ألوان

رميته بعصا السنوار

27 أكتوبر 2024 10:00 م

عرفت شعوب العالم بالكثير من الموروثات ومنها عنصر الأمثال الشعبية التي غالباً ما تكون قديمة اثر حادث أو موقف ما فينتشر بين مختلف رجل الشارع.

أعتقد أننا بصدد إضافة مَثَل عصري يعود إلى عام 2024م بعد أن قام الشهيد يحيى السنوار، بحذف عصاه في وجه الغزاة، وقتها كان جسده مثخناً بالجراح والدماء، فألقى ما كان متوافراً وهي دلالة على البقاء في فريضة الجهاد حتى النهاية، وهذا ما سيدفع الكثير من الناطقين بالعربية إلى استخدام مثل جديد تجاه بعض القضايا بعد أن يشعر بأنه قام بكل شيء تجاه طرف آخر فيقول «رميته بعصا السنوار»، والطرف الآخر قد يكون شخصاً ما أو جهة ما.

إن السنوار على ثقة من أنه لن ينجح في تحرير فلسطين إنما هو ومن معه مجرد مرحلة متصلة إلى ذلك النصر، فلم يرفع الراية البيضاء، ولم يفكر بنفسه فقط بل فكر بشعبه داخل فلسطين وفي الشتات، وهو يدرك الواقع العربي والظروف المحيطة بغزة، لكنه كان مصراً على الجهاد ضد كيان يمتلك ترسانة الحرب الكبرى يمارس القتل على مدى عقود من الزمن لقتل الأطفال والنساء والرجال العزّل، فكان دفاعه ومن معه بالأسلحة البسيطة المتاحة.

وقد قال عنه الكثير من غير بني جلدتنا كلاماً حقاً في حقه، منهم الكاتب الإسرائيلي ألون مزراحي، حين قال إن السنوار مات ميتة مشرفة مع شعبه ضد محتل يسعى للإبادة ولم يسقط في عمل غير لائق، فلقد مات وهو يقاتل. لتكمل ناشطة بريطانية أنه كان بطلاً رغم انقطاع يده، إلا أنه كان ملتزماً بثورته فألقى بعصاه باتجاه طائرة الدرون، مشيرة إلى أن الكثير من القادة السياسيين لا يقاتلون مثله.

وقال السيناتور الأميركي بيرني ساندرز، إن إسرائيل خرقت القانون الدولي وانتهكت القانون الأميركي ولا ينبغي أن تتلقى سنتاً آخر من المساعدات العسكرية الأميركية لأنها خاضت حرباً ضد الشعب الفلسطيني بأكمله وكانت النتائج كارثية ومأسوية ليس على مستوى القتلى والجرحى والآلاف من الجياع والشعب الأميركي لا يريد أن يكون متواطئاً. كما نشرت «نيوزويك» عنواناً مؤثراً عنوانه «عام على حرب غزة مقبرة المبادئ الغربية» وهو عنوان يمثل صفعة في وجه الوعي الغربي تجاه قضية عادلة.

نعم، مات السنوار مجاهداً من أجل شعبه وأمته ولم يكن مختبئاً في الأنفاق ومعه الأسرى من جنود الصهاينة كدروع بشرية لحمايته، ولم يكن يعيش مع أسرته في تركيا في قصر كبير ويدير شركات استثمارية تقدم له الملايين من الدولارات، فهو قبل طوفان الأقصى كان زاهداً إذ انه كان يتناول في وجبة الفطور رغيف خبز مع زيت زيتون فلسطيني غير مغشوش، ثم يشرب معه الشاي ولعل هذا «الريوق» المتواضع لم يكن متوافراً بعد تشديد الحصار على أهل غزة.

لقد رفض شرفاء العالم رسالة المجرم نتنياهو الذي يعتقد أن أكاذيبه ما زالت تحظى بالتأييد والصمت العالمي إزاء ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة لتكون الضفة الغربية وغزة والجولان تابعة لإسرائيل، ثم احتلال لبنان وإشعال حرب شاملة مع إيران بمشاركة الولايات المتحدة الأميركية شاءت أم أبت لتكون منطقة الشرق الأوسط في حالة قلق وعدم استقرار إلى فترة غير معروفة.

ولقد هاجم نتنياهو الأمم المتحدة ومؤسساتها وكل دولة قامت بانتقاده أو بالتلميح إلى ضرورة مراعاة الإنسانية في الحرب كما فعلت فرنسا، وهو يتحدث عن سلام مع الدول العربية بينما يرتكب جرائم ضد الفلسطينيين كل يوم، كما انه كان وما زال يعمل على تشويه صورة حماس.

ولم تكن المقاومة ضعيفة رغم قلة الإمكانات إلا أنها قامت بعمليات نوعية كان العامل الإعلامي له دور رئيسي في انتشارها عالمياً، ما أحرج قادة الكيان خاصة أن اغتيال إسماعيل هنية، والسيد حسن نصر الله، ومعهما السنوار، لم يعمل على إضعاف العمليات الجهادية بل ازدادت بدءاً بضرب مقر الموساد مروراً بتفجير عبوات قتلت من جنود الصهاينة وانتهاء بقتل ضباط كبار آخرهم اللواء احسان دقسة الذي قتل الكثير من الفلسطينيين.

وبالنسبة لي سأستخدم هذا المثل مع كل من عمل على عدم إتقان عمله، لأنه أضر بالبلد ومؤسساته خاصة الثقافية منها كوني متابعاً لها، لكننا بتنا نلمس الكثير من الخطوات والإجراءات القانونية لمحاربة الفساد الذي هو بحاجة إلى عملية غير منتهية من الجد والاجتهاد والمتابعة والمراقبة والمحاسبة، وليس هناك أي شخص فوق القانون. وهذا ما لمسناه من إجراءات ضد بعض الشخصيات المرموقة فمنهم من حصل على حكم قضائي ومنهم من ينتظر لأن الإصلاح عملية غير منتهية.

همسة:

سوف تصبح عصا السنوار أيقونة للثوار أكثر من صورة جيفارا.