بعض وسائل الإعلام بطريقة مرتبكة وغير ناضجة، في محاولة لتوتير الأجواء. أؤكد لك أن دخولنا في الاتفاقية لا يؤثر على حصص مصر والسودان، نحن بلد واحد، وإذا كانت هناك خلافات فإنها ستعالج بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، ويناقش كل طرف حقوقه في مياه النيل ومقدار حصته، وبالنسبة لنا في جنوب السودان نحن دولة مصب لا دولة منبع، فالنيل لا ينبع من دولتنا بل يمر بنا ويمضي إلى السودان ومصر، وليس في مقدورنا أصلاً منع عبور مياهه، ونقول لأهلنا في مصر لا تنزعجوا.
• الآن، وقد دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ، ما الخطوات التي ستتبعها الدول الموقعة على الاتفاقية؟ وإلى أي مدى ستكون هذه الخطوات غير مؤذية للدول غير الموقعة؟
- أؤكد لك، أنه لا تستطيع أي دولة في دول حوض النيل حبس المياه عن غيرها، فنهر النيل ثروة قومية لجميع دوله، واذا تم الاتفاق على شيء فهو يتصل بتقسيم الحصص، ولم يتم بعد إنشاء المفوضية المختصة بذلك التقسيم، والتشاور قائم بين قيادات السودان ومصر واثيوبيا وجنوب السودان وأوغندا، في كيفية تسيير المياه دون إضرار بأحد.
نحفظ الجميل لمصر وشعبها
قال الفريق توت قلواك إن «بلاده لا تكنّ عداءً لأي دولة، وعلاقاتها جيدة مع جميع الدول، خصوصاً التي ساعدتها ووقفت مع شعبها في أزماته، وبين هذه الدول مصر، التي قال عنها: مصر تهمّنا، وكذلك السودان يهمّنا، وبالتالي لا يمكن أن نشترك في أمر يسبب لهما الضرر». وأضاف:«انظر الآن، حين نشبت الحرب في السودان الشمالي، معظم الشعب الشقيق هناك لجأ إلى مصر، كما لجأ عدد كبير منه إلى الجنوب، هذا يدل على العلاقات المتينة التي تربط الشعوب. مسألة أخرى، لدينا جالية جنوبية كبيرة في مصر، يصل تعدادها إلى مليون شخص، ومصر تعاملنا بشكل طيب منذ زمن بعيد، ونحن نحفظ الجميل لمصر وشعبها».
قديم... دعم الكويت لجنوب السودان
أعرب الفريق توت قلواك، عن «الشكر لدولة الكويت، قيادةً وحكومةً وشعباً، لما قدمته من دعم قديم ومتواصل لجنوب السودان، ونشكر الوطن العربي قاطبة، لعطفه على دولتنا الجديدة. ودولة الكويت معروفة بتقديم المساعدات، وقد حركت جسراً جوياً لمساعدة أشقائنا في السودان الشمالي خلال الحرب الدائرة حالياً، وأيضاً إلى جنوب السودان الذي لجأ إليه الآلاف من أشقائنا السودانيين، ونشكر جميع مجهوداتهم، ونأمل في أن تكون علاقتنا جيدة ومتينة ومتجددة».