كلمة صدق

ضبابية مصطلح «الدولة العميقة»

12 نوفمبر 2024 10:00 م

قفز مع الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة مصطلح «الدولة العميقة» ليعلل عبره بعض من المحللين السياسيين ما أفرزته صناديق الاقتراع من فوز دونالد ترامب، فوزاً كاسحاً بالعكس من أكثر التوقعات التي كانت ترجح كفة مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس.

تتكلم قواميس المصطلحات وبالخصوص منها السياسية عن مصطلح الدولة العميقة فتصفه بأنه شبكات سرية أو خفية من جهات غير منتخبة وأخرى حكومية ورموز مالية وأحياناً عسكرية تؤثر على صناعة وصناع القرار.

والمشكلة الآن أن هذا المصطلح واسع التعريف وغير المحدد بالتوصيف والذي عكس زعماً حالة معينة، أصبح عنواناً لما لا عنوان له وأصبح وصفة لغوية سحرية يتهرب منها بعض من المحللين السياسيين والكُتّاب وبعض وسائل الإعلام في وصف الوضع السياسي أو الموقف السياسي في بلد ما، ويكتفون بإطلاق وصف الدولة العميقة للهروب السهل والكسول أحياناً من توصيف الحالة السياسية المنشودة وصفاً دقيقاً.

فمثلا هناك من يختصر تسمية القوى المؤثرة في السياسة الأميركية بإطلاق وصف الدولة العميقة، بينما هناك وصف ملموس وغير مخفي للقوى التي تؤثر على صناعة القرار والتي يسعى الحزبان الرئيسيان الجمهوري والديمقراطي لنيل دعمها.

لماذا دونالد ترامب، حالياً وعكس ما كان عليه في فترة حكمه السابقة، أصبح مع تخفيف استخدام الحظر الاقتصادي على الدول وأصبح ضد استخدام الدولار كسلاح، وأصبح مع إيقاف الحروب كما أعلن وكما وعد ناخبيه الذين صوّتوا ضد حزب الحرب حالياً وهو حزب بايدن وهاريس، لأن مجموعة المصالح المتعددة ضغطت وتضغط من أجل مصالحها بتخفيف استخدام الدولار كسلاح حتى لا يفقد مكانته، وكذلك مجموعات المصالح ذات الطابع الاقتصادي هي مع فتح آفاق تجارية جديدة لأميركا وهذا يتطلب إيقاف الحروب.

المصطلح والوصف السهل الذي يرتاح في طرحه كثير من المحللين باستخدام «الدولة العميقة» في أميركا، يمكن وصفه بشكل أدق وهي مجموعات المصالح وما تمثله من مجاميع ضغط ولوبيات سياسية واقتصادية وغيرها.

هناك مجموعات ضغط من شركات النفط الكبرى التي تشكل جزءاً من مجاميع الضغط أو التأييد للسياسيين لحماية مصالحها، مثلاً تضغط من أجل تخفيف الضغوط عليها بخصوص المناخ على سبيل المثال.

وهناك مجموعة السلاح مثل جمعية البندقية الأميركية التي تؤثر على صناعة القرار. وهناك لوبيات معروفة في قوة تأثيرها كاللوبي الصهيوني أو اليهودي في أميركا والذي تنطوي تحته عشرات القوى اليهودية المالية والصناعية والسياسية والاقتصادية في أميركا ومن بينها لجنة أيباك، التي تعتبر من أقوى مجموعات الضغط السياسي في أميركا. وهناك كثير من القوى المؤثرة على صناعة القرار الأميركي ليس من السهل عدها في هذه القوة العالمية الكبرى.

أخيراً، فالمصطلح المتداول إعلامياً بالوسائط الإعلامية المختلفة أي «الدولة العميقة» والذي يتم تداوله على كل شاردة وواردة، هو مصطلح قاصر ومطاطي في آن واحد، وهو لا يشبع نهم القارئ والمستمع لمعرفة حقائق الأمور بوصف تفصيلي حقيقي ودقيق.